Banner 468

Facebook
RSS

وسائل تربية الأولاد ( 18 ) القواعد الأساسية في التربية



بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين ، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا ، إنك أنت العليم الحكيم ، اللهم علمنا ما ينفعنا ، وانفعنا بما علمتنا ، وزدنا علماً ، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه ، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه ، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه ، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين .
أيها الأخوة الكرام ، لا زلنا في دروس تربية الأولاد في الإسلام في القسم الثاني منها وهو الوسائل الفعالة في التربية ، وكانت من وسائل التربية الفعالة أسلوب التحذير .



التحذير أنواع كثيرة وننتقل اليوم لبعض أنواع التحذير ، أولاً من أكبر الآفات الاجتماعية التي تسبب ضياع الأمة التقليد الأعمى للأقوياء والأغنياء ، التقليد الأعمى قد ينسي الإنسان هويته كما ترون ، نحن أمة خصها الله بوحي السماء ، نحن أمة معنا منهج ، وأمة قال الله عنا : 
﴿ كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ (110) ﴾
(سورة آل عمران)
أي أصبحتم خير أمة حينما اختص الله هذه الأمة ببعثة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ومع ذلك تجد الناس يلهثون وراء التقليد ، مصمم أزياء رئيسي في غرب أوروبا هو الذي سيحدد ما ينبغي أن تبديه المرأة وما تخفيه من جسمها ، أما منهج الله عز وجل وتوجيهات رسول الله هذه تأتي في المرتبة الثانية ، آفة المجتمع هي التقليد الأعمى ، لذلك التقليد الأعمى دليل انهيار القيم الدينية في المجتمع ، ودليل ضعف العقيدة ، وعدم وضوح الهدف ، والجهل بالمنهج ، فهذا التقليد الأعمى ربما ساق الإنسان فرداً وساق المجتمع إلى الويلات ، أنا أؤكد لكم أنه كم من بيت تهدم من التقليد الأعمى ، وكم من امرأة طلقت بسبب التقليد الأعمى ، وكم من أولاد تربوا مشردين بسبب التقليد الأعمى ، فلذلك المربي معلماً كان أو أباً أو مرشداً ينبغي أن يحذر .
الآن بحياتنا المدنية يوجد تحذير يقال : تقاطع طرق ، أكثر الحوادث المروعة بسبب تقاطع الطرق ، انتبه تقاطع طرق أو انتبه منعطف خطر أو جليد ، فبحياتنا اليومية باستعمال الطرق ، والأدوية ، ضع هذا الدواء بعيداً عن أيدي الأطفال سام ، تيار كهربائي احذر خطر الموت ، حياتنا اليومية بنظام السير أو الكهرباء أو الأدوية فيه آلاف التحذيرات ، والتحذير دليل رقي .



وجدت في مركبة حديثة مكتوب باللغة العربية على المرآة أن هذه المرآة لا تعطيك الأبعاد الحقيقية مقعرة ! فالذي يقود المركبة قد يظن أن المسافة كبيرة بينه وبين المركبة التي قبله يراها في المرآة ، يأتي التحذير انتبه ، هذه المسافة ليست صحيحة ، حتى تأتي الصورة واضحة وواسعة قد لا تكون المرآة مستقيمة ، قد تأتي مقعرة أو منحنية ، هذا التقعر أو الانحناء يبعدها عن الحقيقة ، لو أن حادثاً وقع ولم تكتب الشركة على المرآة هذا التحذير قد يقام عليها قضية ، وقد تربح القضية .
لاحظ حياتنا المدنية في الطرقات وفي المطارات وفي توزيع الأدوية وفي مجالات عديدة جداً هناك تحذيرات ، من باب أولى الإنسان يتلقى تحذيرات من الله عز وجل ، أساساً كل المنهيات في الدين تحذيرات ، الأمر الإلهي نوعان أمر تكليفي وأمر تكويني ، الأمر التكويني فعله ، أما التكليفي أمره ونهيه ، فالله عز وجل يأمر وينهى ، والنهي تحذير ، فإذا كان الله جل جلاله هو الذي يحذر ، والنبي إياكم كذا وإياكم كذا ، إياك وما يعتذر منه ، ولا تقربوا مال اليتيم ، ولا تقربوا الزنى ، فكل منهيات القرآن والسنة تحذير ، فالمربي من باب أولى أن يسلك أسلوب التحذير مع من يربيه ، والحقيقة التحذير في معنى الرحمة والحكمة والعلم ، الذي يحذر عالم .
مثلاً الإنسان يشعر كأن معه بوادر مرض إنتاني يشتري دواء ليكافح الإنتان ، هذا الدواء تسعة وتسعون بالمئة من الناس عندما يشعر أنه تحسن يوقف الدواء ، هذا الدواء إذا أوقفه ، الجرثوم الذي دخل لجسمه بكميات الدواء القليلة يصنع مضاداً ، يصبح هذا الجرثوم ممتنعاً عن أن يعالج ، يقول لك الطبيب استعمل هذه الحبوب حتى نهايتها ولو شعرت بالتحسن من الحبة الثانية ، حتى يقضي الدواء على الجرثوم قضاء مبرماً ، أما إذا أعطيته جرعة مخففة الجرثوم يبقى حياً ، ويصنع مصلاً مضاداً فعندئذ لا تستطيع أن تصنع مصلاً مضاداً في المستقبل ، باب التحذير باب رائع جداً ، الإله ، والنبي ، وكل إنسان ، عالم ، وحكيم ، ورحيم كل حياته تحذيرات لمن حوله ، فلذلك أولى بالمربي وبالمدرس وبالمعلم وبالموجه وبالأب وبالأم أن يحذروا .



الحقيقة موضوع الدرس أول شيء ينبغي أن نحذر من حولنا ممن نعلمهم التقليد الأعمى ، الإنسان المقلد أحمق ، وهناك أحاديث كثيرة تتحدث عن التقليد الأعمى : 
 (( لَيْسَ مِنَّا مَنْ تَشَبَّهَ بِغَيْرِنَا لَا تَشَبَّهُوا بِالْيَهُودِ وَلَا بِالنَّصَارَى فَإِنَّ تَسْلِيمَ الْيَهُودِ الْإِشَارَةُ بِالْأَصَابِعِ وَتَسْلِيمَ النَّصَارَى الْإِشَارَةُ بِالْأَكُفِّ )) .
[الترمذي عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ ]
عندنا قاعدة التشبه بالغير تقليد أعمى ، ليس المُقلِّد كالمُقلَّد ، لمجرد أنك سلكت سلوك التقليد العمى فأنت دون من تقلد ، لماذا قنعت أن تكون دونه ؟ الطاقات التي أودعها الله في الإنسان طاقات مفتوحة وليست مغلقة ، فالذي يقلد لمجرد أنه يقلد وضع سقفاً فوق رأسه وارتضى أن يكون محدوداً ، ولن يستطيع مقلد أن يقلد تقليداً تاماً ، وضع سقفاً وهو دون هذا السقف ، لذلك الذين تفوقوا في الحياة ما قلدوا ولكنهم ابتدعوا ، بالمعنى اللغوي لا بالمعنى الشرعي ، بحثوا عن شيء جديد وأسلوب جديد في الحياة ، بحثوا عن حرفة نادرة ، لكن بلاء الناس حتى في التقليد في التجارة ، أي حرفة تنجح تقلد تقليداً غير معقول إلى أن تصبح حرفة غير مربحة ، من كثرة التقليد والمنافسة ، لذلك ما من مشروع نجح نجاحاً كبيراً إلا لأنه كان رائداً ، ولأن الذين قاموا عليه ما قلدوا ولكنهم بحثوا عن شيء جديد .
لذلك من الزاوية الدينية والدنيوية الذي يفكر بأسلوب جديد يربح ، إذا أردت الدنيا فعليك بالعلم ، وإذا أردت الآخرة فعليك بالعلم ، وإذا أردتهما معاً فعليك بالعلم .
(( لَيْسَ مِنَّا مَنْ تَشَبَّهَ بِغَيْرِنَا )) .
[الترمذي عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ ]
أنت لك هوية وتاريخ ، مرة كنت بقارة ، هذه قارة بجنوب شرق آسيا ، قارة أستراليا ، قالوا لي : هذه القارة ليس لها تاريخ ! قلت : كيف ؟ قالوا : هذه القارة أول من سكنها من غير سكانها الأصليين العتاة والمجرمون الذين أبعدوا من بريطانيا إلى أستراليا ، فأجداد هذه الأمة مجرمون ، أنت لك أجداد عظام وأبطال ، أنت من أمة راقية واصطفاها الله لتكون بينه وبين الخلق ، أنت لك تاريخ ، هذا الإنسان له تاريخ ، له منهج ، معه هدف ، لماذا يقلد ؟ أبسط شيء (باي) ! ما هذه ؟ السلام عليكم ، هذا سلام المسلم ، عوِّد نفسك أن تكون إسلامياً حتى في كلامك وفي عباراتك اليومية .



أول بند في هذا اللقاء الطيب يجب أن تحذر من تربيه من طلابك أو من أبنائك أن تحذرهم من التقليد الأعمى الذي يلغي شخصية الإنسان وهويته وطموحه ، ويدل على ضعف فيه ، غير الإلغاء قد ينقله للفساد والهلاك .
مثلاً تجد أسرة فيها تفاهم وود لأن المرأة تريد أن تقلد جارتها أو قريبتها أو أختها التي تزوجت من غني تصبح حياة الأسرة جحيماً ، تريد أن تظهر بمظهر لا تملك ثمنه ، مع أن زوجها جيد ، والدخل يغطي المصاريف الأساسية ، والأمور جيدة ، لكن لمجرد أن تقلد هذه الأسرة دخلت في متاهة .
 (( لَيْسَ مِنَّا مَنْ تَشَبَّهَ بِغَيْرِنَا )) .
[الترمذي عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ ]
(( لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه )) .
[ البخاري عن أبي هريرة]
أحياناً تحتار أن هذه الأزياء غير مقبولة ، وغير معقولة ، وغير منطقية ، لأن الأقوياء الذين نعظمهم ارتدوا هذه الثياب ينبغي أن نفعل مثلهم .
مرة اشتكى لي أحد أصحاب معامل الجوارب أن صرعة انتشرت بين الناس وهي عدم ارتداء الجوارب في الصيف ، شكا لي همه ! أننا عبيد لما يأتينا من الغرب .
حدثني أخ تاجر يعمل في الكلف النسائية قال : يكون عندنا بضاعة بالملايين ، بعد شهر أو شهرين تأتي في مجلات الأزياء أنماط جديدة ، كل هذه البضاعة لا تباع ولا بعشر قيمتها ، المسلمون يلهثون وراء ما يستحدث في الغرب .
طبعاً هذا يستهلك طاقات ، الإنسان حينما يلهث وراء أحدث الصرعات في الحياة لا يعجبه شيء وهو بالمقابل لا يعجب أحداً ! الحديث الأول فيه تشديد كبير :
 (( لَيْسَ مِنَّا مَنْ تَشَبَّهَ بِغَيْرِنَا )) .
[الترمذي عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ ]
الحديث الثاني فيه وعيد : 
 (( مَنْ تَشَبَّهَ بِقَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُمْ )) .
[أبي داود عَنِ ابْنِ عُمَرَ]



لفت نظري مرة في بلاد على المستوى الرسمي الخمر ممنوعة ، ولأن بعض الشاردين معجبون بالخمر يضعون على الطاولة زجاجات التفاح ، لكن تشبه زجاجات الخمر تماماً ، لون الشراب والقارورة مشابه تماماً ، أليس هذا مرضاً في الإنسان ؟ إذا كان محرماً عليه الخمر يجب عليه أن يضع على الطاولة قارورة تشبه الخمور حتى الكؤوس ، فكلما كان إيمانك قوياً تبتعد عن هذه المظاهر التي تجدها عند الطرف الآخر ، (ليس منا) هذا وعيد كبير جداً ، والوعيد الثاني :
(( مَنْ تَشَبَّهَ بِقَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُمْ )) .
[أبي داود عَنِ ابْنِ عُمَرَ]
والحديث الثالث : 
(( لَعَنَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمُخَنَّثِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالْمُتَرَجِّلَاتِ مِنَ النِّسَاءِ)).
[البخاري عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِي اللَّه عَنْهمَا]
يوجد تقليد لجنس آخر ، قد يقلد المؤمن غير المؤمن ، الآن التقليد ضمن المسلمين لكن الرجل يتشبه بالمرأة في حركاتها وسكناتها ونعومتها وكلامها الرقيق وكأنه امرأة ، ويوجد امرأة كالرجال يعلو صوتها وتحد نظرتها في الآخرين ولا تستحي لذلك :
(( لَعَنَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمُخَنَّثِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالْمُتَرَجِّلَاتِ مِنَ النِّسَاءِ)).
 [البخاري عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِي اللَّه عَنْهمَا]
أنا أقول هذه الكلمة المرأة حينما تقلد الرجال تفقد أثمن ما تملك ، هي تبقى امرأة وفي هويتها أنثى ، لكنها تفقد أنوثتها وأجمل ما في المرأة أنوثتها وحياؤها لذلك :
  ((ورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه في آخر الزمان يرفع الحياء من وجوه النساء ....)) .
[ورد في الأثر ]
تحد النظر إليك ، وتدخن ، وقد يعلو صوتها :
  (( وتنزع النخوة من عقول الرجال ، وتنزع الرحمة من قلوب الأمراء )) .
[ورد في الأثر ]
لا رحمة في قلب الأمير ، ولا نخوة في رأس الرجل ، ولا حياء في وجه المرأة وهذه علامات من علامات آخر الزمان .
   


قال النبي الكريم :
(( لَا تَكُونُوا إِمَّعَةً تَقُولُونَ إِنْ أَحْسَنَ النَّاسُ أَحْسَنَّا وَإِنْ ظَلَمُوا ظَلَمْنَا ، وَلَكِنْ وَطِّنُوا أَنْفُسَكُمْ إِنْ أَحْسَنَ النَّاسُ أَنْ تُحْسِنُوا وَإِنْ أَسَاءُوا فَلَا تَظْلِمُوا )) .
[الترمذي عَنْ حُذَيْفَةَ]
الناس يقولون مثل هذا القول ، أنت مع الناس ماذا يقولون ماذا أفعل بلوى عامة : 
(( لَا تَكُونُوا إِمَّعَةً تَقُولُونَ إِنْ أَحْسَنَ النَّاسُ أَحْسَنَّا وَإِنْ ظَلَمُوا ظَلَمْنَا ، وَلَكِنْ وَطِّنُوا أَنْفُسَكُمْ إِنْ أَحْسَنَ النَّاسُ أَنْ تُحْسِنُوا وَإِنْ أَسَاءُوا فَلَا تَظْلِمُوا )) .
حينما أشعر أن إنساناً يقابل السيئة بالسيئة يسقط من عين المجتمع لماذا ؟ لك جار أساء لك إساءة بالغة ، أنت إذا أسأت له إساءة بالغة من نوع إساءته أنت مثله وليس لك فضل عليه أبداً ، لذلك قالوا :
(( لَا ضرر وَلَا ضرار )) .
[رواه ابن ماجة عن عبادة بن الصامت]
أي أن الضرر لا يزال بضرر مثله ،إن فعلت كما فُعل بك ، أنت مثل الذي فُعل بك ، مرة ثانية : 
(( لَا تَكُونُوا إِمَّعَةً تَقُولُونَ إِنْ أَحْسَنَ النَّاسُ أَحْسَنَّا وَإِنْ ظَلَمُوا ظَلَمْنَا وَلَكِنْ وَطِّنُوا أَنْفُسَكُمْ إِنْ أَحْسَنَ النَّاسُ أَنْ تُحْسِنُوا وَإِنْ أَسَاءُوا فَلَا تَظْلِمُوا )) .
معاذ الله ، لكن يوجد استثناء من هذه القاعدة ، لكن لو قلدت الأجانب بشيء من النظام مثلاً رائع ، لو قلدتهم بدقة مواعيدهم أروع ، لو قلدتهم بإتقان صنعتهم أروع وأروع ، المؤمن منفتح يمكن أن يقتبس من كافر أسلوباً جيداً في التعامل أو في الصناعة ممكن .
قال بعض الأدباء : ثقافة أية أمة ملك البشرية جمعاء لأنها بمثابة عسل استُخلص من زهرات مختلف الشعوب على مر الأجيال .



هل يعقل إذا لدغتنا جماعة من النحل أن نقاطع عسلها ؟ يوجد حديث كبير عن مقاطعة البضائع التي تأتينا من بلاد تدعم أعداءنا ، نحن جميعاً مع المقاطعة ، لكن مع مقاطعة ماذا ؟ مقاطعة البضائع الاستهلاكية أو الضارة كالدخان أو المركبات ، لكن لسنا مع مقاطعة البرامج أو مقاطعة الأدوات الطبية العالية جداً ، هذه تنفع المسلمين ، لكنهم من لؤمهم يحظّرون علينا ما ينفعنا ويبذلون لنا ما يضرنا ، فلذلك قضية تقليد الأجنبي بدقة المواعيد فرضاً ، بإتقان الصنعة ، وبالنظام ، يوجد في النظام شيء رائع جداً ، هذا شيء ينبغي أن نقلدهم فيه ، ولأن هذه الثقافة ربما كانت من عندنا في الأساس !
دخلت لمتحف في شيكاغو ، متحف علمي كبير جداً ، تقريباً ثلثه متعلق بالعالم الإسلامي ، علماء المسلمين وعلماء الجغرافية وعلماء الفلك والرياضيات ، إنتاجهم ، أشكالهم وأشكال بحوثهم ومخترعاتهم كلها موجودة وباللغة العربية ! إذا أعجبك شيء من الأجانب قد يكون أصله من عندنا .
أعيد وأكرر ثقافة أية أمة ملك البشرية جمعاء لأنها بمثابة عسل استخلص من زهرات مختلف الشعوب على مر الأجيال ، فكل شيء جيد من عند هؤلاء ينبغي أن نأخذه ، أحد الأدباء سئل : ماذا نأخذ وماذا ندع من الغرب ؟ قال : نأخذ ما في رؤوسهم وندع ما في نفوسهم ، بعضهم قال : أوروبا عقلها من ذهب وقلبها من حديد ، قاسية قسوة الحديد ، لكن إنتاجها ينم عن ذكاء وتفوق علمي كبير ، فحينما نهاجم التقليد الأعمى لا نمنع أن تقلد ما هو جيد ووفق منهج المسلمين ومتوافق مع منهج القرآن والسنة لا مانع .
مرة كنت في مصر ، عندهم تقليد رائع ، شاب مقدم على الزواج له أصحاب ، نحن ماذا نفعل ؟ نأتي بقطعة للبيت قد يأتيه مثلها عشر قطع لا يحتاجها ! هو يضع عند صديق حاجاته ، وكل واحد يريد أن يقدم هدية لهذا الشاب يسأل هذا الذي اعتمده والذي سيهدى عليه ، فيتعاونوا على تأمين حاجاته التي رتبها وصممها ، فتأتي الهدايا كلها متوافقة مع حاجاته ، إذاً يوجد تنسيق ، أنت ينبغي أن تدفع له ألف ليرة ، ويلزمه شيء بخمسة آلاف وأنتم خمسة لو تعاونتم على شراء هذه الحاجة حلت مشكلته ! والله شيء جميل !



من باب الأشياء اللطيفة دعيت مرة لإلقاء محاضرة في بلدة جنوب شيكاغو اسمها أنديانا مدينة كبيرة ، فالذي دعاني طبيب متفوق ، المسجد عندهم رائع جداً ، أما الطابق الأرضي ثلاثة أبهاء متساوية ، يقطع هذه الأبهاء أبواب أكورديون ، فإذا أغلقت هذه الأبواب أصبح هناك ثلاثة أبهاء كاملة ، فطبعاً الدعوة لإلقاء محاضرة ، وكان هناك حفل عشاء ، الطاولة في البهو الأوسط ، وعليه من الطعام مالا يصدق ، حوالي أربعين خمسين ستين نوع من الطعام وكله من الدرجة الأولى ، من طبخ هذا الطعام ؟ من أي مطعم جاءوا به ؟ إكرام منقطع النظير ، ثم جاء الرجال كل واحد معه صحن أخذ من هذا الطعام ما يكفيه ، وجاء للبهو الأول ، ثم جاءت النساء وأخذت من الطعام ما يكفي كل واحدة واتجهت للبهو الثالث ، فالرجال والنساء أكلوا معاً ، والطعام نفيس وبكميات كبيرة جداً ، لفت نظري بعد الانتهاء من الطعام كل امرأة جمعت حاجتها لسيارتها ، مع العلم أنه لم يشترِ أحد هذا الطعام ، كل أسرة جاءت بنوع من أنواع الطعام ! سبعين أسرة سبعين طبخة ، استهلك من الطبخة واحد بالعشرة جاءت ربة البيت أخذت هذه العبوة لمركبتها ، لم يدفع أحد قرشاً وقدموا طعاماً نفيساً جداً وسيأكلونه بعد يومين من الوليمة ، والصحون والأدوات كلها كرتون أو بلاستيك .
وجدت وليمة فخمة جداً ، الطعام طيب وثمين ، والجميع أكل بوقت واحد ، وفي النهاية لا يوجد جهد ولا دفع ! 
حضرت درساً صباحياً بمنطقة اسمها ديترويت ، عندهم تقليد أن الدرس الصباحي يوم الأحد ، وعقب الدرس عندهم فطور ، من أحضر الطعام ؟ كل واحد يحضر شيئاً ، تجد مائدة بما لذّ وطاب ، صار في درس وطعام محبب وشيء يجذب . 
يوجد أشياء تعجب بقضية الطعام والنظام ، فإذا اطلع الإنسان على نماذج لطيفة في العلاقات العامة لا مانع من أن يقلدها ، أنت لست ضد كل شيء ، أنت ضد المعصية والانحراف ، التقليد بكل شيء محرم فهو محرم ، وكل شيء غير محرم لكنه يشير إلى الطرف الآخر ، التقليد يعني محبة وولاء للطرف الآخر :
(( فمن هوي الكفرة فهو مع الكفرة ولا ينفعه من عمله شيئاً .))
[السيوطي عن جابر]
الإنسان ينبغي أن يعتز بدينه لقد قال الله عز وجل : 
﴿ وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ (33) ﴾
(سورة فصلت)



في حياتنا تجد لكي تستطيع أن تحل مشكلة بعد الساعة الحادية عشرة ، إن كان بمحل تجاري صاحب المحل لا يأتي حتى الحادية عشرة أو الثانية عشرة ، وفي بعض الدوائر لا تحل قضية قبل الحادية عشرة ، الساعة الثانية انصراف ! يأكلون وينامون ويعودون للعمل وينتهون في الساعة العاشرة من العمل ، العالم الغربي كله وفي تركية الساعة الخامسة فجراً تجد الطرق مزدحمة ، ينطلقون لأعمالهم باكراً ، الساعة الثانية عشرة عندهم راحة نصف ساعة ، ثم يتابعون للساعة السادسة ، تجد الجميع في المنازل ! الغذاء الساعة السادسة ، ويجلس الزوج مع زوجته وأولاده ، لاحظ النمط الحالي السهرة بالمحل التجاري ، الزوجة وأولادها بعيدون عن الزوج ، ووقت الظهيرة مستهلك ، وشيء ثان ٍ يوجد استهلاك مواصلات وازدحام ، عندهم ذهاب وإياب ، ذهاب للعمل وعمل جاد ، ثماني ساعات من الثامنة حتى السادسة ويوجد نصف ساعة راحة الظهر ، المسلم يصلي ويأكل شطيرة ، أولاً لم نستهلك المواصلات ، وثانياً كل إنسان جاء لبيته وجلس مع أولاده وزوجته ، إذا قلدنا النظام هل هذا خطأ ؟ نحن مستهلكون بالمواصلات ذاهبون وعائدون وازدحام ، ووقت الظهر عندهم الوجبة الأساسية مساء الساعة السادسة ، بينها وبين النوم مرحلة كبيرة ، نحن نأكل الساعة الثانية عشرة ونذهب للنوم فوراً !! 
إذا تكلمنا عن التقليد لا نقلد الشيء الحرام ، ولا الشيء الذي فيه اعتزاز بالطرف الآخر ، أما الشيء الجيد نقلده ، هذا تعليق على موضوع التقليد .
حتى بعلاقاتنا الاجتماعية يوجد عشرات العادات والتقاليد ليست من الدين في شيء مثلاً : يتوفى للمرأة أخوها لا تعرف سنة ، سنتين ، ثلاثة ترتدي الأسود ، وكل أربعاء تأتي النساء لمواساتها ، كما تأتي النساء لمواساتها بعد مرور أربعين يوماً على موته ، وكذلك الحال عند مرور سنة ، تجد هذا الحزن مشى وانتهى .
 (( قَالَتْ لَمَّا جَاءَ نَعْيُ أَبِي سُفْيَانَ مِنَ الشَّأْمِ دَعَتْ أُمُّ حَبِيبَةَ رَضِي اللَّه عَنْهَا بِصُفْرَةٍ فِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ ، فَمَسَحَتْ عَارِضَيْهَا وَذِرَاعَيْهَا ، وَقَالَتْ : إِنِّي كُنْتُ عَنْ هَذَا لَغَنِيَّةً لَوْلَا أَنِّي سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : لَا يَحِلُّ لِامْرَأَةٍ تُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ تُحِدَّ عَلَى مَيِّتٍ فَوْقَ ثَلَاثٍ إِلَّا عَلَى زَوْجٍ فَإِنَّهَا تُحِدُّ عَلَيْهِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً )) .
[البخاري عَنْ زَيْنَبَ بِنْتِ أَبِي سَلَمَةَ]
هذه كلها عادات ليست من الدين ، المتوفى وفاته فجيعة ، وأهل البيت في مصاب كبير ، وفوق مصابهم وحزنهم وألمهم يأتون بالطعام ليطعموا الذين شاركوهم في العزاء وفي تشييع الجنازة .



سمعت عن شابة توفي زوجها في شبابه ، فلما جاء الطعام للبيت كي يأكل من اشترك في العزاء والجنازة طردتهم من شدة ألمها . لَمَّا جَاءَ نَعْيُ جَعْفَرٍ قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم :
 (( اصْنَعُوا لِأَهْلِ جَعْفَرٍ طَعَاماً فَإِنَّهُ قَدْ جَاءَهُمْ مَا يَشْغَلُهُمْ )) .
[الترمذي عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بنِ جَعْفَرٍ]
في الإسلام ممنوع الأكل عند الميت ، أنت مكلف أن تأتي له بالطعام ، أما في تقاليدنا فوق المصيبة والفاجعة والموت يجب أن تأتي بطعام يليق بمقام البيت ، وتأتي بالذين شاركوا بالجنازة كي يأكلوا ، والله أعتذر دائماً عن تناول الطعام بمناسبة وفاة ، هذا مخالف للسنة ، هذه عادات ، والأفراح أيضاً العادات لا بد من أن يجلس العريس والعروس على المنصة وأمامه النساء الكاسيات العاريات وهذا كله محرم في ديننا ، فإذا امتنع شاب لأنه مؤمن هذا يعني أنه أعور عنده مشكلة ، فوراً يتهم أن عنده عيباً خلقياً كبيراً ، إذا امتنع أن يجلس جانب زوجته في العرس .
من التقاليد التصوير ، هذا فيلم ينطبع عليه مئات النسخ ، والنساء كلهن كاسيات عاريات ! فإذا رأى زوج إحدى المدعوات هذا الشريط وسأل زوجته عن كل واحدة وهي في الطريق محجبة وضمن الحفلة متبذلة ، وهذا الفيلم صورها ، وهذا من أشد أنواع التحريم ومن تقاليد المجتمع .
حدثني أخ قال : لا أقوى على منع التصوير ، هو في آخر حياته ، ومكانته في أسرته ضعيفة ، وزوجته قوية جداً ، وحفلة ، جاء للمصورة وسألها : كم تأخذين على الفيلم ؟ قالت : ألفين ، قال : خذي فوقهم ألفين لكن لا تضعي فيلماً بالآلة ! استطاع بهذه الطريقة أن يمنع التصوير ، وعندما عرفوا بهذا الأمر أقاموا عليها النكير لكن لم يحصل التصوير !
هذه من تقاليدنا وعاداتنا ، التصوير ، والعريس ، ما أنزل الله بها من سلطان ، وحزن على الميت بعد مرور أربعين يوماً ، وبعد سنة ، وكل أربعاء ، حتى يمل الزوج منها بسبب حزنها الطويل على أخيها ، الخنساء عندما مات أخوها ملأت الدنيا بكاء ، لما أسلمت وماتوا أربعة أولاد لها ما زادت عن أن قالت : الحمد لله الذي شرفني باستشهادهم ! كلمة واحدة فقط !



أخواننا الكرام الدرس حول التقليد الأعمى ، ولاسيما تقليد الطرف الآخر في المعاصي والآثام ، أو فيما يدل عن الولاء لهم ومحبتهم :
(( فمن هوي الكفرة فهو مع الكفرة ولا ينفعه من عمله شيئاً .))
[السيوطي عن جابر]
أما أن تقلد ما هو جيد ونافع ، وما هو وفق منهج الله لا مانع ، حينما تقف مركبة المدرسة في بلاد الغرب ويرفع السائق إشارة ممنوع السير قبل ثلاثين متراً يقف ، طفل ينطلق بالاتجاه الآخر نزل من الباب الأيمن بيته بالجهة اليسرى حتى ينتقل من الجهة اليسرى مطمئن لا تستطيع مركبة أن تمشي ولا متر ، ثلاثين متراً قبل الباص وثلاثين متراً بعده ، نحن كم طفلاً يموت ؟ يكون مندفعاً للطرف الآخر تمشي سيارة تدهسه ؟! هذا جيد أن تعتني بسلامة الصغار ، أمور كثيرة ينبغي أن نأخذها ، وأمور كثيرة ندعها ، لكن المصيبة نأخذ ما يفسدنا وندع ما ينفعنا ، فلما سئل هذا الأديب : ماذا نأخذ وماذا ندع ؟ قال : نأخذ ما في رؤوسهم وندع ما في نفوسهم .
أخواننا الكرام : يجب أن نحذر من رفقاء السوء ، لا أرى خطراً يهدد أولادك كرفيق السوء ، ولا أرى رجلاً أعقل ممن اختار هو لأولاده رفقاء صالحين ، الطفل يحتاج لرفيق شئت أم أبيت ، فإما أن يختار هو رفيقاً صدفة سيئاً ، وإما أن تختار له أنت الرفيق ، وهذا الرفيق ينبغي أن يكون رفيقاً ويأتي للبيت ويجلس مع ابنك ، لا ترفض ما هو كائن حقيقة ولا ترفض ما لا بد أن يكون ، وإذا قبلت أنه لا بد من رفيق اختر أنت لأبنائك رفقاء صالحين فالكذب قد يتعلمه الطفل من الرفيق السوء ، والسرقة يتعلمها الطفل من الرفيق السوء ، وبذاءة اللسان والانحلال والتدخين والعادات السيئة جداً حينما تثور شهوته ، حتى الانحراف الخطير كله من رفيق السوء ، الطفل يتعلم من رفيقه ستين بالمئة ، وأبوه وأمه وإخوته وأساتذته أربعين بالمئة ، يعني تأثير رفيق السوء كبير جداً ، والآباء والأمهات العاقلون والعاقلات يتخذون أبناءهم أصدقاء وصديقات حتى يشعر أن الأب مع ابنه ، والأب يستشار ويباح له ببعض الأسرار والأم كذلك ، فكلما اقتربت من ابنك وكنت قريباً منه ويمكن أن يتكلم لك عن أسراره ويأخذ رأيك ويستنصحك تكون أقدر على توجيهه ، بينما الحاجز الكبير بين الأب وابنه والعنف الشديد ، هناك أمراض كثيرة حتى في النطق يوجد حبسة لسان وتأتأة وفأفأة هذه أمراض اللسان سببها قسوة الأب فيجب أن يكون الأب وديعاً ولطيفاً .
قاعدة : علامة نجاح أبوتك أنك إذا دخلت للبيت كان عندهم عيد ، وعلامة إخفاقك في تربية أولادك إذا دخلت للبيت كان البلاء الأعظم ، يتمنون ألا تكون بينهم ، أما الأب الصالح يتمنى الأولاد أن يكون أبوهم معهم ليأنسوا به ، فعلامة نجاح أبوتك أن يفرح أهلك بدخولك عليهم ، وفي درس آخر إن شاء الله نتابع هذا الموضوع .

والحمد لله رب العالمين



وسائل تربية الأولاد ( 17 ) القواعد الأساسية في التربية


بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين ، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا ، إنك أنت العليم الحكيم ، اللهم علمنا ما ينفعنا ، وانفعنا بما علمتنا ، وزدنا علماً ، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه ، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه ، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه ، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين .
أيها الأخوة الكرام ، لا زلنا في تربية الأولاد في الإسلام ،  ولا زلنا في القسم الثاني أي في الوسائل الفعالة لتربية الأولاد ، ولا زلنا في قسم التحذيرات .




موضوع درس اليوم التحذير من اللهو المحرم ، وكلمة لهو محرم تعني أن هناك لهواً بريئاً مباحاً ، فكان عليه الصلاة والسلام  يمزح ولا يمزح إلا حقاً ، جو المؤمن مرح ، المؤمن يحب الدعابة أحياناً ، هذا من منهج الله عز وجل .
  (( روحوا القلوب ساعة وساعة فإنها إن كلت عميت )) .
[ رواه الديلمي عن أنس ]
ألوان لا تعد ولا تحصى من اللهو المباح ، أن يجلس الإنسان مع أهله ومع أولاده ويتجاذبون أطراف الحديث هذا من اللهو المباح ، أن تكون هناك مسابقة علمية أدبية ودينية ، وفي القرآن الكريم ، وفي الحديث الشريف ، أن تكون هناك مسابقات في شؤون العلم هذا كله لهو مباح ، أن يمارس الإنسان ألوان الرياضة ، مباحة لتقوية جسمه ما من شيء حرمه الله عز وجل ، وأقول كلاماً دقيقاً ، ما من شيء حرمه الله عز وجل إلا وله بديل ، الحقيقة الدقيقة أنه ليس في الإسلام حرمان إطلاقاً ، في الإسلام نظافة ، في الإسلام نظام ، في الإسلام رقي ، في الإسلام حياة للقلب ، وحياة للروح ، وحياة للعقل ، وحياة للجسم ، أما الذين قصروا اهتمامهم على الجسم فقط هؤلاء ضلوا سواء السبيل ، العالم الغربي لا يحفل إلا بالعناية بالجسد ، أمَّن له كل ما يريحه ، ولكن غفل عن نفسه ، فكانت أعلى نسبة انتحار في العالم في أعلى بلد يتمتع بأعلى دخلٍ لمواطنيه ، الدنيا تغر وتضر وتمر .
الحقيقة موضوع درس اليوم التحذير من اللهو الحرام ، وقد تشتد الحاجة إلى هذا الدرس في آخر الزمان ، لأن معظم اللهو حرام ، لأن معظم اللهو قائم على المرأة التي لا تحل لك ، لأن معظم اللهو قائم على لعب حرمه النبي عليه الصلاة والسلام ، لأن معظم اللهو قائم على جلسات فيها غيبة ونميمة ولا ترضي الله عز وجل ، مثلاً من اللهو المحرم اللعب بالنرد ، وقد تجد أسراً إسلامية وترتاد بيوت الله عز وجل ويمضون الساعات الطوال وقد يبقون يلعبون إلى منتصف الليل بالنرد ، وقد قال عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح :
  (( مَنْ لَعِبَ بِالنّرْدَشِيرِ ـ أي بالزهر ـ فَكَأَنّمَا صَبَغَ يَدَهُ فِي لَحْمِ خِنْزِيرٍ وَدَمِهِ )).
[ مسلمٌ ‏عَنْ ‏‏سُلَيْمَانَ بْنِ بُرَيْدَةَ ]




هناك فكره دقيقة جداً متعلقة باللعب ، يعني إنسان عنده مكتبة غنية جداً ، وعنده امتحان بعد يومين ، وفي هذه المكتبة الكتاب المقرر ، ويبنى على امتحانه نجاحه ، وعلى نجاحه تعينه في وظيفة عالية الدخل ، وفي تعينه في وظيفة عالية الدخل زواجه ، فهل يعقل أن يمسك كتاباً غير الكتاب المقرر ؟ مستحيل ، لو قرأ كتاباً علمياً غير الكتاب المقرر يعد مخطئاً ، لو قرأ قصة أدبية غير الكتاب المقرر يعد مخطئاً ، لو فعل أي شيء في هذا الوقت الحرج ولم يقرأ الكتاب المقرر يعد مخطئاً ، فكيف إذا فعل شيئاً سيئاً ؟ لو قرأ كتاباً أدبياً ، لو قرأ قصة ، مسرحية ، ديوان شعر لو قرأ كتاباً في العلوم ولم يقرأ الكتاب المقرر يعد مخطئاً ، فكيف إذا فعل شيئاً يحاسب عليه ، ويعاقب عليه ، ويحجب عن الله به ؟!!
أيها الأخوة ، قضية اللعب ، هذا الذي غفل عن سر وجوده وغاية وجوده ، غفل لماذا خلقه الله عز وجل ، سبحان الله من أعجب العجب أن تجد إنساناً ما عنده شيء يفعله .
مر أحد علماء الشام الكبار بمقهى فرأى رواده يلعبون النرد فقال : يا سبحان الله ، لو أن الوقت يُشتَرى من هؤلاء لاشتريناه منهم ، الوقت هو أنت ، كلما انقضى يوم انقضى بضع منك ، الوقت هو رأس مالك الوحيد ، الوقت هو أثمن شيء تملكه ، وجه التحريم في هذا اللهو أنه يستهلك الوقت من دون فائدة ، أرأيت إلى الذين نالوا الدرجات الأولى في الامتحانات ، لو سألتهم لوجدت أهم صفة من صفاتهم أنهم حافظوا على أوقاتهم ، وأهم صفة من صفات المؤمن أنه يحافظ على وقته ، وأشهد الله أن المؤمن الصادق يشعر أنه بحاجة أن يكون النهار سبعين ساعة ، ليحقق ما في ذهنه من أعمال ، هذا هو الوقت ، فاللعب بالنرد فضلاً عن أنه يثير الشحناء والبغضاء ، وقد ينقلب إلى قمار أول ما فيه استهلاك تافه للوقت .
كنت أضرب مثلاً في طرفة ، طالب امتحانه الساعة الثامنة صباحاً والمادة رياضيات ، ويحتاج إلى أن يستغل كل دقيقة ، لو اشتهى أن يأكل شطيرة طعام في طرف المدينة الآخر ، وركب أول سيارة ، وثاني سيارة ، وانتظر في الدور حوالي ربع ساعة أو نصف ساعة ، وعاد في نصف ساعة ، ضيَّع ساعتين ، بميزان الشرع ما فعل شيئاً ، اشترى طعاماً وأكله ، والطعام حلال بمال حلال ، لكن لأنه استهلك ساعتين وهو في أمس الحاجة إلى دقيقة يعد هذا العمل خطأ كبيراً .




قضية اللهو ، عندما تعرف لماذا أنت موجود في الدنيا تحافظ على وقتك ، لذلك مرةً ألقيت خطبة إذاعية عنوانها إدارة الوقت ، يعني ما في بالمئة شخص واحد يحسن إدارة وقته ، يحسن استغلال وقته ، إدارة الوقت علم ، سمعت عن برنامج كمبيوتري للمهندسين ، إن أردت أن تنشئ بناء ، الأمور مرتبة بالبرنامج ترتيباً بأنه لا تضيع منك ساعة ، محسوب مدة جفاف الأسمنت ، في أثناء الجفاف ماذا يمكنك أن تفعل بالبناء ؟ مبرمج الأمر بدرجة أنه تستطيع أن تستغل كل دقيقة لإنشاء البناء ، هذا برنامج ، لذلك إدارة الوقت مهمة جداً ، لأنك وقت ، ولأن الوقت يستهلكك ، ولأنك خاسر لا محالة إن لم تستثمر الوقت ، الوقت يُستَهلك ويُستَثمر ، فاللعب بالنرد يقاس عليه اللعب بالشدة ، يقاس عليه اللعب بالبرسيس ، يقاس عليه أي لعب فيه حظ ، يوجد فتوى ليست قوية للإمام الشافعي حول الشطرنج لكن الأولى ألا تستهلك الوقت إلا فيما خلقت له ، كلامي لا يعني أن تبتعد عن كل ما هو ممتع ، هناك أصناف من اللهو محللة ، والله أيها الأخوة أنا برأيي الشخصي لا أجد أجمل من جلسة مع أخ مؤمن في مذاكرة للعلم ، مذاكرة العلم ممتعة جداً ، هواية ، ما من هواية أجمل منها ، مذاكرة العلم ، أخ تحبه ويحبك تجلس معه ، تنتفع بأفكاره وينتفع بأفكارك ، مع شيء من الطرفة ، مع شيء من المزاح الحق ، شيء من الوداعة ، شيء من الابتسامة ، طبعاً الأصل في هذا أن النبي عليه الصلاة والسلام يقول :
(( اغتنم خمساً قبل خمس ؛ شبابك قبل هرمك ، وصحتك قبل سقمك ، وغناك قبل فقرك ، وفراغك قبل شغلك ، وحياتك قبل موتك )) .
 [متفق عليه عن ابن عباس ]
من باب التحذيرات أن توجه ابنك أو طالبك أو أخاك الذي في المسجد ، أنا أتوجه بكلامي إلى الأب لأنه المربي الأول ، أو إلى المعلم ، أو إلى المرشد في المسجد ، يعني أماكن التعليم البيت والمدرسة والمسجد هذه مظنة التعليم الديني ، يقول عليه الصلاة والسلام :
(( كل ميسر لما خلق له )) .
[ متفق عليه عن عمران بن الحصين]




أنت هل تعلم لماذا خلقت ؟ يعني تصور إنساناً في باريس أمامه خيارات أن يفعل مليون عمل ، قد يذهب إلى السينما ، أو إلى مسرح ، أو إلى دار لهو ، أو إلى نادٍ ليلي ، أو إلى مكتبة ، أو إلى جامعة ، أو إلى صديق ، أو إلى نزهة بحرية ، أو إلى نزهة في الغابة ، لو كان أمامه مئة خيار في خيار واحد يتوافق مع سر وجوده في باريس ، إن كان طالب علم في عنده خيار واحد أن يذهب إلى الجامعة ، أو إلى المكتبة ، أو أن يجلس مع صديق يتقن اللغة الفرنسية كي يتدرب في الحديث معه على التمكن من هذه اللغة .
الاستماع إلى الأغاني والموسيقا قال هذا يثير كوامن الغريزة والشهوة ، طبعاً أكثر الغناء فيه وصف للمرأة ، وصف للعلاقة بين العاشق والمعشوق ، فيه إثارة للغرائز والشهوات ، يقول عليه الصلاة والسلام :
(( إذا فعلت أمتي خمس عشرة خصلة حل بها البلاء )) .
[ أخرجه الترمذي عن علي ]
ألستم بحاجة إلى تحليل ما نحن فيه ، التحليل مهم جداً ، ما نحن فيه لا يخفى على أحد ، ما نحن فيه من مشكلات ، من أوضاع مؤلمة جداً لا يخفى على أحد لكن أين بطولتك ؟ في التحليل ، يقول عليه الصلاة والسلام :
(( إذا فعلت أمتي خمس عشرة خصلة حل بها البلاء : إذا كان المغنم دولاً ، والأمانة مغنماً ، والزكاة مغرماً ، وأطاع الرجل زوجته ، وعق أمه ، وبر صديقه ، وجفا أباه ، وارتفعت الأصوات في المساجد ، وكان زعيم القوم أرذلهم ، وأكرم الرجل مخافة شره ، وشربت الخمور ، ولبس الحرير ، واتخذت القينات ـ المغنيات ـ والمعازف ، ولعن آخر هذه الأمة أولها ؛ فليرتقبوا عند ذلك ريحاً حمراء ، أو خسفاً ، أو مسخاً )) .
 [ أخرجه الترمذي عن علي ]
لست في معرض شرح هذا الحديث ، إلا في فقرة واحدة منه " واتخذت القينات والمعازف " أحد أسباب أن يحيق بالأمة غضب الله عز وجل " واتخذت القينات والمعازف " وسوق المغنين رائجة جداً الآن ، ما من مقصف إلا ويحتاج إلى مغنٍّ وراقصة ، ما من مقصف تحت سمع الناس وبصرهم ، مع الإعلانات الصارخة عند مداخل هذه الدور ، أو هذه الأماكن .




كلما قل ماء الحياء قل ماء السماء ، ويقول عليه الصلاة والسلام :
(( يمسخ قوم من أمتي في آخر الزمان قردة وخنازير ، قيل : يا رسول الله ! ويشهدون أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله ويصومون ؟ قال : نعم ، قيل : فما بالهم يا رسول الله ؟ قال : يتخذون المعازف والقينات والدفوف ويشربون الأشربة ، فباتوا على شربهم ولهوهم فأصبحوا وقد مسخوا قردة وخنازير )) .
 [ أخرجه أبي نعيم في الحلية عن أبي هريرة ] 
يعني إن أردت أن تفهم هذا الحديث فهماً واقعياً ، يقول لك واحد فلان وجهه كالقرد ، شهواني ، مادي ، لئيم ، قاسٍ ، حاقد ، آماله كلها في طعامه وشرابه ، فقد يمسخ الإنسان قرداً حقيقةً ، وقد يمسخ قرداً مجازاً بمعنى أن طباعه طباع قرد ،  طبعاً حديثان يقسمان الظهر ، حينما ترى مؤمناً يستمع إلى الغناء ويطرب له ، وله أغنياته المفضلة ، فهذا خلل كبير في إيمانه .
(( ليس منا من لم يتغن بالقرآن )) .
[البخاري عن أبي هريرة ]
مستحيل وألف ألف مستحيل أن يجمع في جوف الرجل قرآن وغناء ، يجب أن تختار ، والله الذي لا إله إلا هو ولا أحنث بيميني أن أشد الناس في الدنيا استمتاعاً بالأغاني لا يرقون إلى طرب مؤمن بكتاب الله ، هذا الكتاب كلام خالق الكون ، كلام معجز ، قراءته عبادة ، فإذا سمح الله لك أن يلقي عليك السكينة في أثناء قراءته تشعر أنك في حال غير حال الناس ، يعني لو أن المرأة أذنت لحرم عليها ذلك لأن صوتها عورة ، أذنت لم تقل أحبك وتحبني ، لا ، لو لم تقل أحبك ، لو أنها أذنت لكان أذانها محرماً لأن صوتها عورة ، لكن لها أن تشتري من إنسان ، كلام عادي  بكم هذه السلعة ؟ بكذا ، أعطني إياها وخذ الثمن ، هذا كلام ليس محرماً ، أما حينما تُحَسِّن المرأة صوتها لتنتزع إعجاب الناس فهذا شيء محرماً قولاً واحداً ، لأن الصوت ينقلك إلى شيء آخر .




هناك ملاحظة ينبغي أن تكون واضحة لديكم ، ليس هناك ما يحرم أن تستمتع بمنظر وردة أبداً ، لو أنك تأملتها ملياً ساعات وساعات ، لو أنك نظرت إلى جبل أخضر ، أو إلى ساحل بحر ، أو إلى باقة ورد ، أو إلى وجه صبي صغير ، يعني ليس هناك ما يحرم أن تنظر إلى مسحة جمال أودعها الله في شيء ، إلا أنك إذا نظرت إلى امرأة في شيء آخر يحدث تبدل في كيمياء دمك ، هذا التبدل يدفعك إلى شيء ، والشيء إلى شيء ، وقد تنتهي هذه الأشياء بالفاحشة ، النظر إلى المرأة فيه قوة جذب ، وقد ركب فيك حب المرأة :
﴿ زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ (14) ﴾
(سورة آل عمران)
معنى ذلك أن الله الذي ركب محبة المرأة في قلوب الرجال هو الذي أمرهم بغض البصر ، هو الذي أمرهم بالابتعاد عن أسباب الزنى ، هو الذي أمرهم أن يدعوا بينهم وبين المحرمات هامش أمان كبير ، فلذلك صوت المرأة في الغناء عورة ، وهذا الصوت قد يعطي تصوراً لصاحبة الصوت على غير ما هي عليه ، أحياناً في أسماء جمالية تعطي الإنسان رغبة أن يرى صاحبة هذا الاسم ، وقد تكون دميمة ، لكن في كلمات "سحر" مثلاً ، هناك كلمات جمالية لو أنك تأملتها لتصورت أن صاحبتها تسحر الناس ، هي تنفرهم أحياناً ، فالأسماء لها أثر أحياناً ، والصوت له أثر ، في أحد الشعراء وصف مغنياً لكنه مغنّ سيئ جداً ، قال :
عواء كلب على أوتار مندفة في قبح قرد وفي اسـتكبار هامان
وتحسب العين فكيه إذا اختلافا عند التنغم فكي بغل طـــحان
***
أحد الأخوة الدعاة ـ كنا في الحج مرة وقد ركب إلى جانبي ـ قال لي : هناك منشد لا ينشد إلا بدرهم ، ولا يسكت إلا بدينار .
الآن لو أن رجلاً مدح رسول الله ، لا شيء عليه ، وكان شجي الصوت ، هذا مباح ، لو أن رجلاً ابتهل إلى الله بأنغام عذبة لا شيء عليه أبداً ، لو أن قارئ قرآنٍ أشجاك صوته بتلاوته وأعطاك من أداء القرآن ما يلفت النظر ، لا يوجد مشكلة أبداً .




المشكلة أن المرأة صوتها محرم ، الرجل بموضوع يثير الغرائز محرم ، رجل بموضوع يثير القسم الأعلى من الإنسان مباح ، في كلمة لبعض الأدباء أنه إذا حركت القصة أو القصيدة مشاعرك العليا حب الفضيلة ، حب التضحية ، حب البطولة ، الرغبة في معرفة الحقيقة ، يعني خدمة المجتمع ، أحياناً تقرأ قصة أو تقرأ قصيدة تشعر أنك تحب أن تكون بطلاً ، تقول هذا الأدب حرك مشاعرك العليا وتفكيرك المرتفع أنت إذاً أمام فن رفيع ، أما إذا لم يحرك إلا المبتذل من مشاعرك ، والتافه من تفكيرك ، فأنت أمام فن رخيص ، وقد أعجبني قول بعضهم أن الأديب أو الشاعر من حقه أن يصور الرذيلة ، ممكن ، لكن يمكن أن يصورها على نحو نشمئز منها ، أما إذا صورها على نحو نعجب بها فإن مجتمعاً بأكمله يسقط ، هذا كلام أيضاً دقيق جداً ، حينما تكون الأفلام كلها ، والأعمال الفنية كلها ، والمسارح كلها تركز على تحريك الجانب الأسفل في الإنسان ، إثارة غرائزه وتفكيره السطحي المادي فإن مجتمعاً بأكمله يسقط ، أما إذا حركت القصة أو القصيدة مشاعرك العليا وتفكيرك المرتفع فأنت أمام فن عظيم ، فلذلك الآن الأعمال الفنية هدفها إثارة الغرائز ، بل الحقيقة لا تروج إلا بالإثارة .
حدثني أخ كريم يعمل بالإعلام قال لي : إن لم يكن الفلم مثيراً لا يلقى قبولاً ،  الإثارة مطلوبة وغاية من كل عمل فني ، الإثارة يعني إثارة الغرائز التي تؤدي إلى المعاصي والآثام ، يعني مثلاً هذا افتراض ونرجو أن يحقق ذلك لو كنت في مجتمع منضبط ، وأنت شاب في مقتبل حياتك ، أمامك بناء لمستقبلك ، وكان هناك انضباط في الطريق ، وانضباط في المجلات ، وانضباط في الشاشة ، وانضباط في كل شيء ، هذه الشهوة لا تثار إلا خارجياً كيف ؟ يعني أنت بغرفة لا تشتهي الشهوة المحرمة أبداً ، أما إن كنت بغرفة ولم تأكل لو ما في أي رائحة لطعام ، ولا أي صورة لطعام تجوع ، يعني أثر الجوع يأتي من الداخل ، الإحساس بالجوع يبدأ من الداخل ، أما إثارة الشهوة الجنسية من أين يبدأ ؟ من الخارج لذلك :
﴿ قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ (30) ﴾ 
(سورة النور)
وقال :
﴿ وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ (31) ﴾
(سورة النور)




قال عليه الصلاة والسلام تأكيداً على تحريم المعازف والأغاني :
(( إن الله بعثني رحمة وهدى للعالمين ، وأمرني أن أمحق المزامير والكنارات والمعازف والأوثان التي كانت تعبد في الجاهلية )) .
 [ أخرجه أحمد عن أبي أمامة ]
والله أحياناً تحس أن أمةً تلهو بأكملها ، أمةٌ يحركها الطرب ، وتحركها المسلسلات ، وهي جالسة تتلقى هذه الموبقات ، تلقيت حسناً ماذا فعلت ؟ ماذا قدمت ؟ أحياناً تطور هذه الأجهزة ـ وأسميها أجهزة اللهو ـ هذا التطور الشديد يمكن أن يمتص كل وقتك ، ويمكن أن يمنعك أن تفعل شيئاً ، لذلك يعني ما من طريقة مثلى في إضعاف أمة ، ما من طريقة مثلى في تجميد أمة ، ما من قوة مثلى في تعطيل طاقات أمة من أن تغريها باللهو ، وأعداء المسلمين أول شيء يروجونه أن يشغلوا الناس بالغرائز ، ومرةً قلت في خطبة إذاعية أن الطرف الآخر فيما مضى كانوا يجبروننا بالقوة المسلحة على أن نفعل ما يريدون ، أما الآن فلا ، الآن يجبروننا بالقوة الناعمة بالمرأة على أن نريد ما يريدون ، يعني إنسان من أشد الناس مقاومة للمخدرات ، لو بدأ بشم المخدرات بعد أن يألفها قليلاً هو يلهث وراءها تماماً ، فالخطورة أن تذيقه طعمها من أجل أن يألفها وأن يلهث وراءها ، وهذه خطة خبيثة ماكرة .
أنتم تعلمون بالأربعينات من وعى ذلك الوقت ، إذا شاب ارتاد دار سينما وعلم أبوه بذلك لأقام الدنيا ولم يقعدها ، فكيف إذا كان أصبح كل بيت ملهىً ليلياً ، كل بيت والدليل على السطح ، اصعد إلى جبل قاسيون وانظر إلى بيوت الشام ، أنا أختصر وما كل ما يعلم يقال وفهمكم كفاية ، الإنسان حينما يتبع شهوته انتهى ، لا يقوى على مقاومة نملة ، كالخرقة ، طبعاً الحديث طويل ومنوع لكن محوره واحد ، أية شهوة محرمة إذا سمحت بها ينتهي ابنك وتنتهي ابنتك ، وتنتهي القيم ، وينتهي التدين ، وتنتهي قوة الأمة ، وتصبح ضعيفة وأشلاء ليست قادرة على أن تفعل شيئاً ، وهذا كيد الشيطان ، يعني أي مكان إما مجلة ، أو الشاشة ، أو الانترنيت ، أو جريدة ، أو لقاء ، أو حديث ماجن كله واحد ، المؤدى واحد ، أو قرص ليزري ، كل شيء يثير غريزة الإنسان هذا ينبغي أن ينتبه الآباء والمربون والموجهون بالمساجد من التساهل فيه ، لأن الإنسان فيه غرائز ، يعني فيه كمية بارود ، الإنسان يحتاج إلى شعلة نار كي ينفجر البارود ، طبعاً أغبى الناس وأحقر الناس بإمكانه إشعال هذه المتفجرات ، لا تحتاج إلى ذكاء ، عمل تخريبي ليس عملاً بنائياً ، يعني لو فرضنا أنه في أشياء إباحية ، في مجلة ، أو في شريط ، أو في قرص مدمج ، أو في شاشة ، أو في انترنيت يعني أي إنسان مهما كان وضيعاً ، مهما كان دنيئاً بإمكانه أن يثير الغرائز ، كما أنه أي إنسان بإمكانه أن يفجر البارود ، البارود في طبيعته الانفجار ، يحتاج إلى شرارة ، فالغرب كله معني بمحاربة العالم الثالث لا عن طريق القوة المسلحة ، بل عن طريق المرأة ، في واحد افتتح ملهى ما من موبقة ، وما من معصية صارخة ، وما من عمل شائن إلا وكان في هذا الملهى ، بعد مضي سبعة أيام من افتتاحه مات الذي أسسه ، وكل ما يجري فيه الآن من موبقات في صحيفته إلى يوم القيامة ، هذه صدقة جارية بالمعنى المعاكس .




أخواننا الكرام ، أعظم عمل صالح ما كان مستمراً بعد وفاة صاحبه ، رجل أسس معهداً شرعياً ، ومضى على وفاته عشرون عاماً والمعهد قائم ، رجل أسس مسجداً ، رجل أسس جامعة ، أسس دار أيتام ، رجل ألَّف كتاباً نافعاً جداً ، أعظم عمل ما استمر بعد موت صاحبه ، هذه الصدقة الجارية ، وأخطر عمل ما استمر بعد موت صاحبه .
كنت مرة في لبنان في إذاعة إسلامية فتحت ، فإذا في درس تفسير لعالم جليل توفي من سنة ، قلت : سبحان الله يمكن أن تبث دروسه لمئة عام قادمة ، وينتفع الناس بها ، ويرقون إلى الله عز وجل وهو ميت في قبره ، وفي مغنون توفوا أيضاً وأغنياتهم تلهب الغرائز وهي يستمع إليها لمئة عام قادمة .
مرة افتتح مسجد وكان إلى جانبي مدير أوقاف ، فقلت له : أشكر الله عز وجل على أن مكنك أن تستفتح مسجداً وأن تعين خطيباً بينما هناك أناس يفتتحون ملهى ويعينون راقصة ، فرق كبير ، إذا أردت أن تعرف مقامك فانظر فيما استعملك ، أجمل كلمة إذا أردت أن تعرف مقامك فانظر فيما استعملك ، أحياناً يكون الإنسان عمله مشروع كأن يبيع أغذية للناس ، يبيع أقمشة ، يعلم ، يبني بيوتاً ، يعالج مرضى ، في مهن راقية جداً وشريفة ، أساسها خدمة الناس ، في مهن أساسها إفساد الناس ، أساسها تبنى على إفساد الناس ، كملاهٍ ، دور اللهو والسينما والمجلات الداعرة ، هذه كلها مبنية على إفساد الناس ، المواقع الإباحية في الانترنيت أساسها إفساد الناس ، فهنيئاً ثم هنيئاً ثم هنيئاً لمن كان عمله في مرضاة الله ، بالمناسبة لو فرضنا أننا تمكنا من إذاعة برنامج ديني على الشاشة ، وهذا البرنامج يراه الملايين ، ما في مانع أبداً ، يعني ليس الجهاز حراماً بل ما يعرض فيه هو الحرام ، المضمون ، إنه إذا غلب عليه أنه يفسد الأخلاق ففي مشكلة الآن ، أما نحن لسنا ضد جهاز ، في قفزة نوعية في عالم العلم ليس هذا القصد ، القصد المضمون ، يعني أنا ذكرت من أيام أن العولمة اعتمدت الصورة ، مثلاً دولة فيها مئة مليون الذين يقرؤون ويكتبون ثلاثون مليوناً فرضاً ، والذين يعنون بمطالعة الكتب من ثلاثين مليوناً عشرة ملايين ، والذين يعنون بمطالعة كتب مفيدة مليونان ، بلد فيه مئة مليون إذا اعتبرنا التوجيه عن طريق الكلمة المقروءة يستفيد من هذا البلد مليون واحد ، أما الصورة بإمكان أي إنسان يراها ، متعلم ، غير متعلم ، رجل ، امرأة ، كبير في السن ، شاب صغير ، هذه الصورة لكل الناس ، والصورة فيها قوة تعبير ألف كلمة ، الآن يمكن أن نطرح قيماً وأن نحطم قيماً عن طريق الصورة ، ذكرت هذا في درس سابق يمكن أن ندعم قيماً وأن نحطم قيماً عن طريق الصورة ، فالصورة خطيرة جداً ، لو أنها استغلت لتركيز القيم الدينية والأخلاقية لكان فعلها فعل السحر ، أما إذا استغلت من قبل الطرف الآخر لتحطيم القيم الدينية فلها فعل كفعل المتفجرات ، طبعاً الفقرة الثانية في الدرس .




الفقرة الأولى من الدرس عن النرد وما يشبهه ، أي لعب مبني على الحظ هذا محرم ، مضيعة للوقت أولاً ، وقد يسبب متاعب ، مشاحنات ، عداوات ، وأهم شيء أنه يستهلك الوقت استهلاكاً سخيفاً .
الفقرة الثانية متعلقة بالمرأة إن كانت في ملهى ، أو في دار سينما ، أو في قرص مدمج ، أو في انترنيت ، أو في مجلة ، أو في الطريق ، أو في بيت ، أو في أي مكان ، المرأة التي تبرز مفاتنها من أجل لفت النظر إليها هذا اسمه بالمصطلح الجديد تحرش المرأة بالرجل .
والله حدثني أخ هو عندي صادق ، أنه رأى ندوة بمحطة فضائية ، شاب في مقتبل العمر طبعاً كان يغتصب الفتيات ويقتل الفتاة بعد اغتصابها ، أي عدد كبير يزيد عن عشرين فتاة قتلها ، طبعاً قبض عليه وحكم بالإعدام وكان السجن بالقاهرة ، فهناك صحفية ملتزمة طلبت من مدير النيابة أن تلتقي به ، فكانت هذه المقابلة التي بثتها محطة فضائية ، فالذي حدثني عن هذا اللقاء أنها سألته : هل أنت مسلم ؟ قال لها : نعم ، قالت : هل تصلي ؟ قال لها : لا ، قالت له : لماذا لا تصلي ؟ قال لها : لا أعرف الصلاة ، ما علمني أحد كيف أصلي ، هل تقرأ القرآن ؟ قال : لا ، لماذا ؟ قال : أنا لا أقرأ ولا أكتب أميّ ، هل تشهد أنه لا إله إلا الله ؟ قال : ماذا لا إله إلا الله شهادة ! قال : أعيديها ، يقسم من شاهد هذه الحلقة أنه حتى أتقن لفظها حوالي الخمس دقائق ، كلمة كلِمة ، قالت له : لا إله إلا ، قال لها : واحدة وَاحدة  ، حتى أتقنها إله ، سُقْت هذا التفصيل لأجل أن تعلموا أن هذا الشاب جهل مطبق ، لا يقرأ ولا يكتب ، ولا يصلي ، ولا يعلم ما الشهادة ، فلما سألته : كيف تغتصب هذه الفتيات وتقتلها ؟ فكان جوابه : هن السبب ، من ثيابهن ، إذاً هن تحرشن بالشباب ، قالت له هذه الصحفية : لو أنك رأيت فتاة محجبة ماذا تفعل ؟ قال : والله لو أن أحداً كلمها لقتلته ، انظر إلى الفطرة ، كتلة جهل ، هي السبب ، ثيابها تدعوني إليها ، أما المحجبة لو أن أحداً كلمها لقتلته ، لأنها مقدسة ، يعني أجهل الجهلاء ، جاهل مجرم ، بالفطرة أدرك أن هذه الفتاة بثيابها الفاضحة ، وبإغرائها لسان حالها يدعو الناس إلى التحرش بها ، فصار التحرش بالرجال عن طريق الثياب ، والتحرش بالنساء عن طريق الكلام ، تحرش بتحرش .




لا بد من أن ننتقل إلى ما يسمى اللعب بالميسر ، قال : هو كل لعب بين فريقين تتحقق الخسارة من فريق والربح من فريق على سبيل المصادفة والحظ .
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (90) ﴾
(سورة المائدة)
قرأت مرة خبراً أن رجلاً مسلماً من بلد مجاور كان بأمريكة ، يملك اثنين ونصف مليون دولار ، دخل إلى دار قمار ولعب في ليلة واحدة خسرها كلها ، فعاد إلى البيت وأطلق النار على زوجته وخمسة أولاد له ، وقال ليغفر الله لي وقتل نفسه .
هـو الـداء الذي لا بـرء منه      وليس لذنب صاحبه اغتفار
تشاد له المنازل شاهقــــات      وفي تشييد ساحتها الـدمار
نصيب النازلين بها ســــهاد      وإفلاس فيأس فانتـــحار
***
الميسر أيضاً يلعبون على خمس ليرات ، تبدأ بخمس ليرات ، هكذا بداية القمار ، بخمس ليرات ، ثم يصبح مُقامراً كبيراً ، ولا يخفى عليكم بعض أثرياء العالم يخسرون في ليلة واحدة في مونت كارلو أحياناً ملايين الدولارات ، خمسين مليون دولار ، مئة مليون بليلة واحدة .
القمار يهدم البيوت العامرة ، ويفرغ الجيوب الممتلئة ، به تفتقر الأسر الغنية ، وتذل النفوس العزيزة ، القمار يورث العداوة والبغضاء بين المتلاعبين ، لأنهم أكلوا أموالهم بالباطل ، القمار يصد عن ذكر الله وعن الصلاة ، النبي عليه الصلاة والسلام :
(( مرَّ رسولُ اللّه صلى اللّه عليه وسلم بقوم يلعبون بالنرد ، فقال : قلوب لاهية وأيدٍ عاملة وألْسِنة لاغية )) .
 [ابن أبي الدنيا عن يحيى بن أبي كثير]




القمار آية الإثم ، تلتهم الوقت والجهد ، وتعَوِّد على الخمول والكسل ، حدثني أخ أن البقالية في بعض البلاد الغربية إن لم يكن فيها آلة قمار لا تبيع ، بقالية عادية وقمار مع نفسه الإنسان ، حدث أحد أصحاب البقاليات في أمريكة أنه جاء رجل ليشتري حليباً لأولاده فلعب القمار فخسر كل أمواله فعاد من دون حليب ، جاء ليشتري حليباً طعام أولاده ، الآن يضعون بكل بقالية آلة قمار صغيرة ، يعني الآن القمار ليس أن اثنين يلعبون ، آلة فردية تضع أرقاماً تغير مفاتيح تربح أو تخسر ، فشيء مغرٍ ، ما في مقامر إلا ونيته أن يربح ، ومعظمهم يخسرون ، هواية آثمة تلتهم الوقت والجهد .
القمار يدفع صاحبه إلى الإجرام ، شيء غير معقول أن واحداً يخسر ثروته بليلة واحدة بلا سبب ، يسمونها المائدة الخضراء ، والله كلمة خضراء تضيع بهم ، مائدة خضراء ، أي خضراء هذه ؟ 
القمار أيضاً يعني اليانصيب ، نحن بالإسلام عندنا قاعدة عميقة جداً ، أي علاقة مالية بين شخصين فيها منفعة متبادلة فهو مشروع ، قاعدة أساسية ، وأي منفعة بنيت على مضرة فهو محرم ، واحد دفع ما أخذ وواحد أخذ ما دفع ، أو أخذ مبلغاً كبيراً دفع شيئاً قليلاً ، إذا ما في تعويض أو مكافأة في العلاقة المالية فالعلاقة محرمة ، إلا أن المسابقات العلمية والعسكرية هذه مسموح بها ، مسابقة ، نرصد جائزة لمن يجيب عن هذه الأسئلة ، قد تكون في القرآن الكريم ، قد تكون في العلم ، بالفقه ، قد تكون بعلوم الدنيا المفيدة ، قد تكون بأمور عسكرية ، فالمراهنة من جهة ثالثة مشجعة ولتكن هي الدولة هذا لا شيء فيه ، أي ليسا اثنين يربح واحد ويخسر واحد ، جهة ثالثة ، دولة ، مركز بحوث فرضاً ، جهة علمية ، وزارة دفاع ، تقيم مسابقة من أجل تنشيط الخبرة العسكرية ، مسابقة في الرمي مثلاً ، مسابقة في الجري ، مسابقة رياضية هذه لا شيء فيها ما دام الدافع جهة ثالثة ، أما لو كان اثنين تراهنوا على شيء وأحدهما خسر هذه محرمة ، مسابقات الجري هذه مشروعة ، المصارعة لتقوية العضلات وإظهار القوة العضلية أيضاً مشروعة .
(( النبي عليه الصلاة والسلام صارع أبا ركانة فصرعه النبي أكثر من مرة ، وفي رواية أن النبي عليه الصلاة والسلام صارعه وكان شديداً فقال له : شاة بشاة فصرعه النبي ، قال له : عادوني بأخرى فصرعه النبي ، قال : عاودني ، فصرعه النبي ثالثة ، فقال ركانة : شاة أكلها الذئب ، وشاة نشزت  ـ أي هربت ـ فماذا أقول بالثالثة ؟ فقال النبي عليه الصلاة والسلام : ما كنا لنجمع عليك أن نصرعك ونغرمك ، خذ غنمك )) . 
[أبو داود والترمذي عن عبد الله بن الحارث]
حتى بالمصارعة كان النبي رقم واحد .




مرة قال أحدهم : أين محمد لا نجوت إن نجا ، بالقتال ، فالصحابة دعوه إلى القتال ، قال : لا محالة غلبني ، أمسك رمحاً ووكزه فولا هارباً يولول ، قال : والله لو بصق علي لقتلني .
ألعاب السهام والحراب والفروسية أيضاً مشروعة فقد قال عليه الصلاة والسلام :
(( كل شيء ليس من ذكر الله عز وجل فهو لهو أو سهو إلا أربع خصال : مشي الرجل بين الغرضين ، وتأديبه فرسه وملاعبته أهله ـ يعني أولاده ـ وتعليم السباحة )) .
 [ رواه الطبراني عن عبد الله بن أبي رباح ]
أثر عن عمر رضي الله عنه : "علموا أولادكم السباحة والرماية وأمروهم فليثبوا على ركوب الخيل وثباً ".
أيها الأخوة الكرام ، هذا درس متعلق بتربية الأولاد يحتاج المعلم والآباء والدعاة إلى الله عز وجل ، وأعود وأكرر ليس في الإسلام حرمان ، الإسلام نظيف يلبي حاجات الإنسان كلها المادية والمعنوية ، ولكن الطرف الآخر يريد أن يدنس الإنسان ويغرقه في المعاصي والآثام .
وأرجو الله سبحانه وتعالى أن تنقلب هذه التوجيهات إلى حقائق يعيشها أبناؤنا ، والأبناء كما أقول دائماً هم الورقة الوحيدة الرابحة في  أيدينا .
في أخ جزاه الله خيراً ذكرني أنه بالمسابقات الرياضية والألعاب الرياضية المباحة هناك محظور أن تكشف العورات لأن الفخذ عورة ، سمعت عن لاعب كرة من الطراز الأول في مصر اعتزل اللعب وأراد أن يمضي حياته في عمل آخر ، في مباراة دولية هم في أمس الحاجة إليه هو اصطلح مع الله أيضاً ، فلما جاء وزير الشباب إلى بيته ليحمله على أن يعود إلى المباراة أصر على الرفض فلما ألح عليه ، قال له : أنا لا ألعب إلا بثياب إسلامية طويلة فوافق ، فصار هذا تقليداً ، ممكن أن تلعب كرة والعورة مستورة ، أما مكشوفة في معصية ،  فالأخ جزاه الله خيراً ذكرني وقد نسيت أن أوضح ذلك .
والحمد لله رب العالمين




وسائل تربية الأولاد ( 16 ) القواعد الأساسية في التربية




بسم الله الرحمن الرحيم


الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين ، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا ، إنك أنت العليم الحكيم ، اللهم علمنا ما ينفعنا ، وانفعنا بما علمتنا ، وزدنا علماً ، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه ، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه ، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه ، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين .
أيها الأخوة الكرام ، لازلنا مع سلسلة تربية الأولاد في الإسلام ، و لازلنا في القسم الثاني أي في الوسائل الفعالة في تربية الأولاد ، وقد تحدثنا عن التربية بالقدوة والملاحظة والتلقين والتعويد والعقاب والربط ، وتحدثنا عن أنواع من الربط وها نحن ننتقل إلى نوع من أنواع التربية ألا وهو التحذير .




بادئ ذي بدء الإنسان يتحرك وفق تصوراته وقناعاته ، فإذا تسربت إلى نفس الابن أو الطالب عقيدة غير صحيحة ، عقيدة تتناقض مع القرآن الكريم ، الذي يحصل أن هذا الطالب أو أن هذا الابن عن وعي أو عن غير وعي يتصرف وفق ما يتصور ، لو فرضاً لم تكن هناك من علاقة بين ما يعتقده الشاب وبين ما يفعله ليعتقد ما شاء ، وليكن في أي مدرسة وفي أي مجتمع ومع أي إنسان ، ولكن لمجرد أن تتسرب إليه عقيدة زائغة هذه العقيدة الزائغة تنعكس على سلوكه بشكل قطعي ، الحقيقة المعركة التي بين الحق والباطل معركة أزلية أبدية هكذا شاءت حكمة الله لأن الله عز وجل يقول :
﴿ وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوّاً شَيَاطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ (112) ﴾
(سورة الأنعام)
أي لو تصورنا أنه ليس هناك باطل ، وليس هناك مكر للباطل ، وليس هناك قوة للباطل ، كيف يدفع المؤمن ثمن الجنة ؟ نحن في دار ابتلاء ، نحن في دار فيها صراع والمؤمن يملك أسباب النصر ، يملك كل أسباب النصر ، فإذا قصر في معرفة دينه ، وفي الدفاع عن دينه ، كانت النتيجة ما ترون وما تسمعون ، نتيجة لا ترضي ولا نغبط عليها ولا نقبلها لخصومنا ، أن يكون أمرنا ليس بيدنا ، وأن نغذى ثقافياً وفكرياً ، وأن نغزَى غزواً مادياً وهذا الذي حصل .




يا أيها الأخوة أنا أقول وأكرر ما من قضية أخطر في حياة الأمة الإسلامية من تربية أولادها ، لأن الأولاد هم الورقة الرابحة الأخيرة التي بيد المسلمين ، لا نملك إلا أولادنا فإذا قنع هذا الابن في مدرسته ومن خلال كتاب العلوم أن الحياة تطور بلا خالق ، تطور غازات ، كتل ، مياه ، أمواج ، حت ، ذرة مادية بطفرة معينة أصبحت خلية حية ، هذه الخلية الحية تطورت من متحول زحاري ومرت بعدة أطوار إلى أن أصبحت إنساناً ، هذا يدرَّس في الجامعات ، يدرَّس في التعليم الثانوي ، هذا كلام يتناقض مع القرآن ، يتناقض مع وحي السماء ، فضلاً عن أنه لا يقبله عقل على الإطلاق .
أنا أقول لك كلمة ، أيهما أكثر تعقيداً كتاب مؤلف من مئتي صفحة فيه موضوعات متسلسلة ، يوجد فيها فهرس ، يوجد مراجع ، يوجد مصادر ، يوجد ترقيم صفحات ، فيه مقدمة ، فيه خاتمة ، هل تقبل أن انفجاراً وقع في مطبعة ، والمطبعة فيها ورق ، ويوجد بها حبر ، وفيها حروف ، فكان من نتيجة هذا الانفجار هذا الكتاب ؟ لا يمكن أن تقبله ، كيف تقبل إنساناً بدماغه يوجد أربعة عشر مليار خلية قشرية سمراء تجري فيها نشاطات الفكر من استقراء واستنتاج ومحاكمة وتصور وتذكر ، وهذه الخلايا التي تزيد عن أربعة عشر ملياراً مركبة على مئة وأربعين مليار خلية ، وأن عصب العين يزيد عن خمسمئة ألف عصب ، وأن شبكية العين يوجد بها مئة وثلاثون مليون عصية ومخروط ، وأن في رأس الإنسان ثلاثمئة ألف شعرة لكل شعرة وريد وشريان وعضلة وعصب وغدة دهنية وغدد صبغية ، وأن هذه العين فيها مطابقة والمطابقة أعقد ما يمكن أن تفهمه في الحياة ، جسم بلوري له محرق هي الشبكية ، ولا ينطبع على الشبكية إلا جسم يقف أمام العدسة بمسافة ثابتة ، أنت كيف ترى كرة القدم تنتقل من لاعب إلى لاعب وتراها على الشبكية بشكل دقيق بالغ ؟ عملية المطابقة يعجز عن أن يفعلها أكبر عالم فيزياء في العالم ، لو العدسة قطرها متر المطابقة ، التفكر ، التذكر ، الاستنباط ، يعجز الأطباء عن أن يزرعوا رئتين لاستحالة توصيل الأعصاب بحيث أن من له رئة مزروعة لا يستطيع أن يسعل ، والسعال عملية حيوية بالغة الدقة ، لاستحالة أن يعود السعال كما كان يستحيل أن تزرع الرئة ، والقلب الذي يضخ ثمانية أمتار مكعبة باليوم ، أما كم يضخ في عمر متوسط إنسان عاش ستين سنة ، كم يضخ من الدم ؟ قد تعجبون ، يضخ القلب الذي يعيش صاحبه عمراً متوسطاً ما يملأ مركز التجارة العالمي الذي دمر في الحادي عشر من أيلول ، القلب الذي يضخ ثمانية أمتار مكعبة في اليوم يملأ أكبر ناطحة سحاب في العالم ، هذا القلب بلا كلل وبلا ملل .




الآن العظام ، المعدة بكل سنتمتر مربع خمسة وثلاثين ألف عصارة ، الرئتان الكليتان مليون نيفروناً ، طول النيفرونات مع بعضها بعضاً مئة كيلو متراً يقطعها الدم في اليوم خمس مرات وأنت لا تشعر ، أي شيء في جسمك آية ، هكذا تطور ، من دون خالق :
﴿ أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ (35) ﴾
 (سورة الطور)
هذه الآية أصل في العقيدة ، فكيف يدرس الطلاب تقليداً للغرب ؟ وتقليداً للغرب الملحد أن الحياة تطور ، والله أيها الأخوة لو لم تنشئ ابنك على التفكر في خلق السماوات والأرض ، لو لم تحذره من عقائد زائغة لخسرته ، أنت حينما تعتقد أن هذا الإنسان مخلوق صدفة ، هل تصدقون أيها الأخوة ـ والله أنا لا أصدق ـ أن ذرة من الحمض الريبي النووي الموجود في كل خلية حية بدءاً من أبسط مخلوق وهو المتحول إلى أعقد مخلوق هو الإنسان الحمض الريبي النووي فيه ثلاثة وعشرون مورثاً أو ستة وأربعون ، وفيه تقريباً خارطة جينية تقترب من مئة ، وفيه تقريباً خمسة آلاف مليون معلومة مبرمجة ، مبرمجة كيف ؟ أي هذا الشاب في الثامنة عشرة من عمره يخشن صوته ، من خَشَّن له صوته ؟ يوجد بالمورثات معلومة مبرمجة بوقت معين ، أنت أحياناً تعجب أن هذا الجهاز يعمل ذاتياً بوقت معين ، يوجد ساعة والساعة مرتبطة بالتشغيل ، فممكن أن تشغل أي جهاز على توقيت معين ، أما الإنسان مبرمج لعشرين أو ثلاثين سنة ، هذه المعلومات تتغير في الوقت المناسب ، فأنا أقول كلاماً دقيقاً الآن أي أنت من السذاجة بمكان أن تظن الطرف الآخر طرفاً بسيطاً له كيد كبير ، بل إن كيد هؤلاء شبهوا في القرآن الكريم بإزاحة جبل عن مكانه ، كما أنه يستحيل استحالة مطلقة أن ينقل أصغر جبل في العالم مثل جبل قاسيون إلى درعا ، هل ينقل ؟ لو جئنا بجيوش الأرض ، بأقوى الدول في العالم ، هل بالإمكان أن يزاح هذا الجبل بكامله من شمال دمشق إلى درعا ؟ الله عز وجل قال :
﴿ وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ وَعِنْدَ اللَّهِ مَكْرُهُمْ وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ (46) ﴾
(سورة إبراهيم)




الأب الغافل عن تربية أولاده ، ذهبوا إلى المدرسة ، علموا أن داروين صاحب نظرية النشوء والارتقاء ، أن الكون أصله غازات ، والغازات تحولت إلى كتل بفعل الضغط ، ومن الضغط نشأت الكواكب ، والكواكب أصبح فيها ماء ، والماء سبَّب حتّاً ، والحت صنع خلايا ، وبعد ذلك أصبح هناك نبات ، وبعد ذلك حيوان في البحر ، وبعد ذلك انتقل إلى البر ، والله شيء مضحك ، وبعد ذلك تحول السمك إلى دلفين وحوت ، والحوت إلى تمساح ، والتمساح إلى مخلوق آخر وهكذا حتى أصبح قرداً ، وبعد ذلك إنساناً وهكذا ، هذه قصة آدم ليس صحيحة ، قصة آدم وحواء الحقيقة أنها ألغيت .
أنا أقول لكم كلاماً أيها الأخوة ، نحن محاطون بنظريات كافرة ، بنظريات ألطف اسم تنعت به أنها علمانية ، وهي نظريات جهلانية أساسها الجهل ، أساسها إلغاء وجود الله عز وجل ، فإذا اقتنع الابن أنه لا يوجد دين فهذه قضية ، الدين نحن اخترعناه لضعف الإنسان أو لإحباطه ، يقولون لك أن الإنسان حينما يفتقر يأتي إلى المساجد ، من فقره ، من إحباطه ، خبثاء جداً ، يشهد العالم الآن صحوة عند الأغنياء يملكون ملايين كثيرة ويأتون إلى المساجد ، ويتعرفون إلى الله ، وقد تجد تديناً في صفوف علية القوم لا يقل عن ضعفاء القوم .
قصدي من هذا الدرس المتعلق بالتحذير أنه لا يوجد أب يسعد بابنه إلا بعد أن يراقبه ، يناقشه ، ويحاوره ، حدثني أخ له أخ جاء من بلاد بعيدة ، ويعتقد اعتقادات كلها تتناقض مع القرآن الكريم ، قال لي : أربعة أسابيع سيغير مجرى الأسرة كلها لو لم يكن له أخ إيمانه قوي ، جلس معه ، وحاوره ، وأقام عليه الحجة ، وتأثر الأخ الذي جاء من هذه البلاد ، وعاد إلى صوابه ، مشكلة كبيرة ، قد نكون في غفلة إذا لم يوجد تغذية دينية من قبل الأب أو الأم أو الأخ الأكبر أو الجامع أو الشيخ أو المرشد ، إذا لم نجد تغذية دينية علمية .


أقول لكم هذه الكلمة أيها الأخوة ، من دعا إلى الله بمضمون سطحي ، غير متماسك ، متناقض ، وبأسلوب غير علمي ، وبطريقة غير تربوية ، أو دعا إلى الله بأسلوب عميق ، وبمضمون عميق ، وبأسلوب علمي ، لكن اكتشف المدعو بأن الذي يدعوه ليس عنده مصداقية ، أي لا يفعل ما يقول ، فهذا المدعو بهذه الطريقة وبهذا الأسلوب وبهذا المضمون لا يكون عند الله مبلغاً ، ويقع إثم تفلته من الدين على من دعاه بهذه الطريقة .
أيها الأخوة لا يوجد إسلام سكوني ، لا يوجد إسلام أساسه إعجاب سلبي ، ما في أب يدخل إلى البيت يأكل وينام ، أولاده ممن تعلموا ؟ ماذا تعلموا ؟ ماذا يعتقدون ؟ بماذا يفكرون ؟ كيف يقيِّمون الدين ؟ كيف يقيِّمون سيد المرسلين ؟ هل يقرؤون القرآن ؟ هل يظنون أنه كلام الله ؟ هذا كله خارج اهتمامهم ، يكتشف الأب فجأةً أن ابنه لا يعرف شيئاً عن الدين ، والمعصية والطاعة عنده سواء ، بل لا ينتمي لهذه الأمة إطلاقاً ، هذا الاكتشاف مرعب ، هذا الاكتشاف صاعق ، والسبب هو التقصير ، فأنت حينما تأتي إلى مجلس علم ، وحينما تطلب العلم ، وحينما تقرأ القرآن ، ألا ينبغي أن تتنبه إلى حال ابنك ؟ ألا تذكرون أنه توجد طريقة فعالة من طرق التربية هي الملاحظة ، أن تلاحظ عليه فكراً غير صحيح ، طرحاً غير صحيح ، تعليماً غير صحيح ، انتماء غير صحيح ، فالتحذير من الطرف الآخر بثقافته الإلحادية ، وبثقافته الإباحية ، كلمتان تعبران عن الغزو الثقافي على خطورته ، أن هذا الغزو الثقافي أساسه الإلحاد والإباحة ، الاعتقاد إلحاد ، والسلوك إباحة ، وهذا الفساد في العقيدة وفي السلوك عمَّ الأرض ، لذلك لا نحتاج إلى شيء كما نحتاج إلى واحة إيمان نكون فيها الآن ، لا شيء يؤثر أو يعد فعالاً في سلامة الإنسان وأولاده وزوجته من أن يأوي إلى الكهف ، قال تعالى :
﴿ فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ (16) ﴾
(سورة الكهف)
الكهف بيتك والكهف مسجدك :
﴿ فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ يَنْشُرْ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيُهَيِّئْ لَكُمْ مِنْ أَمْرِكُمْ مِرفَقاً (16) ﴾
(سورة الكهف)




قال تعالى :
﴿ ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ (41) ﴾
(سورة الروم)
بما كسبت أيدي الناس ، فساد في العقيدة ، فساد في السلوك ، فساد في التعامل ، فساد في البيئة ، فساد في الهواء ، فساد في الماء ، فساد في الغذاء ، فساد في الخضراوات ، فساد في كل شيء .
﴿ ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (41) ﴾
(سورة الروم)
أخواننا الكرام ، أخطر شيء في الدين العقيدة ، إن صحت صح العمل ، وإن فسدت فسد العمل ، وأخطر شيء عند ابنك عقيدته ، لكن المشكلة أيها الأخوة أن الابن لا يتعامل بالفكر بل يتعامل بالصور ، والغرب عرف كيف يفسد هذا الطفل ، الغرب لا يطرح على الصغار أفكاراً بكتاب ، يطرح عليه أفلام كرتون لو دققت فيها لوجدتها مبنيةً على فكرتين فكرة الإلحاد والإباحية ، فما لم يتحرك المسلمون لإنقاذ أولادهم من الغزو الثقافي الغربي والشرقي ، من طرح قصص تشف عن قيم إباحية ، أو عن قيم إلحادية ، فالأمر خطير جداً ، لا تظن الأمر سهلاً ، لا تظن أن إنساناً يكتشف أن ابنه لا يؤمن بالدين وهو سعيد ، مثل هذا الإنسان انتهى أمام نفسه ، لأن ابنه استمرار له ، هذه السلسلة سلسلة تربية الأولاد في الإسلام مهمتها أن نكون يقظين من أن تتسرب إلى عقول أبنائنا عقيدة تتناقض مع القرآن .




حينما قال الله عز وجل :
﴿ يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ (88) إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ (89) ﴾ 
(سورة الشعراء)
القلب السليم هو القلب الذي سلم من شهوة لا ترضي الله ، وسلم من تصديق خبر يتناقض مع وحي الله ، وسلم من احتكام لغير الله ، وسلم من عبادة غير الله ، هم يتحدثون عن الماضي السحيق السحِيق ، يقول لك : قبل خمسين مليار سنة ، تاريخ البشر لا يزيد عن عشرة آلاف سنة ، السيد المسيح ولد قبل ألفي عام ، وقبل الميلاد يوجد ستة قرون أو سبعة ، يقول لك : قبل خمسين مليار سنة ، الله ماذا قال ؟ 
﴿ مَا أَشْهَدْتُهُمْ خَلْقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَا خَلْقَ أَنْفُسِهِمْ (51) ﴾
(سورة الكهف)
أضرب مثلاً للتقريب ، رجل تاجر كبير في السن ، عنده شاب ، جالس مع أخوانه في جلسة بسهرة ، قال لهم : أنا أخذت محلاً تجارياً عام ثلاثة وثلاثين بخمسة آلاف ليرة ، ابنه ولد في عام خمسة وأربعين ، قال له : لا يا أبي ليس بخمسة ، نظر إليه الأب وقال : وهل كنت وقتها ؟ لم يكن موجوداً ، هذا مثل بسيط ، إله قال : بدأ الله خلق البشر بآدم وحواء فهذا الذي يقول : قبل خمسين مليار سنة كان في مياه ، وصخور ، وحت ، والحت جعل خلية حية ، والخلية الحية عاشت في الماء بعد هذا إلى أن أصبحت إنساناً ، هذا الكلام كلام تكهن من إنسان لم يكن موجوداً وقتها ، ولكن عمل سلسلة منطقية مفادها أن الله عز وجل غير موجود ، أم أن كتاباً فيه مليون ملْيون دليل قطعي على أنه كلام الله ، يخبرنا أن الله بدأ الخليقة بآدم وحواء .
أيها الأخوة ، قصة أرويها لكن أرويها على حذر ، أخ كريم من أخواننا سابقاً منع ابنه أن يكون له علاقة مع أي إنسان من البيت إلى المدرسة ، نشأ هذا الابن بتعتيم كامل وبقطيعة لكل من حوله ، الأب اضطر أن يسافر إلى أمريكا سفرة طارئة ، والابن كبر واستلم محله في المعمل ، لكن الأب لم يعلمه ، قمعه ، هذا الابن بغياب والده انحرف انحرافاً شديداً وتقريباً أنفق معظم ما يدخره والده من مال على فتاة ساقطة .
هذا الكلام ما مؤداه ؟ أنت لو حاصرت ابنك ، وبقي بحجرك ، لكن بعد ذلك كبر وما علمته ، وما بينت له ، يمكن أن ينحرف انحرافاً لا تقوى على سماع أخباره ، أما إذا نورته بأن تقول له : هذه الفكرة غير صحيحة يا بني ، هذه الفكرة ينقضها القرآن ، ينقضها الميزان الصحيح ، ينقضها العقل ، ينقضها الواقع ، البديل هذه الفكرة وهذا دليلها ، في حالات كثيرة جداً في قمع ومنع بسن معين ، فلما شب عن الطوق انحرف انحرافاً لا حدود له .




إذاً أيها الأخوة ، هذا الدرس المتعلق بالتحذير أنا أعلق عليه أهمية كبيرة ، يعني ما الذي يمنع أن تمسك كتاب العلوم للصف الثامن أو التاسع أو العاشر وتقرأ فقرات منه ، هذا الكتاب يدرسه ابنه ، هل فيه نظرية تتناقض مع القرآن ، ألا تملك أيها الأب حجة قوية لنقض هذه النظرية ، أم أن الأمور سائبة ، العالم الغربي هكذا يعتقد ، افتح أي موسوعة علمية ، افتح أي موسوعة من دون استثناء ، الإنسان الحجري ، والإنسان الذي كان يشبه الغوريلا ، والإنسان الذي يشبه الشمبانزي ، والإنسان الذي قبل والذي بعد ، محصلة الموسوعات كلها أن الخليقة ما بدأت بآدم وحواء بدأت بهذا التسلسل العشوائي التطوري ، فأين أنت أيها الأب ؟ أين حجتك ؟ أين قوله تعالى :
﴿ وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آَتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ (83) ﴾
(سورة الأنعام)
في ردود قوية جِداً جداً ، ناصعة جِداً جداً ينبغي أن تعرفها ، وأن تقنع ابنك بها ، أنا لا أتمنى أن يكون في انفصام شخصية ، يعني طفل يتعلم في المسجد شيء وفي المدرسة شيء آخر ، يتمزق أيهما أصح ؟ الصحيح ما تعلمه في المدرسة ، أم ما تعلمه في المسجد ؟ أم أن هذا الطفل ينبغي أن يكون منافقاً ، إذا التقى بأهل الدين أرضاهم باعتقاده السليم ، وإذا التقى بهؤلاء أساطين الكفر والشرك أرضاهم بكلام يقنعهم ، أنت إما أن تعمل انفصام شخصية عند ابنك ، أو تعمل صراعاً مريراً ، وهذا الصراع إذا استمر ينتقل إلى اللامبالاة ، تجد شخصاً لا يبالي إطلاقاً ، أحد أسباب اللامبالاة أنه في صراعات مستمرة مزمنة بين جهة وأخرى .




أعلم علم اليقين خطورة هذا الدرس ، تتسرب إلى عقول أبنائنا عقائد تتناقض مع القرآن ، مثلاً يقول لك : شعوب الهند متوسط أعمارهم أربعون سنة ، الشعوب المتقدمة مادياً والتي عندها وعي صحي عمرها المتوسط ثمانون سنة ، خمسة وسبعون للرجال ، وخمسة وثمانون للنساء ، معنى هذا أن العمر ليس بيد الله ، وليس ثابتاً ، بحسب الوعي الصحي ونوع الطعام يتغير العمر ، هذه الفكرة تتناقض مع القرآن الكريم ، كيف توفق بينها وبين القرآن الكريم ؟ إحصاءات أيضاً ، فالأمر الآن لا يتم بسهولة ، اعتقاداً بسيطاً ، ساذجاً ، سطحياً ، هكذا قال الشيخ ، تجد نفسك أمام مقالات ، ندوات ، أمام محاضرات ، أمام كتب ، أمام أشرطة كلها تناقض القرآن ، ماذا تفعل أنت ؟ الآن الباطل قوي ، الباطل قوي جداً ، فإن لم تحصن أولادك من هذه العقائد الزائغة في خطورة كبيرة ، وأنا أقول دائماً كعادتي أن المجتمعات القديمة تشبه حديقة حيوان تقليدية ، الوحوش في الأقفاص ، والزوار طلقاء ، بؤر الفساد الفكري والسلوكي كان محصوراً ، أما الوضع العام جيد ، حينما كنا في الخمسينات هكذا كان الوضع ، الآن وضع المجتمع الإسلامي يشبه حديقة حيوان حديثة جداً ، إفريقية ، الوحوش طلقاء ، والزوار إن لم يلجؤوا إلى مركبة مصفحة يؤكلون ، لا تقدر الآن إلا أن تحصن ابنك تحصيناً ذاتياً داخلياً ، توعيه ، تبين له مكر الشرك ، مكر الكفر ، هذه النظريات ليس لها أساس من الصحة ، صممت لضرب دين يحارب العلم في غير بلادنا ، هذه مصممة لغير الإسلام ، مصممة لدين يحارب العلم أشد المحاربة .
نحن حينما نوقن أن هذه العقائد إذا تسربت إلى عقول أولادنا نشأ عنا خطورة كبيرة جداً ، ينبغي أن نبادر إلى الحوار والسؤال والجواب دائماً ، المؤمن له من كل آية متعلقة بنبي نصيب ، حينما قال الله عز وجل :
﴿ وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آَتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ (83) ﴾
(سورة الأنعام)
حينما نفعل هذا نكون قد حصَّنّا أولادنا ، أما شاب متردد بين ما في القرآن وبين ما في الكتب ، بين ما يلقيه عليه الشيخ في درس علم وبين ما يلقيه عليه أستاذه في الصف ، هذا التناقض في تفسير نشأة الخليقة ، هذا التناقض يسبب إما حالة لامبالاة صار في صراع مرير مستمر ، أو انفصام شخصية ، إما نفاق أو كفر ، طبعاً هذا الدرس أيضاً درساً تحذيرياً أي أنا أعلم علم اليقين أن معظم أخواننا الكرام على عقيدة سليمة ومتينة ، وأولادهم إن شاء الله على شاكلتهم ، ولكن قال تعالى :
﴿ وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ (55) ﴾
(سورة الذاريات)




الحقيقة المسلم بتقصيره في فهم دينه لا يعلم ما هي أسس العقيدة الصحيحة ، فقد يلتقي بإنسان ، قد يقرأ مقالة ، قد يقرأ كتاباً ، قد يستمع إلى ندوة ، فتتسرب إليه أفكار يظنها أنها من الدين و الدين منها بريء .
إذاً حوارك مع أولادك ، سؤالك عن عقيدتهم ، عن تصوراتهم ، والأجوبة تعلم ابنك أن لا يقبل شيئاً إلا بالدليل العلمي ، ولا يرفض شيئاً إلا بالدليل ، وتعرفه بمصداقية القرآن ، وبأدلته الناصعة ، وبإعجازه ، وبأن هذا الكلام كلام الله ، وما هو الوحي ؟ وكيف جاء الوحي ؟ وعصمة النبي عليه الصلاة و السلام ، هذه بديهيات يجب أن تعلم أولادك إياها وإلا الطرف الآخر جاهز ، يغزو عقول أبنائنا غزواً فكرياً ، إن في المدارس أو في الشاشة ، هذه الشاشة الآن ليست تابعة لمكان معين ، بهذا التنوع الكبير في المحطات الفضائية أصبح هناك خلاط ، كيف خلاط الفواكه ، الكل يختلط في هذا الخلاط ، وهذا التواصل الإعلامي ، تنوع الفضائيات سبب عملية خلط ، فكل الشبهات التي في الغرب انتقلت إلينا ، وكل أنواع الفساد المنتشر في الأرض انتقل إلينا ، فما لم نحصن أولادنا من هذا الغزو الثقافي ، الآن أخوانا الكرام يوجد شيء لخطورته لا يصدق ، خطورة الغزو الثقافي أخطر بكثير من الغزو العسكري ، لأن الغزو الثقافي زعزع لك ثقتك بدينك ، زلزلك ، جعلك إنساناً حائراً ، إنساناً مشككاً ، إنساناً ضائعاً ، إنساناً شارداً ، فالأب الحريص على سلامة أبنائه ، وسلامة عقيدة بناته ، والمعلم الحريص على عقيدة طلابه ، ينبغي أن يكون حذراً إلى درجة عالية جداً من أن ينزلق مع هذه الأفكار التي تبث بشكل مركز جداً من قبل الطرف الآخر لتفسد عقيدتنا وثقتنا بإسلامنا .
أنت ممكن أن تستمع إلى أفكار كثيرة جداً ، أي مثلاً النظام الاقتصادي العالمي هذا المهيمن ، أي بنوك ربوية ، استثمار المال عن طريق الفائدة ، المكان الآمن الوحيد هو البنك ، وحتى المال لا يتجمد يجب أن تأخذ ربحاً ، أي أكبر معصية في القرآن والتي تَوَعَد الله مرتكبها بالحرب ، هي بديهية جداً ، في التعامل المالي في العالم الإسلامي ، وفي كل بلاد المسلمين بنوك ربوية وإيداع بالبنوك وفوائد ، أين :
﴿ يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ (276) ﴾ 
(سورة البقرة)
أين :
﴿ فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ (279) ﴾
(سورة البقرة)
أين الآيات كلها ؟ 




شيء آخر ؛ نحن أحياناً بفعل هذه العقائد الزائغة نخلط بين التعايش وبين التوافق ، التعايش مطلوب ، الطرف الآخر الله عز وجل قال :
﴿ فَمَا اسْتَقَامُوا لَكُمْ فَاسْتَقِيمُوا لَهُمْ (7) ﴾
(سورة التوبة)
وقال :
﴿ لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ (8) ﴾
(سورة الممتحنة)
وقال أيضاً :
﴿ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآَنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى (8) ﴾
(سورة المائدة)
هذا تعايش ، ممكن أن تزوره ، وتقدم له هدية ، وتعود مريضه ، وتعاونه ، وتكون لطيفاً معه ، هذا اسمه تعايش لا يسمى توافقاً ، يوجد فرق كبير جداً بين العقائد ، كذلك مفهوم اختلاط التعايش مع التوافق هذا أيضاً إحدى مشكلات العصر ، أو بالطرف الآخر الله عز وجل قال :
﴿ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ (34) ﴾
(سورة فصلت)
هذه أخلاق الدعوة تختلط أحياناً مع أخلاق الجهاد :
﴿ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ (9) ﴾
(سورة التحريم)
أخلاق المعركة شيء وأخلاق الحياة المدنية شيء آخر ، فكل هذه المعطيات تتداخل حينما يكون هناك غزو ثقافي كبير.




أي مثلاً من لوازم التفكير العلماني الإلحادي الإباحي أن يظهر الإنسان هذا العلماني الإباحي بعاطفة عجيبة ، أي هل يعقل أن تقطع يد السارق ؟ هذا توحش ، ضعه في السجن ، من قال لك أنه لو طبق هذا الحد لما احتاج المسلمون إلا ليد أو يدين في العام ، في أكبر بلد إسلامي ما الذي يحصل ؟ كم جريمة سرقة انقلبت إلى جريمة قتل ؟ اسأل الإحصاءات ؟ هل تصدق والله عندي إحصاء في أمريكا عن عام خمسة وستين ، في كل ثلاثين ثانية ترتكب جريمة قتل أو سرقة أو اغتصاب ، كل ثلاثين ثانية ، أي قسموا جرائم القتل والسرقة والاغتصاب على مجموع الشعب وعلى أيام السنة وعلى ثواني السنة فكان كل ثلاثين ثانية جريمة :
يد بخمس مئين عسجد وديت           ما بالها قطعت في ربع دينار
***
فقال الإمام الشافعي :
عز الأمانة أغلاها و أرخصها         ذل الخيانة فافهم حكمة الباري
***
عندما كانت أمينة كانت ثمينة فلما خانت هانت .
مرة قرأت تحقيقاً صحفياً عن بلد إسلامي يطبق قطع اليد ـ شيء لا يصدق سابقاً ليس الآن ـ الآن تساهلوا في قطع اليد فغزتهم الجرائم والسرقات ، أي ترسل رواتب أقصى محافظة بالجنوب بسيارة شاحنة مكشوفة ، وفيها أكياس الأموال الطائلة ، وتقطع عشرات ومئات الكيلومترات دون أن تخشى شيئاً ، هذا نظام إلهي ، فلمجرد أن تعقد ندوة بمحطة فضائية ويقال هذا قطع اليد ينبغي أن يستبدل بردع آخر ، كأن الله عز وجل حكمه غير صحيح ، هذه من نتائج العلمانية رفض هذا الحكم ، رفض تحريم المصافحة ، معقول ، يقول لك المرأة نصف المجتمع ، الاختلاط ، فحينما تطرح أساليبَ للحياة ، وأنماطاً لكسب المال ، وأنماطاً لاستثمار المال ، وأنماطاً للعلاقات الاجتماعية بخلاف ما جاء في القرآن والسنة فأنت قد غُزيت فكرياً وأنت لا تشعر ، غُزيت فكرياً وشوهت عقيدياً وسلوكياً وأنت لا تشعر ، الكبار إذا كانوا كذلك فكيف الصغار ؟!!




الآن يوجد اتجاه قوي جداً في العالم كله من أجل تعميم العولمة ـ على وزن حيونة ـ اعتمدت الصورة لا الفكرة ، لأن الصورة لها قوة تعبير ألف كلمة ، والصورة لا تحتاج إلى شخص يقرأ ويكتب ، لو نشرنا كتاباً من يقرؤه ؟ المثقفون ، أما غير المثقفين لا يقرؤونه ، أما إذا اعتمدنا الصورة نستطيع أن نصل إلى كل إنسان ، وأخطر شريحة تتأثر بالصورة الطفل ، أنت أطلع الطفل على بيت فخم جداً ، جميل جداً ، نظيف جداً ، والأم بأعلى درجة من الأناقة واللطف ، والبيت فيه بار ، وفيه اختلاط ، وفيه كل وسائل الرفاهية ، وكل وسائل المعصية والفجور ، وبيت إسلامي صغير ، غير مرتب ، الأب غضوب ، والزوجة مهملة لأولادها ، أولادها في الطريق فقط ، أنت لم تهاجم الدين أبداً ، ولكن أعطيت صورة مشرقة مع الإباحية والخمر ، وصورة قاتمة جداً مع التدين والتزمت ، انتهى الطفل ، الفتاة انتهت ، تشمئز من هذا النموذج وتحب هذا النموذج ، هذا الذي يحدث ، هذا التوجيه ، المكر الغربي هكذا ، قال تعالى :
﴿ وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ وَعِنْدَ اللَّهِ مَكْرُهُمْ وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ (46) ﴾
(سورة إبراهيم)
أي إذا أنت كنت أنيقاً ونظيفاً وهناك نظافة وترتيب ، وهناك مسحات جمالية بالبيت ، وهناك صلاة وذكر وورع وعفة وأم تعتني بأولادها ويوجد أب صادق وفي ، ويوجد تفاهم زوجي ، هذا الذي يغير نمط الأطفال ، فأنا بنفسي كلام كبير جداً بهذا الموضوع ما كل ما يعلم يقال ولكن فهمكم كفاية ، نحن الآن أمام غزو ثقافي غربي خطير جداً يستهدف أبناءنا، بالنسبة لهم الكبار انتهوا ، الأولاد هم المستهدفون ، فلذلك عندما يكون الأب واعياً جداً وحريصاً جداً وورعاً جداً ومثقفاً جداً ويرعى أولاده يكون قد قدم عملاً للأمة لا يقدر بثمن ، أي أكبر عمل تقدمه لهذه الأمة أن تخرج من بيتك أولاداً أبطالاً ، أولاداً صادقين ، أولاداً عقيدتهم سليمة ، فكرهم سليم ، تصورهم صحيح ، عندهم قيم أخلاقية تحكمهم وهو المطلوب .
أيها الأخوة الكرام ، لا أحب أن أطيل عليكم ولكن الأب الذي يغفل عن تربية أولاده يغفل عن عقيدتهم ، عن تصوراتهم ، يجهل التغذية الخطرة التي يغذى بها الطفل وهو لا يشعر ، مصيره أنه خسر ابنه خسارة نهائية ، وصار هذا الأب حزيناً دائماً على أن هذا الابن لم يكن استمراراً له بل كان شارداً وضائعاً .
والحمد لله رب العالمين




وسائل تربية الأولاد ( 15 ) القواعد الأساسية في التربية




بسم الله الرحمن الرحيم


الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين ، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا ، إنك أنت العليم الحكيم ، اللهم علمنا ما ينفعنا ، وانفعنا بما علمتنا ، وزدنا علماً ، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه ، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه ، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه ، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين .
أيها الأخوة الكرام ، لازلنا في تربية الأولاد في الإسلام ، لازلنا في الجزء الثاني في الوسائل الفعالة لهذه التربية ، من تعويد وتلقين ، إلى موعظة ، إلى ملاحظة ، إلى عقاب ، إلى ربط ، إلى تحذير .




محور الدرس اليوم التحذير ، كوسيلة فعالة من وسائل التربية في الإسلام .
أيها الأخوة ، هناك أب يصمت ، لا يحذر ، لا يبين ، لا يوضح ، يأتي يأكل ويشرب وينام ، أما هذا الابن لم يسمع من أبيه كلمة واحدة أن هذا الشيء يا بني مؤذٍ ، أن هذا الشيء حرام ، وأن هذا الشيء مدمر ، وأن هذا الشيء يخدش سمعتك ، وهذا الشيء يغضب ربك ، فالمربي ينبغي أن يحذر ، والمعلم ينبغي أن يحذر ، والأب ينبغي أن يحذر ، والداعية ينبغي أن يحذر ، ينبغي أن تنطق ، أن تنبه ، لأن الإنسان يحتاج لمن يعلمه ، ومفتاح العلم السؤال ، وأن هذا الابن لم يسألك ، لم ينتبه إلى هذا الشيء أنه حرام ، هذا ميسر مثلاً ، يلعب مع رفاقه بالميسر دون أن يشعر ، على شيء بسيط ، لكن هذا الشيء ينمو ! وصف أحدهم داء القمار قال :
هو الداء الذي لا برء منه                وليس لذنب صاحبه اغتفار
تشاد له المنازل شاهقات                 وفي تشييد ساحتها الدمار
نصيب النازلين بها سهاد                 وإفـلاس فيـأس فانتحار
***
يبدأ القمار من لعب الشدة على مبلغ معين ، ويكبر ، فإن لم يتلقَ الابن تحذيراً من والده ، لم ينبهه ، هذه الجلسة لا تليق بك يا بني ، المؤمن الكامل لا يجلس هذه الجلسة ، هذه النظرة ، السير بهذه الطريقة ، فالأب المؤمن دائماً وأبداً يحذر ابنه من شيء لا يرضي الله عز وجل ، الحقيقة مرة كنت في بلد بعيد باستراليا فالتقى بي إنسان مقيم هناك ، والله أيها الأخوة يكاد يذوب قلبه ألماً وكمداً من ابنه ، يا بني هذا حرام ، فيقول له : why حرام ؟ لأنه غفل عنه لفترة طويلة ، فلما بدأ يبين له كان قد تجاوز حد التربية ، إلى عادات ألفها وأصبحت جزءاً من حياته ، فالأولى من الأب أو الداعية أو المرشد أن يكون عنده تحذير دائم لمن حوله ، من أشياء هي محرمة ، مؤذية ، مؤلمة ، لا تليق ، لا تجوز ، ليست مقبولة .




لكن دائماً إذا قلت له هذا حرام ! أنا أرى أنه لا يكفي أن تقول حرام ، حرام لأن الله نهى عنه ، هذا دليل نقلي ، وقد يحتاج إلى دليل عقلي ، أنت لاحظ النبي عليه الصلاة والسلام :
(( إِنَّ فَتًى شَابّاً أَتَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ائْذَنْ لِي بِالزِّنَا ، فَأَقْبَلَ الْقَوْمُ عَلَيْهِ فَزَجَرُوهُ ، قَالُوا : مَهْ مَهْ ، فَقَالَ : ادْنُهْ ، فَدَنَا مِنْهُ قَرِيباً ، قَالَ :  فَجَلَسَ ، قَالَ : أَتُحِبُّهُ لِأُمِّكَ ؟ قَالَ : لَا وَاللَّهِ جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاءَكَ ، قَالَ : وَلَا النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لِأُمَّهَاتِهِمْ ، قَالَ : أَفَتُحِبُّهُ لِابْنَتِكَ ؟ قَالَ : لَا وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاءَكَ ، قَالَ : وَلَا النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لِبَنَاتِهِمْ ، قَالَ : أَفَتُحِبُّهُ لِأُخْتِكَ ؟ قَالَ : لَا وَاللَّهِ جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاءَكَ ، قَالَ : وَلَا النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لِأَخَوَاتِهِمْ ، قَالَ : أَفَتُحِبُّهُ لِعَمَّتِكَ ؟ قَالَ : لَا وَاللَّهِ جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاءَكَ ، قَالَ : وَلَا النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لِعَمَّاتِهِمْ ، قَالَ : أَفَتُحِبُّهُ لِخَالَتِكَ ؟ قَالَ : لَا وَاللَّهِ جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاءَكَ ، قَالَ : وَلَا النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لِخَالَاتِهِمْ ، قَالَ : فَوَضَعَ يَدَهُ عَلَيْهِ وَقَالَ : اللَّهُمَّ اغْفِرْ ذَنْبَهُ ، وَطَهِّرْ قَلْبَهُ ، وَحَصِّنْ فَرْجَهُ ، فَلَمْ يَكُنْ بَعْدُ ذَلِكَ الْفَتَى يَلْتَفِتُ إِلَى شَيْءٍ  )) .
[أحمد عَنْ أَبِي أُمَامَةَ]
إن كان الله في عليائه يُعَلِّم ، يقول مثلاً :
﴿ خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ (103) ﴾
(سورة التوبة )
الإله يقول : 
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (183) ﴾
(سورة البقرة )
الذي من شأنه أن نعبده فقط ، ومن شأنه أن يأمر ، ومع ذلك يعلل لنا أحكامه ، فأنت حينما تحذر ينبغي أن تأتي بالدليل ، والدليل فيه احترام للشخص ، فإن لم يكفِ الدليل النقلي بالنسبة لهذا الذي تربيه ادعمه بالدليل العقلي ، والدليل الواقعي ، والدليل الفطري ، فكلما أكثرت من الأدلة تحترم هذا الإنسان ، تحترم عقله ، تحترم فطرته ، تحترم إمكاناته ، لذلك الدليل والتعليل مهم جداً في شأن التربية .




أيها الأخوة ، التحذير مع التعليل ، التحذير مع الدليل ، التحذير مع تنوع الدليل ، أحياناً أقول لك هذا السلوك محرم بدليل قول الله عز وجل ، بدليل قول النبي عليه الصلاة والسلام ، بدليل أن الفطرة تأباه ، أضرب لكم مثلاً ، بدليل أن العقل يرفضه ، بدليل أن الذي يفعل هذا يسقط من عين الناس ، فلذلك الأبوة مسؤولية ، والتعليم مسؤولية ، والمدرس مسؤول ، والموجه مسؤول ، وكل راعٍ مسؤول عن رعيته ، هناك من يتفلسف ويقول : يا أخي منهج التربية الحديث يقوم على التحذير ، من قال لك ذلك ؟ القرآن كله يقوم على التحذير قال تعالى :
﴿ لَا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آَخَرَ فَتَقْعُدَ مَذْمُوماً مَخْذُولاً (22) ﴾
                                                           (سورة الإسراء )
وقال :
﴿ وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُوماً مَحْسُوراً (29) ﴾
(سورة الإسراء )
وقال :
﴿ وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ إِنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْئاً كَبِيراً (31) وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلاً (32) وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ ﴾
(سورة الإسراء )




قال تعالى :
﴿ وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ (34) ﴾
وقال :
﴿ وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ (36) ﴾
 (سورة الإسراء )
هذا تحذير ، النهي تحذير ، مثلاً بشكل مبسط جداً إذا وجد تيار عالي التوتر من واجب الدولة أن تكتب : ممنوع الاقتراب من التيار ، خطر الموت ، يرسمون جمجمة وعظمتين ، هذا الشيء طبيعي ، أحياناً يقول لك منعطف خطر ، تقاطع خطر ، يوجد مئات التحذيرات في الطرقات العامة ، هذه رحمة ، والمربي رحيم أيضاً ، كما أن الدولة تحذر المواطنين من تقاطع خطر ، من منحدر خطر ، احذر انزلاق مثلاً راجع المكابح ، بالنشرات الجوية احذروا الصقيع ، انتبه إلى مسَّاحات الزجاج ، هذه كلها تحذيرات ، الدنيا كلها تقوم على التحذير ، حتى في الآلات ، مثلاً آلة 110 فولت يكتب عليها تنبيه : انتبه 110 فولت ، لئلا تحرقها مثلاً ، لذلك التحذير منهج قرآني :
﴿ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحاً إِنَّكَ لَنْ تَخْرِقَ الْأَرْضَ وَلَنْ تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولاً(37) ﴾
 (سورة الإسراء )




سيدنا أَبَا بَكْرٍ رَضِي اللَّه عَنْه يَقُولُ : " يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِيَّاكُمْ وَالْكَذِبَ فَإِنَّ الْكَذِبَ مُجَانِبٌ لِلْإِيمَانِ ".
والنبي عليه الصلاة والسلام في سنته المطهرة يقول : 
(( إِيَّاكُمْ وَكَثْرَةَ الْحَلِفِ فِي الْبَيْعِ فَإِنَّهُ يُنَفِّقُ ثُمَّ يَمْحَقُ )) .
[مسلم عَنْ أَبِي قَتَادَةَ الْأَنْصَارِيِّ] 
(( يَأْثُرُ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ : إِيَّاكُمْ وَالظَّنَّ ، فَإِنَّ الظَّنَّ أَكْذَبُ الْحَدِيثِ ، وَلَا تَجَسَّسُوا ، وَلَا تَحَسَّسُوا ، وَلَا تَبَاغَضُوا ، وَكُونُوا أخواناً ، وَلَا يَخْطُبُ الرَّجُلُ عَلَى خِطْبَةِ أَخِيهِ حَتَّى يَنْكِحَ أَوْ يَتْرُكَ)) .
[البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه ]
وعن عمر رضي الله عنه أنه قال : " إياكم وزي الأعاجم ."
وقد ورد أيضاً :
(( إياك وقرين السوء فإنك به تعرف )) .
[رواه ابن عساكر عن أنس]
(( اتَّقُوا الظُّلْمَ فَإِنَّ الظُّلْمَ ظُلُمَاتٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، وَاتَّقُوا الشُّحَّ فَإِنَّ الشُّحَّ أَهْلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ حَمَلَهُمْ عَلَى أَنْ سَفَكُوا دِمَاءَهُمْ وَاسْتَحَلُّوا مَحَارِمَهُمْ )) .
[أحمد عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ]
إذاً منهج الله عز وجل في قرآنه ، ومنهج النبي صلى الله عليه وسلم في سنته قائم على التحذير ، ولكن أنت حينما لا تأتمر بما تأمر ، ولا تنتهي عما تنهى ، لا وزن لتحذيرك ولا لتوجيهك ، لسان حال من يقول لك احذر يقول لك : يا طبيب طب لنفسك ، حالات كثيرة الطفل يراها ، الطفل يرى أباه يكذب ثم ينهاه عن الكذب ، يرى أباه يدخن ثم ينهاه أن يمسك هذه اللفافة ، يرى أباه ينظر ملء عينه لامرأة لا تحل له ثم يأمر زوجته أن تغض بصرها ، التناقض يراه الابن ، وإذا تناقض الإنسان سقط من عين من يربيه ، سقوط الإنسان من عين الناس شيء كبير ، لكن سقوط الإنسان من عين الله شيء أكبر ، لأن يسقط الإنسان من السماء إلى الأرض فتتحطم أضلاعه خيرٌ له من أن يسقط من عين الله ، إذاً القرآن مفعم بألوان وعدد كبير جداً من التحذيرات ، إذا كان هذا منهج الله في معاملة عباده فأنت أيها الأب وأنت أيها المعلم وأنت أيها الداعي ينبغي أن تحذر ، أي إنسان أتى بموظفة مثلاً والموظفة متفلتة ، وهي راغبة في أن تلفت نظر من حولها إلى مفاتنها ، وعندك شباب ، وجاءك إنسان محب ينبغي أن يحذرك من هذا ، هذه مظنة ، فتنة كبيرة في المعمل ، أو في المكتب ، فإذا بقي ساكتاً فهو شيطان أخرس .




يجب أن تأمر بالمعروف لكن بلطف ، من دون فضيحة ، بينك وبينه ، على انفراد بيِّن له مضاعفات هذا العمل ، أديت الذي عليك وبقي لك الذي عند الله ، أديت الذي عليك سواء استجاب أم لم يستجب ، ارعوى أم لم يرعوِ ، أنت أديت الذي عليك ، لك ابن وجهه ، بيِّن له بأدب ، بلطف ، بترفق ، لكن إن لم يستجب هذه مشكلته .
لنبدأ بأول قضية تحذيرية هي تعد من أول مقومات هذا الدرس ، التحذير من الردة والعياذ بالله ، كلمة الردة كلمة كبيرة جداً ، تقابل الهلاك ، لكن يوجد أنواع مخففة لا تعد ولا تحصى كلها ارتداد عن الدين ، دون أن تشعر ، وأنت صائم مُصلٍّ ، وأنت ترتاد المساجد ، لأن الله عز وجل قال :
﴿ وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ (106) ﴾
(سورة يوسف)
هذا الشرك الخفي ، وأخطر شيء الشرك الخفي ، أخطر مرض الذي لا أعراض له ، أما أي مرض له أعراض تتنبه بوقت مبكر جداً ، أما المرض الذي ليس له أعراض فهذا أخطر الأمراض ، فلذلك الردة بالمعنى الضيق توجب عقاباً أليماً عند الله ، بل إن الردة بمعناها الواسع تشمل أشياء كثيرة ، مثلاً المناداة بأفكار ومبادئ تصرف المسلم عن أن يكون الله سبحانه وتعالى هو مقصوده ومعبوده ، يقول لك : التنمية ، أصبحت التنمية إلهاً يعبد من دون الله ، العمل العَمل ، قضية صلى أم لم يصلِّ ، ضبط أموره ، أكل حراماً ، أودع ماله ببنك ربوي ، أخذ فائدة ، عمل اختلاطاً ، عمل إعلانات فاضحة على الشاشة ، المهم أن يعمل لأن العمل عبادة ، أنت الآن طرحت ديناًَ جديداً ، بدل أن تعبد الله تعبد كسب المال ، تعبد التنمية ، تعبد العصرنة مثلاً ، أشياء لم تكن من قبل ، فحينما تنادي بقيم جديدة ، وشعارات جديدة ، ومبادئ جديدة تصرف الإنسان عن أن يكون عبداً لله ، وعن أن يكون الله مقصوده ورضاه مطلوبه ، فهذا نوع من الارتداد المخفف ، أصبح هناك هموماً أخرى غير همّ أن تكون مؤمناً ، صار هناك همّ كسب المال ، لو أن همّ كسب الله فقط وفق منهج الله لا شيء عليه ، المال قوام الحياة ، لكن كسب المال دون أن تنتبه إلى منهج الله إطلاقاً ، يقول لك : لا تدقق ، العبرة أن ننجح ، ذكرت منذ يومين فكرة أرجو أن تكون واضحة اليوم ، أنا أقول الطرف الآخر كعبارة ملطفة عن الكافر ، الطرف الآخر لا منهج له ، ولا يوجد عنده حرام ، ولا يوجد عنده لا يجوز ، فلذلك مناورته واسعة جداً ، ومناورته واسعة جداً حتى أنه يبدو أقوى من المؤمن ، وهذه القوة ليست وسام شرف له بل وصمة عار عليه ، أي أنت ممكن أن تغش الناس جميعاً من أجل أن تربح ، الغش عنده ليس بمشكلة ، يغشهم ، ممكن أن تكذب لتربح ، الكذب ممكن أن يكون في سبيل الربح ، ولا سيما من يؤمن أن الغاية تبرر الوسيلة ، المؤمن لا يطرح فكرة ، لا يضع هموماً غير الهموم التي جاءت في القرآن والسنة .




الآن إذا طرحنا أفكاراً ليست إسلامية ، مبنية على التعصب ، على الإقليمية ، مبنية على قيم أخرى لم تكن من قبل ، هذه الشعارات ، وهذه المبادئ ينبغي أن تكون من جو القرآن الكريم ، من جو السنة النبوية ، حينما تطرح مثلاً موضوعاً آخر ، مرة أحد الشعراء قال : 
سلام على كفر يوحد بيننا                وأهلاً وسهلاً بعده بجهنم
***
هذا قد أصبح فكراً آخر ، والدين لا قيمة له ، في مطلع عصر النهضة الناس مأخوذون بالغرب ، منبهرون به ، إلى درجة أنهم نسوا دينهم ، ونسوا قيمهم ، إذاً من مظاهر الارتداد غير الصارخ المعلن أن يكون لك همّ آخر ، ومبدأ آخر ، وقيم أخرى بعيدة عن جو الإسلام ، أحياناً تكون هناك مبادئ براقة جداً ، الإنسانية مبدأ براق جداً ، لكن هذا المبدأ قد يصرفك عن شؤون دينك ، أنا إنساني ، لكن مؤمن إنساني أم فاسق إنساني !! لا يوجد عنده شيء اسمه حلال أو حرام ، والآن يوجد فكرة عجيبة ، يقول لك : إيمانه بقلبه ، والله من أيام حدث أن رأيت امرأة ترتدي أشد أنواع الثياب فضحاً ولا يفوتها فرض صلاة ، حتى أن التي ترقص تقول : الله وفقني بهذه الرقصة ، يوجد تناقضات عجيبة جداً ، أشياء تدعي أنها إنسانية وهي ليست كذلك ، والله سمعت خبراً من أغرب الأخبار ، أنه بدولة إسلامية قريبة من العراق قواعد تابعة لدولة كبرى ، يستعد من فيها ويعملون ليلاً نهاراً استعداداً لضربة قاسمة ، النساء نشأ عندهن وقت فراغ كبير فأردن أن يشغلنه بعمل إنساني ، أنا كلمة إنساني استوقفتني ما هذا العمل الإنساني الذي أرادت النساء أن تستهدفه ؟ إنه تعلم الرقص الشرقي ، هذا هو العمل الإنساني الذي أرادت النساء أن يملأن به أوقات فراغهن لأن أزواجهن مشغولون في الإعداد لضربة قادمة .




الشعار سهل جداً ، أي لا يوجد إنسان مجرم في الأرض إلا ويرفع كلام مقبول ، قال :
﴿ مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ (29) ﴾
(سورة غافر)
الإنسان منطقي ممكن أن يعبر عن أسوأ نواياه ، وعن أكبر جرائمه بغطاءٍ ثانٍ ، فالعبرة ليست لما يقوله الإنسان بل لما يفعله ، لو أن الصياد وهو يذبح العصفور سقطت من عينه دمعة فيقول الإنسان : ما شاء الله ما هذه الرحمة ؟!! عينه على الدمعة ، انظر إلى السكين !! لا تنظر إلى دمعة عينه بل انظر إلى السكين التي يقطع بها أضلاع هذا الطائر ، هذا أول شيء ، أي أن تطرح فكراً آخر ، أساساً يوجد آية دقيقة جداً :
﴿ وَإِنْ كَادُوا لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ لِتَفْتَرِيَ عَلَيْنَا غَيْرَهُ وَإِذاً لَاتَّخَذُوكَ خَلِيلاً (73) ﴾
(سورة الإسراء )
إذاً كل جهد الطرف الآخر هو لشيء آخر غير ما جاء الله به ، هذا التقييد غير معقول ، لا بد من إعطاء الوقت قيمة في الربح ، كلام منطقي ، لا بد من التفريق بين الربا الاستغلالي ، والربا الاستثماري ، الله عز وجل لم يفرق : 
﴿ يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا (276) ﴾
(سورة البقرة )
مادام لم يفرق فيوجد تحريم مطلق ، لأنه لو جاء بالتحريم مع علة فالتحريم يدور مع العلة ، فإن وجدت وجد ، وإن اختفت اختفى ، تحريم مطلق ، إذاً هذا أول نوع من أنواع الارتداد ، هذا يحتاج إلى توجيه ، قال لي أحدهم اليوم : أنا لا أؤذي أحداً ، هو في جامعة ونجح ، قلت له : بربك لو أمضيت أربع سنوات في الجامعة ولم تؤذِ أحداً حولك هل تنجح ؟ القضية ليست سلبية ، لا أؤذي أحداً ، ولكن لا بد من إيجابيات ، أنت معد لمهمة ، فإن أنت من دون مهمة وهدف وقلت لا أؤذي أحداً يكفي ، ولكن طالما أن لك هدفاً ومهمة وأنا لا أؤذي أحداً هذا غير كافٍ .




الآن هنالك شيئان ، أنا لا أؤذي أحداً وإيماني بقلبي افعل ما تشاء ، طبعاً نحن في عصر الدبلوماسية ، عصر اللطف ، عصر الاعتذار ، ابتسامة صفراء ، مصافحة حارة وفي الداخل يوجد كيد ، عصر نفاق ، عصر ازدواجية ، يبتسم لك ويكيد لك ، يراوغ كما يراوغ الثعلب ، يصافحك بحرارة وقد يعانقك ، ويدبر لك خطة مدمرة ، فلا يكفي أن تقول : لا أؤذي أحداً ، أنت بمهمة ، أنت بمدرسة ، لا يكفي أن لا تؤذي رفاقك ، لا بد من أن تدرس .
الآن من مظاهر الارتداد إعطاء الولاء والمحبة والطاعة لغير الله ، الولاء أي الإتباع ، الولاء يعني حباً ، الولاء يعني الاسترشاد ، الولاء يعني اهتداء ، من هو وليك ؟ من تراه كبيراً ؟ من تراه مفلحاً ؟ أهل الدنيا ؟ الغرب ؟ بإباحيتهم ، بشذوذهم ، بانحرافهم ، بأكلهم الربا ، بعدوانهم على الشعوب ، هؤلاء عندك كبار ؟ لا والله ليسوا كباراً أبداً ، هم صغار لأنهم عبء على البشرية وليسوا في خدمتها ، فالولاء الحب ، الولاء الإتباع ، الولاء التقدير :
(( من هوى الكفرة فهو مع الكفرة و لا ينفعه من عمله شيئاً )) . 
[السيوطي عن جابر]
إعطاء الولاء والمحبة والطاعة لغير الله ، لكن حتى أكون دقيقاً معكم لا بد من استثناء واحد ، لو إنسان غير مسلم أحسن إليك ، أو كان منصفاً معك ، أو خدمك ، فأنت بحكم إنسانيتك ، وبحكم فطرتك تحبه ، أنا أطمئنك أن هذا الحب لا علاقة له بالولاء والبراء ، هذا حب فطري ، وفي الحديث القدسي الوارد في الأثر :
(( يا داود ذكر عبادي بإحساني إليهم لأن النفوس جبلت على حب من أحسن إليها ، وبغض من أساء إليها .))
[ورد في الأثر]
لو أن لك قضية عند قاضٍ غير مسلم وكان حكمه عادلاً ، وكان خصمك قوياً جداً وغنياً جداً ، وأغراه بأشياء كثيرة ، وحكم بالعدل ، أنت تحبه قطعاً وإذا أحببته لست مخطئاً ، إنك تحب الكمال الذي فيه ، تحب عدله ، تحب إنصافه ، تحبه لأنه رفض الإغراءات ، هو له مواقف معينة ، هو يرى ذلك ، هو قاضٍ ، فإن جاءك خير من إنسان غير مسلم وبغير قصد فتنك ، أي بريء . 
أحياناً يكون هناك مطب أو طُعم ، إذا كان هذا الخير طعماً أو مطباً هذا موضوع آخر ، أما إن كان خيراً عادياً مبنياً على كرم الأخلاق فلا مانع ، إن الله يحب معالي الأمور .




شيء آخر : 
﴿ ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ (18) ﴾
(سورة الجاثية)
وقال :  
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا آَبَاءَكُمْ وَإخوانكُمْ أَوْلِيَاءَ إِنِ اسْتَحَبُّوا الْكُفْرَ عَلَى الْإِيمَانِ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (23) ﴾
(سورة التوبة)
وقال :
﴿ لَا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ (22) ﴾
(سورة المجادلة)




أخواننا الكرام عندي موضوع أرجو الله أن أوفق إلى توضيحه ، أول شيء الولاء والبراء ، إن كنت موالياً للمؤمنين ولأهل الحق ، وجاءتك شبهة كبيرة لأنك توالي أهل الحق ، توالي القرآن ، تراجع نفسك لعل هذه التهمة غير صحيحة ، لعلها افتراء ، لعلها كيدية لا تقبلها فوراً ، من كان ولاؤه للطرف الآخر يقبل أية شبهة ، يقبل أي تهمة ، يقبلها من دون دليل ، فالدليل على ولائك للدين أنك لا ترضى أن يكون هناك سلبيات في الدين ، تبحث عنها وتحاول أن تزيلها ، تحاول أن ترد عليها ، تحاول أن تحقق في الأمر ، رجل قيل عن والده أنه مخطئ ، والابن بار ، فيتأكد ، يطلب الدليل ، يسأل والده ، أما قبل عن والده تهمة كبيرة ولم يسأل ولم ينفيها عنه ، فرح ، فهذا معناه أنه ليس ابنه ، معنى هذا أنك لست ابنه ، رجل اتهم والدك بالسرقة ، ووالدك محترم جداً ، وأنت لم تُبال ِ ، يجب أن تخرج من جلدك ، تدافع عنه ، تحقق ، تطلب الدليل ، تسأل والدك ، هذا هو الولاء ، لكن لا يوجد ولاء أبداً ، أي تهمة ألصقت بالدين تقبلها ببساطة ، إذاً لا يوجد ولاء ، من مظاهر الارتداد الموسعة أن تعلن أنك لست مسلماً ، لكن من مظاهر الارتداد المخفف كراهية شيء في الإسلام ، أنا أكره الحجاب ، هذا ارتداد ، لكن موسع ، أنا أكره نظام الزكاة ، أنا أكره صلاة الفجر ، يا أخي صعبة ، رجل ينام في منتصف الليل استيقِظ وتوضأ وصلّ ، هناك من يقول ذلك ، أنا أكره غض البصر ، أنا أكره الحج ، كثير من الناس قد حجوا فيقول لك : والله لو مدوا لي السجاد فلن أعيدها ، هذا ارتداد لكن مخفف ، أن تكره شيئاً في الإسلام :
﴿ وَالَّذِينَ كَفَرُوا فَتَعْساً لَهُمْ وَأَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ (8) ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ (9) ﴾
(سورة محمد)




أخواننا الكرام هذا الدرس تحذيري ، تكره شيئاً في الإسلام ؟! يا أخي ما هذه الأسرة ؟ متزمتة ، مكان مخصص للرجال وآخر للنساء ، هل سنأكل له زوجته لو جلست معنا !؟ يكره أن يكون هناك فصل ، يريد أن يجلس مع الكل ، يريد أن يمزح مع الكل ، يريد أن يملأ عينيه من محاسن كل النساء ، إذا كنت تكره شيئاً في الإسلام ، تكره الحجاب ، تكره غض البصر ، تكره صلاة الفجر ، تكره الحج مثلاً ، مشكلة ، هذا نوع من الارتداد :
﴿ وَالَّذِينَ كَفَرُوا فَتَعْساً لَهُمْ وَأَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ (8) ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ (9) ﴾
(سورة محمد)
أخواننا الكرام أيضاً من مظاهر الارتداد الاستهزاء بشيء من الدين ، أو بشعيرة من شعائر المسلمين ، هناك من يحاكي عباده محاكاة شكلية ، هناك من يستهزئ بإنسان ورع بغض بصره ، هنالك الكثير من حالات الاستهزاء ، رجل ورع فيفاجئونه مثلاً ، فأي استهزاء أو استخفاف بمظهر إسلامي ، أو بعبادة إسلامية ، أو بشعيرة إسلامية ، أو بشيء إسلامي ، هذا دليل الارتداد : 
﴿ يَحْذَرُ الْمُنَافِقُونَ أَنْ تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ تُنَبِّئُهُمْ بِمَا فِي قُلُوبِهِمْ قُلِ اسْتَهْزِئُوا إِنَّ اللَّهَ مُخْرِجٌ مَا تَحْذَرُونَ (64) وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآَيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ (65) لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ إِنْ نَعْفُ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْكُمْ نُعَذِّبْ طَائِفَةً بِأَنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ (66) ﴾
(سورة التوبة )




عدَّ إلى المليار قبل أن تستهزئ بعبادة أو بشعيرة ، هذا دين الله عز وجل ، هذه شعائر الله :
﴿ ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ (32) ﴾
 (سورة الحج)
أحياناً أشخاص كثيرون لا يحلو لهم المزاح إلا على أهل الدين ، يقلدونهم في صلاتهم ، وفي سلامهم ، وفي ورعهم ، وفي غض بصرهم ، وفي ضبطهم لألسنتهم ، يقلدونهم ويستهزئون ، يقول الله عز وجل :
﴿ فَالْيَوْمَ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنَ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ (34) ﴾
(سورة المطففين)
من مظاهر الارتداد عن الدين ، تحريم ما أحل الله ، وتحليل ما حرم الله :
﴿ وَلَا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلَالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ (116) ﴾
(سورة النحل)




من مظاهر الارتداد عن الدين أن تؤمن ببعض هذا الدين وأن تكفر ببعضه الآخر هذه غير معقولة ، لا تقنعني ، من أنت ؟! هل أنت مشرِّع ؟ هل أنت مخير بالقبول أو بالرفض ؟ يأخذ ما يطرب له ، قضايا العبادات تعجبه ، أما قضايا ترك الربا لا تعجبه ، العبادات تعجبه ، أما قضايا عدم الاختلاط لا تعجبه ، فلذلك هذا الذي يأخذ ما يعجبه ، يأخذ ما كان هيناً عليه ، يأخذ ما كان سهلاً ، ويرفض ما كان صعباً ، هذا نوع من الارتداد المخفف عن الدين ، قال تعالى :
﴿ أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْكُمْ إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ (85) ﴾
(سورة البقرة)




يوجد عندنا الآن مظهر خطير جداً لا أدري كيف ينتشر الآن ، بشكل مخيف ، هذا المظهر الاقتصار بالإيمان بالقرآن الكريم وحده ، وجحود السنة النبوية ، بدعوى أن هناك أحاديث موضوعة ، حسناً إن وجدت أحاديث موضوعة ، ووجدت أحاديث ضعيفة هل هذا مبرر أن تنكر السنة ؟ ألم يقل الله عز وجل :
﴿ وَمَا آَتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا (7) ﴾
 (سورة الحشر)
ألم يقل الله عز وجل :
﴿ مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ (80) ﴾
 (سورة النساء)
هذا الذي يقتصر على القرآن الكريم يخالف القرآن الكريم دون أن يشعر ، هذا الاتجاه بدأ ينتشر ، يسمون الآن القرآنيين ، القرآن فقط لا يوجد سنة ، حسناً ، كيف تصلي من دون سنة ؟ كيف تدفع الزكاة ، أنصبة الزكاة ، أعطيك ألف سؤال لا جواب له إلا في السنة ، يوجد حالات بالفقه النبي حرمها ، النبي حرمها والنبي مشرِّع عليه الصلاة والسلام ، فالله عز وجل قال :
﴿ وَأَخَوَاتُكُمْ مِنَ الرَّضَاعَةِ (23) ﴾
(سورة النساء )
ماذا قال النبي عليه الصلاة والسلام ؟ 
(( قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فِي بِنْتِ حَمْزَةَ : لَا تَحِلُّ لِي ، يَحْرُمُ مِنَ الرَّضَاعِ مَا يَحْرُمُ مِنَ النَّسَبِ ، هِيَ بِنْتُ أَخِي مِنَ الرَّضَاعَةِ )) .
[البخاري عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِي اللَّه عَنْهمَا]
معنى هذا أن العمة من الرضاعة لا تجوز ، والخالة من الرضاعة لا تجوز ، وبنت الأخ من الرضاعة لا تجوز ، فيحرم من الرضاع ما يحرم من النسب ، هذا تشريع النبي عليه الصلاة والسلام .


يقول الله عز وجل :
﴿ فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً (65) ﴾
(سورة النساء)
القرآن قال :
﴿ وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ (23) ﴾
(سورة النساء)
(( لَا تُنْكَحُ الْمَرْأَةُ عَلَى عَمَّتِهَا وَلا عَلَى خَالَتِهَا )) .
[مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ]
النبي نهاك عن أن تجمع بين البنت وخالتها ، والبنت وعمتها ، هذا من تشريع النبي عليه الصلاة والسلام ، كلام النبي مصدر تشريعي ، والله عز وجل يقول :
﴿ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا (7) ﴾
 (سورة الحشر)
يقول عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح :
(( أَلَا هَلْ عَسَى رَجُلٌ يَبْلُغُهُ الْحَدِيثُ عَنِّي وَهُوَ مُتَّكِئٌ عَلَى أَرِيكَتِهِ فَيَقُولُ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ كِتَابُ اللَّهِ فَمَا وَجَدْنَا فِيهِ حَلَالاً اسْتَحْلَلْنَاهُ وَمَا وَجَدْنَا فِيهِ حَرَاماً حَرَّمْنَاهُ وَإِنَّ مَا حَرَّمَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَمَا حَرَّمَ اللَّهُ )) .
[الترمذي عَنِ الْمِقْدَامِ بْنِ مَعْدِي كَرِبَ]
هذا كلام النبي ، وفي كلام آخر قاله النبي عليه الصلاة والسلام :
(( أَلا إِنِّي أُوتِيتُ الْكِتَابَ وَمِثْلَهُ مَعَهُ ، أَلَا إِنِّي أُوتِيتُ الْقُرْآنَ وَمِثْلَهُ مَعَهُ ، لَا يُوشِكُ رَجُلٌ يَنْثَنِي شَبْعَاناً عَلَى أَرِيكَتِهِ يَقُولُ : عَلَيْكُمْ بِالْقُرْآنِ فَمَا وَجَدْتُمْ فِيهِ مِنْ حَلَالٍ فَأَحِلُّوهُ وَمَا وَجَدْتُمْ فِيهِ مِنْ حَرَامٍ فَحَرِّمُوا )) .
[أحمد عَنِ الْمِقْدَامِ بْنِ مَعْدِي كَرِبَ الْكِنْدِيِّ]
مثله معه السنة المطهرة ، مثله معه الحديث ، لأنه لا ينطق عن الهوى :
﴿ إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى (4) ﴾
(سورة النجم)       




من مظاهر الارتداد والاستهزاء الغمز بفعل من أفعال النبي صلى الله عليه وسلم ، كأن يقول لك : لا يمكن أن يأخذ السيدة عائشة التي عمرها تسع سنوات ، هناك من قال لي ذلك !! من قال لك أنه دخل بها في التاسعة ؟ قال هذا أعداء الدين ، حينما تفكر أن تنتقص من قيمة النبي عليه الصلاة والسلام ، حينما تفكر أن تنتقض بعض أفعاله ، فهذا باب فتح على صاحبه من أبواب الارتداد ، اسأل يا أخي ، يوجد موقف أثار شكوكك ، اختل توازنك معه ، اسأل يا أخي ، لعل الحديث لا أصل له ، كثير من قصص باطلة ليس لها أصل إطلاقاً ، كقصة أن النبي عليه الصلاة والسلام مر فرأى باباً مفتوحاً ، ورأى امرأة تغتسل ، وهي عارية ، وهي جميلة جداً ، وقعت في قلبه وقال : سبحان الله ، فجاء الأمر الإلهي بتطليقها ليتزوجها النبي ، هذه قصة من وضع الزنادقة ، ولا أصل لها إطلاقاً ، والله مئات القصص أيها الأخوة ، لا أصل لها إطلاقاً ، اسأل ما صحة هذه القصة ؟ 
إذاً من مظاهر الارتداد الاستهزاء والغمز بفعل من أفعال النبي عليه الصلاة والسلام ، كأمثال من يغمز على النبي في تعدد زوجاته ، وقال تعالى :
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ (2) ﴾ 
 (سورة الحجرات)




من مظاهر الارتداد أيضاً أن تدعي أن للقرآن باطناً وظاهراً ، والباطن يخالف الظاهر ، الذي أمره واضح وصريح ، الله عز وجل لا يريد هذا من هذه الآية بل يريد شيئاً آخر ، هل من المعقول أن تقول لإنسان ائتني بكأس ماء ، فجاءك بكأس ماء ، وهو بريء ومطيع ، فتقول له : ليس قصدي أن تأتي بالماء أصلحك الله ، ماذا قلت لي أنت يا سيدي ؟ قلت لي كأس ماء ، لا أنا أقصد شيئاً آخر ، أنت لم تفهم ، هذا الشيء فوق طاقة البشر ، أن يقول الله كلاماً له معنىً آخر ، له معنىً يخالف ظاهره ، لا هذا كلام مرفوض ، المطلق على إطلاقه ، والظاهر على ظاهره ، إلا إذا كان هناك قرينة مانعة من المعنى الحقيقي ، أقول في بيتنا زهرة ، ليس هذا قصده ، بل قصده أن في البيت عالماً يزوره مثل الوردة يا أخي ، لا قال لك : في بيتنا زهرة ، لو قال لك : في بيتنا زهرة تلعب ، معنى هذا الطفل ، لأن الزهرة لا تلعب ، ( تلعب ) قرينة تمنع ورود المعنى الحقيقي ، فإذا كان الكلام له ظاهر واضح نأخذه على ظاهره ، لا نأخذه على باطنه ، أو على باطن تدعيه أنت ، وليس للقرآن الكريم باطن ، يقول عليه الصلاة والسلام :
(( وَعَظَنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَوْعِظَةً ذَرَفَتْ مِنْهَا الْعُيُونُ ، وَوَجِلَتْ مِنْهَا الْقُلُوبُ ، فَقُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ : إِنَّ هَذِهِ لَمَوْعِظَةُ مُوَدِّعٍ فَمَاذَا تَعْهَدُ إِلَيْنَا ؟ قَالَ : قَدْ تَرَكْتُكُمْ عَلَى الْبَيْضَاءِ لَيْلُهَا كَنَهَارِهَا لَا يَزِيغُ عَنْهَا بَعْدِي إِلَّا هَالِكٌ )) .
[ابن ماجة عَنْ الْعِرْبَاضَ بْنَ سَارِيَةَ]




أخواننا الكرام من يبتغي الفتنة فهو نوع من الارتداد ، يرتاح إذا أشاع الفاحشة في الذين آمنوا ، روج قصصاً لا أصل لها ، هذا استنساخ ! وكأنه منتصر ، ماذا حدث ؟ هذا استنساخ ، ها قد ولد طفل من دون أب ، كأن الدين قد انتقض ، الله قد سمح بذلك ، وإذا سمح بشيء على خلاف تصميمه ليكون هذا السماح تأكيداً لتمام تصميمه ، إذا سمح بشيء على خلاف تصميمه يثبت بعد حين كمال تصميمه ، الله عز وجل حفظ كتابه ، وليس معنى حفظ كتابه أنه لا تجري محاولة لتغييره ، جرت آلاف المحاولات ، ولكن لم تنجح ، إذاً عدم نجاحها تأكيد لحفظ الله لكتابه ، قرأت خبراً عن بعض البلاد العربية أن تسعة ملايين شاب في الخامسة والثلاثين لا يستطيعون الزواج ، بلد فقير ، وتعداد سكانه كبير جداً ، ويوجد ستة ملايين فتاة تجاوزن الخامسة والثلاثين ولم يتزوجن ، أما طفل الاستنساخ ، يوجد مقال لأحد الأطباء ـ وأظنه صادقاً فيما يقول ـ أنه يكلف مئتي ألف دولار ، يوجد الكثير من البنات والشباب يريدون الزواج ولا إمكانيات لديهم ، ونريد أن ندفع مئتي ألف دولار من أجل طفل بالاستنساخ ، وأنا مع ذلك أتمنى بالأخوة الدعاة جميعاً أن يتريثوا ، لا تتسرعوا بإصدار الأحكام ، أي أن هذا الشيء سوف يكشف خلله بذاته ، لا تتسرعوا بإصدار الأحكام ، لكن أنا أتألم حينما أرى إنساناً مؤمناً تزلزل إيمانه بالاستنساخ :
﴿ وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ (255) ﴾ 
(سورة البقرة)
وقال :
﴿ إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعاً بَصِيراً (2) ﴾ 
(سورة الإنسان)
يوجد تمازج بين الجينات المذكرة والجينات المؤنثة ، بين جينات الحوين وجينات البويضة ، وحينما تمتزج الجينات المذكرة والمؤنثة يكون الجنين قد جمع أقوى الصفات :
 (( اغتربوا لا تضووا )) .
[قال ابن الصلاح: لم أجد له أصلا معتمدا. قلت: إنما يعرف من قول عمر أنه قال لآل السائب "قد أضويتم فأنكحوا في النوابغ" رواه إبراهيم الحربي في غريب الحديث، وقال معناه تزوجوا الغرائب قال: ويقال: اغربوا لا تضووا]
أما إذا أخذنا من ثدي المرأة السحاقية من دون مواربة قطعة من ثديها وزرعناه في رحمها هذه التي ولدت ليست ابنتها إنها أختها ، وكل الصفات السلبية الموجودة في الأم تزداد في أختها ، لأنهم يغيرون خلق الله عز وجل ، طبعاً حرمه المسلمون وغير المسلمين والأنظمة العلمانية .




هناك أخطار لا يعلمها إلا الله ، لكن قضية تحدٍّ ، فابتغاء الفتنة ، يا أخي تقول : أنه يعلم ما في الأرحام ، ها قد عرفوا الآن على الإيكو ذكر أم أنثى ، الله قال :
﴿ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ (34) ﴾
(سورة لقمان)
لم يقل من في الأرحام ، يوجد ألف صفة في الخارطة الجينية لا يعلمها إلا الله ، مرة قال لي أحدهم : يعرفون ماذا في الجنين ، ذكر أم أنثى ؟ قلت له : أنا أعرف . قال : ما هذا الكلام ؟ قلت له : والله أنا أعرف . قال : كيف ؟ قلت له : إما ذكر أو أنثى . 
من مظاهر هذا الارتداد أيها الأخوة ـ وهذا آخر بند وقد أطلت عليكم ـ عدم معرفة الله المعرفة الصحيحة ، أن تعرف أسماءه الحسنى ، وصفاته الفضلى ، أن تعرف ما يليق به وما لا يليق به ، أن تعرف شيئاً عن كمالاته ، شيئاً عن كمالات الأنبياء ، معك تفاصيل ، أحياناً الإنسان يترضى عن عنترة أحياناً ، كم هو جاهل حينما يترضى عن عنترة ، لو قال : عنترة العبسي رضي الله عنه !! هل هو متعمق بالدين ؟ يوجد أشخاص هكذا ، رجل أدى فريضة الحج ، وهو راجع في الطائرة وهو ذو مكانة مرموقة في بلده قال : والله شيء ممتاز يوجد خدمات رائعة ، ولكن لو فعلوه ـ أي الحج ـ على خمسة دورات لكان أكثر راحة ، أي كل شهرين موسم ، هل هذا متعمق بالدين ؟ وهل يعرف أحكام الحج ، وأحكام فرضية الحج ، وأحكام مناسك الحج ، مثلاً :
﴿ لَقَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ سَنَكْتُبُ مَا قَالُوا وَقَتْلَهُمُ الْأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَنَقُولُ ذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ (181) ﴾
(سورة آل عمران )




هناك من يقول ذلك ، قالها اليهود : 
﴿ إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ (181) ﴾ 
(سورة آل عمران )
فهم ضيق :
﴿ مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً (11) ﴾
(سورة البقرة)
ظن أن الله فقير يطلب منا القرض الحسن ، فإن كان الإنسان غير متبحر ، أو ضعيف الإدراك ، يرى وجود متناقضات كثيرة جداً ، فأيها الأخوة هذه أشياء ينبغي أن نُحذِّّر منها طلابنا ، وأن نحذر منها من نعلمهم ، وأولادنا ، فالأب ينبغي أن لا يسكت لأن الساكت عن الحق شيطان أخرس ، ناقش ابنك ، اسأله ، أما إن تركته فوعاؤه فارغ يملأ بالباطل ، ملئ بالضلال ، ثـم تفاجأ أن ابنك ليس على ما ينبغي أن يكون ، أو تلميذك ليس على ما ينبغي أن يكون ، لا تحذره إطلاقاً ، فالتحذير يقابل الربط ، كما أنني في الدرس السابق دعوت إلى أن تربطه بالدعوة والدعاة ، أن تربطه بشيء يشغله وينفعه ، أن تربطه بالدين والقرآن ، الآن أن تحذره من أكبر شيء يهدد هذا الدين هو الارتداد .


والحمد لله رب العالمين




    Powered By Blogger