بسم الله
الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين
والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين ، اللهم لا علم لنا إلا ما
علمتنا ، إنك أنت العليم الحكيم ، اللهم علمنا ما ينفعنا ، وانفعنا بما علمتنا ،
وزدنا علماً ، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه ، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا
اجتنابه ، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه ، وأدخلنا برحمتك في عبادك
الصالحين .
أيها الأخوة الكرام ،
لا زلنا في سلسلة دروس تربية الأولاد في الإسلام ، ولا زلنا في السلسلة الثانية
التي تتحدث عن الوسائل الفعالة في تربية الأولاد .
سبق أن تحدثنا عن
التربية بالقدوة ، وعن التربية بالتلقين والتعويد ، وعن التربية بالوعظ ، وعن
التربية بالملاحظة ، ولا زلنا في الملاحظة .
1ـ مهمة الأب
الأولى ملاحظة الجانب الإيماني في الولد وأن يصحح له عقيدته :
أيها الأخوة الكرام مهمة
الأب أو المربي الأولى ملاحظة الجانب الإيماني في الولد ، ماذا يتلقى هذا
الولد ، أو هذا الطفل ، أو هذا الابن ، أو هذا الطالب ، من الأفكار والمبادئ
والتصورات والاعتقادات ؟ أخطر شيء في حياة الإنسان فلسفته ، أو عقيدته ، فإما أن
يتلقاها من مصادر صحيحة :
(( ابن عمر ، دينك
دِينك ، إنه لحمك ودمك ، خذ عن الذين استقاموا ، ولا تأخذ عن الذين مالوا )) .
[ كنز العمال عن ابن عمر ]
وإما أن يتلقاها من
مصادر مشبوهة ، أو منحرفة ، أو ضالة ، أو مضللة ، وهذا جانب خطير جداً في حياة
الابن ، فهذا الأب الغافل عن ابنه قد يستقي فكراً إلحادياً ، وقد يستقي فكراً فيه
إنكار لجوانب الدين الأساسية ، وقد يستقي فكراً أساسه التفلت من منهج الله عز
وجل ، فلا بد من أن يجلس الأب مع ابنه وأن يحاوره ، ليرى كيف يفكر ؟ كيف يحكم ؟ ما
المبادئ التي ينطلق منها ؟ ما القيم التي تتحكم فيه ؟ من أين استقى هذه الفكرة ؟
من خالط حتى كانت هذه أفكاره ؟ ما المؤثر الثقافي ؟ ما المورد الفكري ؟ ما التغذية
العقائدية التي تغذيه ؟ يعني الإنسان حينما يعتقد خطأ يتصرف خطأ ، هكذا سمعت عن
إنسان أنكر السنة ، فلما أنكر السنة خالف كل توجيهات النبي لأنه لم يعتقد أنها
صحيحة ، لأن السنة فيها أحاديث ضعيفة فأنكر السنة بأكملها ، وسلك سلوكاً غير صحيح
، لا بد من أن تلاحظ عقيدة ابنك ، جانبه الإيماني ، هل هو مؤمن بأن الله كامل ،
واحد ، موجود ، عدل ، حكيم ، أم أن له اعتراضاً على الذات الإلهية ، قد يرى
إنسان بنظر قاصر أن هناك مجاعات في الأرض ، وأن هذه الدول الإسلامية فقيرة جداً ، ومقهورة
، وذليلة ، وثرواتها منهوبة ، مع أنها مسلمة ، وأن الطرف الآخر غني ، قوي ، متعجرف
مع أنه كافر ، قد يختل توازنه .
أنا أنصح الأخوة الآباء
والأخوة المربين أن يجلسوا مع أولادهم وأن يحاوروهم ، فلعل عقائد زائغة تسربت إليهم ، لعل تصورات
خاطئة اعتقدوها ، لعل فكراً هجيناً على الإسلام صدقوه ، لعل ضلالاً براقاً مزيناً
اعتقدوه ، هذه مهمة الأب الأولى أن يصحح عقيدة ابنه ، الحقيقة أن الأب أب ، لكن في
مصادر تغذية كثيرة في حياة الابن ، المدرسة ، الأصدقاء ، المعلم أحياناً ، المعلم
التائه ، أحياناً وسائل الإعلام ، أحياناً المجلات والصحف ، أدوات النشر ، أدوات
نقل المعرفة ، هذه كلها ربما تضلل ، ربما تقلل من قيمة الدين ، ربما تعظم
الانحراف ، ربما تطرح أطروحات لا علاقة لها بمنهج الله عز وجل ، يكفي أن يعتقد
الابن أن الاختلاط ضروري ، هذه مشكلة كبيرة ، يكفي أن يعتقد الابن أن إطلاق
البصر في الفتيات لا شيء فيه ، إنسانة أين أذهب ببصري ؟ حينما ترى أن ابنك يعتقد
شيئاً ليس في الكتاب ولا في السنة فهذه بادرة خطيرة ، ربما تلقاها من صديق ، من
معلم ، من مجلة ، من مقالة ، من فيلم أحياناً ، من مسلسل ، قد تستقي فكراً أو
عقيدة دون أن تشعر ، إذاً مهمة الأب الأولى أن يلاحظ ما المبادئ والأفكار التي
يعتنقها ابنه ؟ ما الكتب والمجلات والنشرات التي
يقرؤها ابنه ؟ ما الرفقاء والقرناء الذين يصاحبهم ؟ هل ينتمي إلى جماعة
معينة ، أو إلى فئة ضالة ، أو إلى أصدقاء لهم فكر شاذ ؟ يجب أن تلاحظ عقيدته
، أن تلاحظ كتبه ، أن تلاحظ انتماءاته ، وأن تلاحظ أصدقاءه ، وهذه هي التربية
بالملاحظة ، يعني ينبغي أن يكون للأب عشر أعين ، أن يكون للأب عيوناً يلاحظ
بها ابنه ، هذا الذي لا بد من أن يكون في هذا الدرس .
الآن فضلاً عن أن يلاحظ
عقيدة ابنه ، مبادئ الابن ، التصورات ، الأصدقاء ، الكتب ، المجلات ، النشرات
، الجماعات التي ينتمي إليها ، مع من يجلس ، مع من يعتقد ، قد يكون الأب في غفلة
عن ابنه صدقوني فإذا هو ينتقل من دين إلى دين ، وهذا حدث ، وقد يكون في غفلة عن
ابنه فإذا هو ينتقل من جهة إسلامية صحيحة إلى جهة إسلامية أخرى منحرفة أثناء
الغفلة فلا بد من أن تلاحظ ، أول شيء ينبغي أن تلاحظ الجانب الإيماني ، العقيدة ،
هل ظنه بالله ظن حسن ؟ هل يعتقد بالآخرة ؟ هل يعتقد أن الدنيا دار ابتلاء أم
دار جزاء ؟ هل يرى الغني هو السعيد أم يرى المؤمن هو السعيد ؟
2ـ ملاحظة
الجانب الأخلاقي عند ابنه :
الشيء الثاني أيها الأخوة
ينبغي أن يلاحظ الجانب الأخلاقي ، هل يكذب الابن ؟ هل يدلس ؟ هل يلف ويدور ؟
هل يحتال ؟ ماذا يفعل ؟ هل هو صادق وواضح أم يسير سيراً منكسراً ؟ واضح أم يكذب ؟
واضح أم يبالغ ؟ واضح أم يتملق ؟ أيضاً ينبغي أن تلاحظ الجانب الأخلاقي ، ولاسيما
الصدق ، ثم ينبغي أن تلاحظ الجانب الأخلاقي ولاسيما الأمانة ، الأمانة أيها الأخوة
لا تتجزأ ، يعني أعطيته مبلغاً من المال ليشتري شيئاً ينبغي أن يرد لك الباقي مهما
يكون صغيراً ، هذه الأمانة ، تعطيه أنت المبلغ الذي تريد ، لكن إذا كلفته بعمل
ينبغي أن يأتي بالحساب الدقيق وبالبقية الباقية ، هل وجدته يصرف مصروفاً لم تعطه
إياه ، قد يشتري حاجة ثمينة غالية ، قد يأتي كل يوم من المدرسة ولا يأكل ، حسناً أين
تأكل إذاً ؟ تناول الطعام في مطعم ، أنت لم تعطه المبلغ الذي يتيح له أن يأكل كل
يوم في مطعم ، معنى هذا عنده دخل آخر ، هو طالب من أين هذا الدخل ؟ هذه مهمة الأب
، أن يلاحظ أنه كل يوم يأتي ليأكل وهو جائع جداً ، له أيام ثلاثة لا يأكل في البيت
، بقي لأيام ثلاثة يتأخر ، اسأل المدرسة هل داوم ؟ لعله لم يداوم ، هذا الذي
أتمناه ، يجب أن تلاحظ الجانب الإيماني ، عقيدته ، أفكاره ، تصوراته ، حسن
ظنه بالله ، ينبغي أن تلاحظ الكتب التي يستقي منها ، الأشخاص الذين يأخذ منهم ،
الجمعيات التي ينتمي إليها ، هذا الفكر الذي لم يعجبك من أين استقاه ؟ من غذاه به
؟ هذا الجانب الإيماني ، ثم الجانب الأخلاقي أن تلاحظ صدقه ، وأن تلاحظ أمانته ،
هل يأخذ ما ليس له .
3ـ ملاحظة ضبطه
للسانه :
الشيء الثالث : ينبغي
أن تلاحظ ضبطه للسانه ، لو عنده صديق هل في كلامه انحراف ؟ هل في كلامه كلمات
بذيئة ؟ هل في كلامه مزاح رخيص ؟ هل إذا كان يتحدث مع أخوته له كلمات لا تستعملها
هذه الأسرة ؟ يعني هل هو منضبط في لسانه ؟ ينبغي أن تلاحظ أمانته ، وصدقه ، وضبط
لسانه .
4ـ ملاحظة الجانب
الإرادي لابنه :
الآن ينبغي أن تلاحظ
إرادة ابنك ، هل يستطيع ، أو هل يملك إرادة قوية تعينه على تطبيق ما يتعلم ؟ أم
أنه يجاملك ويتملق إليك و يثني على توجيهاتك ولا يطبقها ؟ والحقيقة مع الأسف
الشديد النفاق فيما مضى كان يظهر عند الراشدين ، أما الغريب الآن بدأ النفاق يظهر
عند الصغار ، وجدت هذا في بلاد بعيدة جداً ، الابن يعرف نمط أبيه ، أبوه متدين ،
إذاً يوهمه أنه يقرأ القرآن ، يوهمه أنه يستقي فكراً إسلامياً من صديق له ، وهو
عكس ذلك ، بدأ النفاق يتسرب إلى الصغار ، يتملق أباه ، يثني على أبيه ، يصلي أمامه
فقط ، يوهمه أنه يحب الله ، متدين ، وهو على النقيض من ذلك .
والله أخ أطلعني على
دراسة أجراها في جالية إسلامية بعيدة جداً ، التقى مع الصغار وبطريقة ذكية
جداً وصل إلى خبايا نفوسهم ، ثم كشف أن نسباً متفاوتةً بينهم بعضهم ينحرف ، بعضهم
يشرب الخمر ، بعضهم يدخن ، بعضهم يتلقى المخدرات أحياناً ، والآباء في غفلة ولا
يعلمون شيئاً ، لم أجد أباً أو معلماً أضعف من هذا الذي ينحرف ابنه وهو لا يدري .
والله مرة سافرت إلى
الخليج ، وأب كريم من أصدقائي المخلصين أوصاني أن أتفقد ابنه هناك ، والله وصلت
إلى هناك ، وشاهدت الذي لا يسر أبداً ، غارق في المخدرات ، لا يعمل إطلاقاً ، له
صويحبات ، والله لو علم الأب حال ابنه لمات من توه من شدة حرصه عليه ، في غفلة .
أنا أقول لكم أيها الأخوة
كلاماً والله لن تسعدوا ، ولن تستقروا ، ولن تقر أعينكم إلا إن كان أولادكم كما
تتمنون ، وأسباب الانحراف كثيرة وواسعة جداً ، أسباب الانحراف في كل مكان ، أقول
لكم هذه الكلمة لا يمكن أن يضبط الإنسان من خارجه الآن ، أينما تحرك هناك الفساد
والانحراف ، لابدّ من أن يضبط من داخله ، لابدّ من أن تقوي إيمانه ، لابدّ من أن
تقوي خشيته من الله ، لابدّ من أن تقوي عقيدته ، أنه كلما استقام على أمر الله
ارتقى عند الله ، وحفظ الله له صحته ومستقبله وشبابه وعمله وما إلى ذلك .
هل يضعف أمام الشهوة ؟
هل تضعف إرادته أمام معصية أو شهوة يعني تسره ؟ بعد أن لاحظ جانبه الإيماني ، وبعد
أن لاحظ جانبه الخلقي ، ولاسيما الصدق والكذب وضبط العين والجوارح ، لا بد من أن
يلاحظ الجانب الإرادي ، هل يفعل ما يعتقد ؟ هل عنده إرادة على أن يطبق الذي سمعه ؟
ما الذي يمنع ، وأقول لكم هذا بصراحة أن تدخل إلى غرفة ابنك وأن تتفقد حاجاته ،
أنت أب لك مطلق الصلاحية ماذا يقرأ ؟ ماذا تحت الفراش من مجلات ؟ وجدت عنده قرصاً
مدمجاً شاهد هذا القرص ، وجدت له دفتراً انظر ما كتب ، من يراسل ؟ ماذا يقرأ قبل
أن ينام ؟ يعني لا بد من أن تتفقد أحواله ، كتبه ، دفاتره ، محفظته ، خزانته ،
مقتنياته ، يعني والله في هذين الأسبوعين عدة آباء شكوا إلى بعض المعاهد أنهم
يجدون في ثنايا حاجيات أولادهم أشياء لا تسر أبداً أخذوها من أصدقائهم ، أين
الأب ؟ يجب أن تكون يقظاً ، واعياً ، مدققاً ، محققاً ، لا ينبغي أن تخفى
عليك خافية من أحوال ابنك ، لأنه ابنك ينبغي أن تلاحظ أيضاً تحصيله العلمي ،
أن تتصل بالمدرسة ، علامات المذاكرات ، في أي مادة مقصر ، لا بد من أستاذ خاص
أحياناً ، أما أن تنسى أن تتابع أموره التحصيلية إلى نهاية العام حتى يقول لك
المدرس والله رسب ، وما في أمل أبداً بالنجاح ، ومن الصعب أن تتلافى هذا
الخطأ ، ينبغي أن تتابع تحصيله من أول العام ، لا بد من زيارات كل شهر مرة
إلى المدرسة على الأقل ، لا بد من أن تتصل بها الهاتف يحل مشكلة كبيرة ، اسأل
المدير ليعطيك مستوى الطالب عند معلميه ولو بالهاتف ، يجب أن يشعر الطالب أنه
مراقب من أهله .
والله حدثني شخص له أخ
يدرس في ألمانيا ، تأتي الرسائل أنه نجح إلى الصف الثالث والرابع والخامس ، ثم
فاجئهم أنه حصل على الشهادة العليا ، يعني له أخ على شيء من الحكمة والذكاء ، فتح
الإنترنت على نتائج هذه الجامعة فإذا أخاه لم ينجح إطلاقاً ، كل هذه الرسائل غير
صحيحة ، كلها كذب ، الأب يفرح ويبلغ أقرباءه ابني نجح الحمد لله ، وهو في سذاجة
وسعادة فارغة ، فعن طريق المعلوماتية الإنترنيت وجد أن ابنه لم ينجح ، الآن
القضية سهلة جداً ، تفتح موقع الجامعة ، قسم الطلاب ، أسماء الناجحين ، قد تجد أن
هذا الذي أوهم أهله أنه ناجح لم ينجح ، وفي آباء سذج يصدقون كل ما يقال لهم ، ثم
يذيعون ، ثم يبالغون ، والابن غارق في المعاصي والآثام هناك ، ويبتز أموال أبيه
وحقوق أخوته دون أن يشعر ، لا تكن ساذجاً ، يجب أن تدقق ، وأن تحقق ،
وأن تراقب ، وأن تتابع .
موضوع هذا الدرس الملاحظة
، يجب أن تلاحظ ثم أن تقدم ملاحظة ، أن تلاحظ أحوال ابنك الإيمانية ، أحوال ابنك
الخلقية ، أحوال ابنك الإرادية ، أحوال ابنك العلمية ، ثم أن توجه ، يعني أحياناً
يعطيك الابن معلومات كلها مغلوطة عن وضعه في المدرسة ، واليوم الأستاذ أثنى علي
كثيراً ، وسألني من أبوك ؟ كله كذب ، واليوم أخذت علامة تامة ، واليوم صفقوا
لي مثلاً ، والأب في سذاجة يصدق ويفرح ويتحدث للناس ، لو أن الأب انتقل إلى
المدرسة فجأةً وسأل عن علامات ابنه يجده أخذ أصفاراً ، أنا الذي ألاحظه أن الحقيقة
تأتيهم بعد فوات الأوان ، خلال سنة بأكملها لم يخطر في بال الأب أن يزور مدرسة
ابنه ، ولا أن يسأل ، ما الذي يمنع أن تأخذ هاتف أستاذ ابنك ، الآن الحياة معقدة
جداً ، لكن الهاتف يحل مشكلات كثيرة ، ما الذي يمنع أن تأخذ هاتف أستاذ ابنك ، بكل
لطف تسأله من حين لآخر عن أحواله ؟ كيف انضباطه ؟ كيف أخلاقه ؟ كيف دراسته ؟ كيف
وظائفه ؟ كيف تحصيله ؟ كيف تسميعه ؟ كيف مذاكراته ؟ عندما يشعر الطفل أن الأب
يتابع ، في معهدنا ـ والفضل لله عز وجل ـ نرسل استمارة للأب ، هذه الاستمارة فيها
جدول الصلاة ، يجب أن يملأ الأب الأوقات التي صلاها ابنه ، الأب مضطر أن يراقب
ابنه هل صلى الفجر ؟ هل صلى العشاء ؟ هذه السبعة أيام كل يوم في خمس فراغات ، ثم
يسأل كيف يعامل أمه وأباه ؟ ثم يسأل كيف يعامل أخوته وأخواته ؟ ثم يسأل هل يقدم
خدمات لأسرته ؟ ثم يسأل ما الأعمال الصالحة التي فعلها هذا الأسبوع ؟ هذه
الاستمارة ينبغي أن تكون متبادلة بين الأهل وبين المعلم ، ليس هناك من عمل أعظم من
أن تقدم لهذه الأمة شباباً مؤمنين ، صادقين ، متفوقين .
وبعاداته الخاصة ،
وبعلاقاته الحميمة .
طفل صغير لا أذكر في
اللاذقية أم في إدلب أم في بيروت قال لي : أنا يا أستاذ لا أحتمل ما أشاهد في
الأخبار ، ماذا أفعل ؟ يا الله طفل عمره إما ست أو سبع سنوات ، لا يحتمل ما يشاهد
، من قهر ، ومن قتل ، ومن ضرب ، قال : ماذا أفعل ؟ قلت له : إن أعداءنا
تعلموا فغلبوا وأنت اجتهد وخذ الدرجة الأولى كي تكون قوياً تنتصر أمتك على
أعداءها ، كل إنسان له مهمة بالحياة ، فالأعداء اعتمدوا على العلم ، وعلى
التعاون ، وعلى القوة ، فأملوا إرادتهم على الضعفاء ، ونحن ما لم نعتمد على
الإيمان أولاً ، أنا أتكلم مع طفل صغير ، أقول له اجتهد وخذ الدرجة الأولى كي تكون
متفوقاً ، كي تسهم في بناء هذه الأمة .
5ـ الانتباه
لعادات ولده الخاصة ولعلاقاته الحميمة :
أيها الأخوة ينبغي
أيضاً أن تلاحظ كل شيء ، يعني يجب أن تتعاون مع زوجتك على ملاحظة ما يفعله الابن
وحده في الغرفة ، في غرف لها نوافذ والبلور شفاف هذا شيء له هدف تربوي ، كنت مرة
في تركيا ، في مبيت طلاب ضخم جداً ، ما في باب يمكن أن يقفل أبداً بكل البناء ،
يعني أي باب يفتح بأي لحظة ، هذه لها معنى ، يعني أحياناً في بعض الصفوف بالمدارس
لها نوافذ بلور شفاف ، يعني أي إنسان يمر أمام الصف يرى ما بداخل الصف هل يوجد
فوضى ؟ هل الأستاذ يدرس أم لا يدرس ؟ يعني أيضاً يجب أن يكون وضع الطفل تحت
المراقبة ، أما أن يكون له غرفة ويقفل الباب قبل أن ينام ، ماذا يفعل بالليل ؟ أنا
أقول لكم أشياء دقيقة جداً من أجل أن تكون يقظاً ، يجب أن تلاحظ أن ابنك هو
ثمرة فؤادك ، أن ابنك هو استمرارك ، أن ابنك هو خليفتك ، أن ابنك هو ثروتك ، أن
ابنك هو جنتك ونارك أحياناً قد يسبب شقاء الأسرة بأكملها ، والله تأتيني
اتصالات من بعض الأمهات يعني طفل منحرف أربك الأسرة بأكملها ، طفل منحرف أشقى أسرة
بأكملها ، منحرف ، ولا ينصاع ، ويأتي بعد منتصف الليل ، ويتطاول على أمه وأبيه ،
ويضرب أخوته ، ولا يصلي ، ولا يداوم في المدرسة ، والعياذ بالله ، هذا هو البلاء
الأكبر ، كيف قلت لكم في دروس سابقة ينبغي أن تكتشف الانحراف قبل أن يتفاقم ، لكن
الأب الساذج متى ينتبه ؟ بعد أن تقع الطامة الكبرى ، بعد أن يخسر ابنه ، وبعد أن
ينحرف ابنه انحرافاً شديداً عندها يصيح ، ويستجير ، ويدعو .
6ـ الاهتمام بالجانب
الصحي لابنه :
أيها الأخوة قال
لي أخ : ابني شرب كأس عصير أو كأس حليب مع أطعمة أخرى قال لي : ذهب إلى المستشفى
فوراً ، قد يكون في محلات بضاعتها سيئة في بيض فاسد ، في طعام غير جيد ، فينبغي أن
تلاحظ أيضاً وضع ابنك الصحي ، يجب أن ترشده إلى أن يأكل في البيت ، طعام البيت لا
يعلو عليه طعام ، طعام البيت نظيف ، والله في معلومات ، والله لو اطلعتم عليها
ماذا يجري في المطاعم ، مثلاً يكفي أن موظفاً في مطعم يحمل فيروس التهاب الكبد
الوبائي ، هذا مرض مميت ، وحتى الآن ما له دواء ، وهذا الإنسان بالمطعم ليس مصاباً
بهذا المرض ولكن يحمل هذا الجرثوم ، ويكفي أن يذهب إلى دورة المياه ، ثم لا ينظف
يديه تماماً وتبقى آثار فضلاته تحت أظافره ، ويكفي أن يقدم الطعام لرواد
المطعم يمكن أن يصاب ثلاثمئة إنسان من رواد هذا المطعم لوجود جرثوم يحمله هذا
الموظف الذي لا يعتني بنظافة يديه ، يعني أحياناً تجد الابن يزداد وزنه بشكل غير
معقول في سن مبكرة ، قد يلتهم من الطعام ما يؤذيه ، قد يتعود أن يأكل في الطريق
دائماً ، وطعام الطريق فيه مشكلات كثيرة جداً ، يعني الأب الناجح يهيئ لأولاده
الطعام الذي يحبونه في البيت ويأكل مع أفراد أسرته ، والله حدثني أخ توفي رحمه
الله ، قال لي : لمدة عشرين أو ثلاثين سنة مع دقات ساعة الإذاعة البريطانية
يتناولون طعام الغداء مجتمعين ، شيء جميل جداً أن يكون الاجتماع على مائدة الطعام
، والنبي عليه الصلاة والسلام يقول :
(( أذيبوا طعامكم بذكر الله )) .
[ شعب
الإيمان باب في المطاعم والمشارب عن عائشة رضي الله عنها ]
من أروع ما يكون في
الأسرة أن يجتمع أفراد الأسرة على طعام على وجبة واحدة الحد الأدنى ، هي الظهر أو
المساء ، يتبادلون أطراف الحديث ، يسأل الأب ابنه عن أحواله ، عن دارسته ، عما رأى
في المدرسة ، يستمع إلى أولاده ، إلى زوجته ، يأكلون بهدوء ، يعني هذه الحياة المعقدة
كل شيء سريع هذا مزعج ، أنا أتمنى أن يكون هناك وعي صحي ، يعني مثلاً في شراب
كيميائي ، وفي كأس لبن ، وفي شيء طبيعي ، يمكن أن تستبدل كل شيء كيميائي بشيء
طبيعي ، أن تشرب الشراب الطبيعي ، والأسعار متقاربة ، يمكن أن تستبدل كل شيء محفوظ
بالعلب بشيء طازج ، ينبغي أن تهتم ماذا تأكل ، في مأكولات مؤذية ، في مأكولات مسرطنة
، في أطعمة تدعو إلى السمن بشكل غير معقول ، فلا بد من توعية صحية في البيت ،
والوعي الصحي لا يحتاج إلى طعام غالٍ ، لكن يحتاج إلى طعام مدروس ، أيضاً الأب
مهمته أن يعتني بصحة أولاده ، أكثر الأمراض الذي يعاني منها الإنسان في
مستقبل أيامه بدأت معه في سن مبكرة من أخطاء في التغذية ، في أطفال لا يهتمون
بالرياضة إطلاقاً والرياضة لها أثر كبير في صحة الإنسان ، كنت أقول دائماً
ينبغي أن تعتني بإيمانه ، وبعقله ، وبنفسه ، وبعلاقاته الاجتماعية ، وبإرادته ،
وبتحصيله العلمي ، وبصحته ، وبعاداته الخاصة ، وبعلاقاته الحميمة .
7ـ الاهتمام بالجانب
النفسي لابنه :
الجانب النفسي هل عنده
خجل ؟ الخجل مرض ، الحياء فضيلة ، لكن الخجل مرض ، الخجول لا يستطيع أن يعبر عن
حاجاته ، ولا عن أفكاره يضطرب ، لكن الحياء ، قد يستحي الإنسان من معصية ، يستحي
أن يراه أحد في شيء لا يرضي الله عز وجل ، فالحياء من الإيمان ، لكن الخجل من
الشيطان ، هل يخاف ؟ هذا الأب وهذه الأم ، يعني أقول سامحها الله تخيف ابنها إما
من المجهول ، أو من عفاريت ، أو من شياطين ، أو من بعبع ، هذا كله كلام لا أصل له ،
فينشأ الطفل يخاف من الظلام ، أحياناً تسجنه في الحمام يخاف من كل شيء مغلق ،
فأساليب الأم الجاهلة في التخويف بأشياء موهومة هذه تورث الخوف العام ، إذاً ينبغي
أن تنتبه الأم إلى أنها حينما تخيف ابنها بأشياء موهومة قد تغرس فيه عقدة الخوف ،
أحياناً الطفل عنده شعور بالنقص ، لا يستطيع أن يتكلم ، لأنه كلما تكلم يقول له
أبوه اخرس ، اخرس أنت لا تفهم ، على مرتين ثلاث لا يستطيع أن يتكلم ولا بكلمة ،
أياماً المعلم يقول له أنت غبي مثلاً ، أنت لا تفهم ، هذه الكلمات تحطم ، فالتوجيه
الخاطئ ، والقمع ، والكلام السيئ ، والوصف الشنيع للطفل يجعله يتحطم ، الطفل يحتاج
إلى تشجيع ، تكلم كلمة لا مانع هذا الصواب ، أنا عندي قاعدة بالتربية ليس العار أن
تكون جاهلاً العار أن تبقى جاهلاً ، ليس العار أن تخطئ العار أن تبقى مخطئاً ،
فأنت حينما تقمع وتقسو بالكلام ، تتهم بالغباء ، تقمعه أمام أخوته البنات ، أمام
أقربائه ، أمام أمه أحياناً ، فالطفل ينشأ على الشعور بالنقص ، ليس واثقاً من نفسه
أبداً ، دائماً خائف .
في أخطاء كثيرة جداً
يرتكبها المربي أحياناً ، الأم والأب والمعلم ، أكثر الصفات التي تبغضها في
الابن أحياناً بسبب الأب ، في أب قمعي ويقسو بالكلام ولا يعبأ بكرامة ابنه ، ولا
بشخصيته ، قد يقسو عليه أمام أخوته ، أمام أخواته البنات ، قد يضربه ضرباً مبرحاً
أمام أخواته ، فبعد أن ينتهي الضرب يشمتون به ، يتألم أشد الألم ، من الخطأ الشنيع
أن تؤدب ابنك أمام أحد ، فيما بينك وبينه ، وقد يقبل الابن أن يؤدب فيما بينه وبين
أبيه ، فالشعور بالنقص سبب القمع ، التحقير والإهانة ، أو الدلال المفرط كل
شيء يأتيه إلى الفراش لا يفعل شيئاً ، ينشأ اتكالياً ، قد يتلقى خدمات من أمه
وأبيه لكن بعد أن يكبر تعود أن يتلقى خدمات باستمرار ، لا أحد يخدمه ، يصبح
اتكالياً ، عبئاً على الناس ، فيجب أن تربيه تربية استقلاليةً يعتمد على نفسه ،
أحياناً الدلال المفرط يسبب شعوراً بالكسل والقعود ، أحياناً اليتم ، فقد
الأب فقد الدعم ، أو يتم الأم ، أحياناً الفقر الشديد ، الفقر قدر ، لكن في فقر
كسل بصراحة ، فقر القدر أنا أحترم هذا الفقر ، فقر الكسل ، لما الأب يتقن
عمله تماماً ويربح ويطعم أولاده ، ويلبسهم ويلبي حاجاتهم يكون قد رفع معنوياتهم
، وأحياناً الطفل يسلك سلوك غضب شديد جداً بسبب الضغط ، الإنسان كلما ضغط
ينفجر في النهاية .
8ـ الاهتمام بالجانب
الاجتماعي لابنه :
ثم إن هناك جانباً
اجتماعياً ، يعني علاقته مع الآخرين طيبة ، مواعيده صحيحة ، صادق معهم ، مؤنس
أم انعزالي ، اجتماعي ، لطيف ، يراعي شعور الآخرين ويحترم مشاعرهم أم لا يعبأ
بأحد ، يجب أن تلاحظ الجانب الاجتماعي .
9 ـ الاهتمام بالجانب
الروحي لابنه :
ثم يجب أن تلاحظ الجانب
الروحي ، له خشية من الله ، هل يصلي بخشوع ؟ هل يقرأ القرآن ؟ جوانب لا تعد ولا
تحصى ، جانب الخشوع ، جانب الإرادة ، والجانب النفسي ، والجانب الاجتماعي ،
وجانب الدين ، وجانب الخلق ، وجانب التحصيل العلمي ، هذه هي الملاحظة ، يعني
الأب كله أعين ، كله إدراك ، كله متابعة ، ويعطي التوجيهات ، وعلى الله الباقي ،
أدِّ الذي عليك واطلب من الله الذي لك .
أيها الأخوة ، يعني
أنا والله أحياناً أتألم ، يأتينا طفل إلى المعهد بأخلاق سيئة جداً يكذب ،
ويضرب ، ويؤذي ، أين أمه وأبوه ؟ ما في اهتمام ، عاداته سيئة جداً ، يعني قد يرتكب
أخطاء فاحشة جداً عند الآخرين ، ولا يعبأ ، قد يلقي بحاجاته الخاصة جداً في مكان
عام ، أو في بيت كان في ضيافته ، فأين الأب والأم ؟ أين التوجيه المستمر ؟ أين
المتابعة ؟ أين الملاحظة ؟ فضلاً عن كل
ذلك ينبغي أن تلاحظ عبادته ، صلواته ، صيامه ، قد تكتشف أنه لم يصم برمضان ، لم
يكن جائعاً ، والصيام طويل ، معنى ذلك أنه غير صائم ، هل تابعت السبب ؟ ناقشته ،
بينت له حكم الشرع ، الصيام فريضة ، الله عز وجل يثيب الصائم ، يغفر له ذنوبه ،
يعني أرجو الله سبحانه وتعالى أن يترجم هذا الدرس إلى واقع ، ينبغي أن تلاحظ عقيدته
، كتبه ، مجلاته ، أصدقاءه ، مصادره الثقافية ، مصادر التغذية عنده ، ينبغي أن
تلاحظ أيضاً أخلاقه ، صدقه ، أمانته ، ضبطه لعلاقاته ، ينبغي أن تلاحظ إرادته ، ينبغي
أن تلاحظ تحصيله العلمي ، ينبغي أن تلاحظ واقعه الاجتماعي مع الآخرين ، ينبغي أن
تلاحظ نفسيته ، عنده شعور بالنقص ، عنده كآبة ، عنده عدم ثقة بنفسه ، ينبغي أن
تلاحظ صحته ، عبادته ، كل شؤون حياته .
كلما ارتقى الأب في
جانب المعرفة كان أقدر على الملاحظة ، يعني لو فرضنا مثلاً للتوضيح أن أباً
ضعيفاً جداً في اللغة قال لابنه : اقرأ لي هذه الصفحة ، قد يرتكب الابن عشر أخطاء
والأب لا يعرف أنه أخطأ ، فكلما ارتقت ثقافة الأب العلمية ، والدينية ،
والأخلاقية ، والاجتماعية ، صار مربياً ، هذا الكلام موجه للمعلم والأب معاً
.
سمعت عن أم بكندا أعطت
ابنها قطعة سكاكر ، بعد ثلاثمئة متر سألته : أين الورقة ؟ قال : رميتها ، فعادت
معه ثلاثمئة متر ، إذا كل عمودين في خمسين متر كم عمود قطعت ؟ ستة عواميد ، قالت
له : خذها وضعها في سلة المهملات .
والله دخلت بيتاً في أستراليا
يعني شيء لا يصدق ، الحذاء على الطاولة ، شيء العقل لا يصدقه ، أشياء غير
معقولة إطلاقاً لا يوجد تربية ، ولا نظام ، ولا ترتيب للثياب ، ولا ترتيب للحاجات ،
قد يكون إهمال من الأب والأم ، فهذه العادات السيئة تزعج جداً ، البيت المضطرب
يوتر الأعصاب ، الحاجات الكثيرة بالبيت توتر الأعصاب ، الفوضى بالبيت توتر
الأعصاب ، دائماً في ضغط نفسي ، في ضجر ، أما البيت المرتب مريح جداً ، البيت
النظيف مريح ، الحاجات المتناسقة مريحة جداً .
أيها الأخوة أرجو الله
سبحانه وتعالى أن يكون هذا الدرس معبراً عن حاجة أساسية لنا جميعاً في تربية
أولادنا ، لا حظ كل شيء ، واضبط كل شيء ، وفاجئ ابنك في أي حين وتابع كتبه ،
ورسائله ، وحاجاته الأساسية ، ومقتنياته ، استمع إليه أحياناً ، ماذا يقول
على الهاتف ؟ كيف يحادث أصدقاءه على الهاتف ؟ هذا كله أنت مطالب به لأنك أب ، ولأن
الله سبحانه وتعالى منحك سلطة على ابنك ليس فوقها سلطة .