Banner 468

Facebook
RSS

الرياضة - الوعي الصحي - إعفاف الشباب




بسم الله الرحمن الرحيم




الحمد لله رب العالمين و الصلاة و السلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين ، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا ، إنك أنت العليم الحكيم ، اللهم علمنا ما ينفعنا ، وانفعنا بما علمتنا ، وزدنا علماً ، و أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه ، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه ، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه ، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين .
أيها الإخوة الكرام ، مع درس جديد من دروس الحوار .










مرة ثانية : الحوار ينمي الفكر ، الحوار ينمي الشخصية ، الحوار يحقق تعارفاً حقيقياً ، فلو أن المتكلم واحد والباقي يستمعون فلا المتكلم يعرف ماذا عند هؤلاء الباقين ، لا يعرف مستوى تفكيرهم ، ولا مستوى طرحهم ، ولا نوع أسئلتهم ، ولا طريقة حلهم للمشكلات .
أولاً : الحوار يجري مزيداً من التعارف بين المتكلم وبين المستمع والإنسان حينما تعرفه قد يحقق دوراً كبيراً في أي مكان ، وتلقينا في الدرس الماضي عدداً من الموضوعات التي يقترحها الإخوة الكرام لتكون موضوعاً للحوار .



اتفقنا في بداية الدرس ما قبل الماضي أن الإنسان بإمكانه أن يفعل مليون شيء في ظل الظروف الصعبة ، وفي ظل الضغوط التي لا تحتمل ، بمعنى أننا لسنا معنيين بموضوعات تسبب لنا مشكلات أو إحراجات ، ولأن من تلبيس إبليس ـ ودققوا في كلامي ـ أن من تلبيس إبليس أن الشيء الذي بإمكانك أن تفعله بيسر من دون قلق من دون مساءلة من دون شعور أن هناك مشكلة هذا الشيء يزهدك فيه الشيطان ، والشيء الذي لا تستطيعه الدول يدفعك إليه ، والإنسان حينما يكون مخلصاً لكن لا يسلك المنهج الصحيح ، وليس له مرجعية دقيقة قد يجر على المسلمين من الويلات ما لا يوصف ، فأيّ عمل غير مدروس وغير منضبط وغير شرعي قد يدغدغ مشاعرنا إلى حين ، لكن يجرنا إلى مأساة لا يعلمها إلا الله .
نحن في دائرة المليون عمل الذي بإمكاننا أن نعمله من دون قلق ، من دون مساءلة ، من دون خرق للنظام العام ، في ضمن هذه الموضوعات إخوة كرام اقترحوا تربية الأولاد في الإسلام ، والحقيقة أنه لم يبق في أيدينا من ورقة رابحة إلا أولادنا ، وأن الإنسان مهما كان عالياً في الأرض علماً وثروةً ، ومكانةً وجاهاً ، وصحة ولم يكن ابنه كما يتمنى فهو أشقى الناس ، والإنسان يشقى بشقاء أولاده ، وإذا كنا نحن في أمسّ الحاجة قبل خمسين عاماً إلى جهد متواضع لتربية أولادنا فنحن الآن بحاجة إلى مئة ضعف من هذا الجهد ، السبب كثرة الصوارف عن الدين ، فأينما تحرك الإنسان يدعى إلى معصية ، أي شيء اقتناه ، أي شيء شاهده ، أي حديث سمعه ، هناك الفتن مستعرة وقائمة ، ونحن في عصر قد يمسي فيه الرجل مؤمناً ، ويصبح كافراً ، ويصبح مؤمناً ، ويمسي كافراً ، يبيع دينه بعرض من الدنيا قليل .
موضوع تربية الأولاد في الإسلام موضوع جيد ، وأريد أن نبقى في هذا الدرس إن شاء الله مع اقتراح موضوعات ، وكنت أتمنى على أحد الإخوة الكرام أن يكون بما يسمى اليوم أمين سر لهذه الجلسة ، يكتب عنده ما اتفقنا عليه من تبرع ، وأن يكتب عنده بعض ما توصلنا إليه من حوارات .



موضوع آخر غير تربية الأولاد في الإسلام ، أنا أتألم أشد الألم من ضعف الوعي الصحي ، والثقافة الصحية الغذائية شبه معدومة ، ولأن الإسلام هو الحياة ، وربات البيوت بعيدات عن حقيقة هذا الغذاء الذي نشتريه .
أنا يؤسفني أن أقول لكم : هناك مواد دسمة للتصدير فقط ، يمنع استخدامها في بلد المنشأ ، لأنها من مواد دهنية رخيصة جداً ، إلى درجة أن البلاد التي تصنعها يمنع أن يستخدمها ، ولأن هذه المواد الدسمة هي في الأساس سائلة من أرخص أنواع الزيوت ، لكنها مهدرجة ، معنى مهدرجة هناك زيوت تهدرج ، فتغدو كالسمن ، لكنها مشبعة ، هذه لا تهضم تبقى في الدم تدور ، وتسهم بشكل أو بآخر في تضيق الشرايين ، وأقلّ عملية جراحية للقلب تحتاج أربعمئة أو خمسمئة ألف ليرة ، يصاحبها قلق شديد وخوف ، ونحن بالإمكان أن نبتعد عن هذا ، فحبذا لو أردنا أن نضيف لهذه الموضوعات موضوع الوعي الصحي .
هناك أغذية قاتلة ، وأغذية سامة ، لكنها رائجة ، والحقيقة مع ضعف الإيمان وقلة الانضباط الدولة تمنع كل مادة ضارة منعاً باتاً ، وأي محل يبيع هذه المواد يغلق ، لكن الذي يحصل أن هذه الأدوية المسرطنة تأتي تهريباً ، وتضخ بها بعض الخضراوات ، تجد الخضراوات بحجم كبير ، وبألوان زاهية من فعل الهرمونات المسرطنة ، كنت أتمنى أن هذا الموضوع يتصل بالحياة ، ولا سيما أن نسب السرطان ارتفعت إلى عشرين ضعفاً .
شهِد الله قبل أربعين سنة تمضى سنتان أو ثلاث أو أربع نسمع بواحد معه سرطان ، والله في هذه الأيام شهد الله في الأسبوع الواحد أربعة إلى خمسة ممن أعرفهم أصيبوا بهذا المرض المخيف ، والذي سببه غذاء سيئ ، سببه دهون مهدرجة مشبعة ، بخلاف زيت الزيتون الذي وصفه النبي عليه الصلاة والسلام بأنه يخرج من شجرة مباركة .



كنت أتمنى أن أعالج موضوع التغذية ، وموضوع الرياضة ، لأن صحتك غلاف عملك ، والصحة تأتي بعد الهداية ، إن أردت أن تصنف النعم فالهداية أولاً ، والصحة ثانياً ، وهذا جسمك رأس مالك في الحياة ، وبلاغك إلى الدار الآخرة ، أنا أقول : الرياضة والاعتناء بالصحة لا تزيد العمر بحسب إيماننا ، لكن لك عند الله ستون عاماً ، فإما أن تقضي هذه الأعوام واقفاً متحركاً نشيطاً ، وإما أن تقضيها ملقى على السرير ، والعمر لا ينقص ، ولا يزيد ، لكن فرق كبير ، لذلك لي رأي في هذا الموضوع ، وهو أنه من لوازم عبادة الله أن تحترم قوانين الجسم ، قال الطبيب : ضغطك مرتفع ، والملح يؤذيك ، إذا أكلت الملح ، ولم تعبأ بالطبيب فإنك لا تعبد الله حق العبادة ، لأن جسمك تحكمه قوانين قننها الله عز وجل ، فإن لم تعبأ بهذه القوانين فأنت على نوع من المعصية ، لكن تدفع أنت ثمنها .
أكاد أقول : إن معظم الأمراض وراءها جهل كبير ، جهل بأنماط الحياة ، جهل بالقعود ، بترك الحركات ، بتناول غذاء سيئ ، فأنا من طموحي أن أعالج موضوع الرياضة ، وموضوع الغذاء ، وموضوع تربية الأولاد كلها موضوعات حيوية ، لا تنسوا هذه الكلمة : الإسلام هو الحياة ، ونحن كثيراً ما نعجب بشاب في فلسطين أو في العراق هزّ أركان العدو ، وأقلقه حينما ضحى بحياته ، نقول : هذا الشاب مات في سبيل الله ، أنا الآن يحلو لي أن أقول مرة ثانية : أنا أريد شاباً يعيش في سبيل الله ، قد يكون شاباً مثقفاً ثقافة عالية ، قد يكون شاباً متفوقاً ضحى بحياته ، فخسرناه ، دغدغنا ليومين أو ثلاثة ، شعرنا ببطولة فائقة ، لكن بعد حين فقدناه ، الأمة بشبابها .
فأنا كما أتمنى أن يكون من طموح الشباب أن يموتوا في سبيل الله أتمنى أن يكون من طموحهم أيضاً أن يعيشوا في سبيل الله ، فالحياة تحتاج إلى دقة بالغة ، إلى صحة ، إلى طعام متوازن ، وأنا أقول لكم كلاماً دقيقاً : أفضل أنواع الأطعمة هو أرخصها ، لا أدخل في متاهة الغنى والفقر ، وأرخص الأطعمة هو أكثرها فائدة للجسم ، فإذا كان الطعام صحيًّا وعندنا برنامج رياضي ، وعندنا تربية لأولادنا نشعر بقيمتنا في الحياة .
أنا أتمنى أن يعالج موضوع الدين معالجة حياتية ، كيف أن التدخين وفي خطبة جمعة أعدت المحاضرة التي ألقيتها في مدرج مكتبة الأسد في افتتاح جمعية مكافحة التدخين ، أعدت وتمنيت عليكم أن توزعوا هذا الشريط ، أعطيت الملاحظات لإخواننا الكرام أن هذا الشريط لا يباع ، إنما يوزع مجاناً ، فكل إنسان له صديق يدخن هذا عمل ، إلى متى نحن نائمون ؟ وإلى متى نحن متحدثون فقط ؟ نريد عملاً موضوع التدخين عالجناه .



هناك موضوع ثان ، قد لا تصدقون والله أنا إلى حين تقريباً ستة أشهر كنت أعتقد أن مرض الإيدز بعيد عنا بعد الأرض عن السماء ، وكنت أظن أن العالم الإسلامي حزام أخضر لهذا المرض ، ولكن المفاجأة الصاعقة أنني تلقيت كتيباً من الأمم المتحدة ، طبعاً إحصاءات دقيقة جداً ، ثاني أكبر منطقة في العالم في نمو مرض الإيدز بها الشرق الأوسط بعد إفريقيا ، والشيء الذي يؤلم أشد الألم أن زوجة المصاب تصاب وهي بريئة ، وأولاده يصابون ، والذين يعلنون عن أنهم مصابون بهذا المرض قلة قليلة ، لذلك في هذا الكتيب العلمي أنبئت أن عدد المصابين حقيقة عشرة أمثال الإحصاءات ، والإنسان قد يكون بريئاً ، لكن عند القصاب ، أو عند الحلاق ، أو عند طبيب الأسنان يجب أن يكون التعقيم بأعلى درجة ، فهذه حياة ، أنت لك حياة واحدة في الدنيا ، وهذه رأسمالك ، وهذه مطيتك إلى الجنة ، فالعناية بالصحة ، العناية بالتعقيم ، العناية بالرياضة ، العناية بتربية الأولاد ، هذه موضوعات حياتية ، لكن المشكلة أن عندنا موضوعات تقليدية ، هذه الموضوعات التقليدية لا ننكرها ، لكن ينبغي أن تأخذ من جهدنا وقتاً محدوداً . 
والله مرة ولا أبالغ كنت في العمرة ، ومتجهاً من المدينة المنورة إلى مكة المكرمة ، ومكان الإحرام قبل خمسة كيلو مترات ، استمعت إلى درس دين يلقى في هذا المسجد ، لكن أجهزة التكبير تفوق حد الخيال ، صوت يرن رناً عن بعد خمسة كيلو مترات ، كلما اقتربت من المسجد ارتفع الصوت ، إلى أن وصلت قرب المسجد ، فإذا صوت يصم الآذان ، درس علم ، ودعوني قليلاً ، لأحدثكم ما الموضوع ، دخلت إلى الحرم أين المتكلم ، فصار عندي رغبة جامحة أن أبحث عنه فلم أجده ، لكن بعد لأيٍ وبعد جهد عثرت عليه وراء عمود أمامه طالبان فقط ، الموضوع عن الإماء ، إذا اشترى إنسان جارية يتزوجها أم لا يتزوجها ، إذا أنجبت ما الحكم ؟ أحكام تفصيلية لا يحتاجها مسلم واحد في العالم الإسلامي ، موضوع مطوي الآن ، فلذلك أنا أريد موضوعاً حيوياً ، هناك موضوعات في الفقه انتهت الآن ، هناك المرابحة ، هناك التأمين ، هناك الاستثمار ، هناك ألف موضوع نحن في أمس الحاجة إليه ، فنحن إذا جعلنا هذا الدرس درس حوار ، وطرح موضوعات حياتية ، وعممت الخبرات التي يأتي بها الإخوة الكرام لعل الله سبحانه وتعالى يرحمنا . 
إذاً نريد موضوعات حيوية ، التغذية موضوع ، الرياضة موضوع ، وتربية الأولاد موضوع ، الآن يمكن أن نستخدم وسائل تضاعف إنتاجك .



الآن شاع جداً في بلدنا ما يسمى بالبرمجة اللغوية العصبية ، وأنا بفضل الله هيأت دورة لإخواننا المدرسين ، أجريت هذه الدورة ، مع أن أصول هذه الدورات من بلاد علمانية ليست مؤمنة بالله ، لكن أنا يعنيني بعض التفاصيل التي ترفع سوية الإنسان . 
مثلاً : كشاهد سريع ، دفتر صغير في جيبك ، هذا يضاعف لك إنتاجك عشر مرات ، لأننا نعتمد على الذاكرة ، والذاكرة تخيب ظنك ، أنت صباحاً ما عندك خطة ، تتحرك حركة عشوائية ، قبل أن تخرج من بيتك معك دفتر ، رسمت ثمانية بنود ، ورتبتها بحسب المواقع الجغرافية ، وتحركت ، اليوم التالي الذي أنجز شطبت عليه ، والذي لم ينجز أعددته للصفحة الجديدة ، أنت حينما تستخدم قلماً ودفتراً صغيراً تنجح ، وكثير من الإخوان يستخدمون مذكرة كبيرة ، وهذه ليست عملية ، حجمها كبير ، استخدم دفترا تضعه في جيبك فلا تحس به إطلاقاً ، عود نفسك كل خاطر يأتيك سجله ، ومساءً صنف الخواطر ، وصباحاً اكتب برنامج العمل .



نحتاج إلى موضوع رابع هو بعض البنود الرائعة من البرمجة اللغوية العصبية ، نكون مبرمجين . 
بالمناسبة ، يجب أن تعلموا علم اليقين ثلاثة بالمئة فقط من الناس يعرفون أهدافهم ، والباقي سبهللا ، يقول لك : نحن ندفع أنفسنا في الحياة ، هذا لسان حالهم ، ليس لهم هدف ، يعيش بحكم الاستمرار ، ثم يفاجأ بأحداث كبيرة جداً لم يخطط لمواجهتها ، أما إذا كان كل واحد منا له هدف واضح ، وكل طاقاته مسخرة لهذا الهدف يكون الشيء رائع جداً . 
نعيد الموضوعات التي ينبغي أن نهتم بها في هذه الدروس : تربية الأولاد ، لا تنسوا أبداً أن كل واحد منا عنده أربعة أشياء أساسية في حياته ، وأي خلل في واحدة ينعكس على الثلاثة ، علاقته بربه ، وعلاقته بصحته ، الصحة العالية تحدث معنويات عالية ، وعلاقته بمظهره ، ثم علاقته بأهله ، ثم علاقته بعمله ، فإذا تمكنا أن نتحرك على هذه الخطوط جميعاً فنحن في التفوق ، وإلا كنا في التطرف والخسارة . 
كما أقول دائماً : ثبوت ليس فيه نجاح جزئي ، هذه بعض الخواطر التي أدليت بها في معرض الحديث عن موضوعات نعالجها في المستقبل إن شاء الله . 
مثلاً مرة ألقيت محاضرة في طرابلس عن أسباب الشقاء الزوجي فذكرت حوالي خمسين سبباً ، والله الذي لا إله إلا هو كل واحد منا ببساطة ما بعدها بساطة بإمكانه أن يتلافى أسباب الشقاء الزوجي ، له تفكير جامد ، و لا تجديد في حياته ، والعلاقة تغدو مملة ، العلاقات الزوجية لو أضفناها إلى تربية الأولاد يمكن أن تكون أسعد زوج بأشياء بسيطة جداً . هو
في درس ثان ذكرت أسباب السعادة الزوجية ، وهي سبعة عشر سبباً ، لا تكلفك إلا اتصالا هاتفيا أحياناً من عملك ، أن تسألها كيف حالكِ ؟ لا تكلفك إلا أن تجلس معها ثلث ساعة تستمع إليها ، تحس بقيمتها ، فأشياء من هذا القبيل يمكن أن تقدم لك زاداً ، لأن الحب يصنع صناعة ، ولا أبالغ أن تسعة وتسعين بالمئة من الناس يتوهمون أن علاقته مع زوجته مملة جداً ، لأنه ألفها ، وألفته ، ختموا بعضهم ، فلذلك هو في نفور ، فيهتم بأي امرأة أخرى ، وهي تهتم بأي قريب غير زوجها ، الميل إلى غير زوجها ، والميل إلى غير زوجته ، و النبي عليه الصلاة والسلام قال : الحمد لله الذي رزقني حب عائشة .
ما الذي يمنع إذا كان بعضنا متزوجاً أن يجعل بيته جنة ؟ لا تكلف شيئاً ، ابتسامة ، حلم ، ضبط أعصاب ، هو من طرفه ، وهي من طرفها . 
عندنا في موضوعنا بنود : علاقات زوجية ، تربية أولاد ، رياضة ، تغذية ، برمجة عصبية لغوية ، هل عندكم من مزيد ، أنا أدليت برأيي في الموضوع ؟ 



إدارة الوقت ، نحن أرخص شيء عندنا هو الوقت ، والله لو تعلمون ما قيمة الوقت والله ما ضيعتم ثانية .
أنا أحياناً أضطر أن أنتظر شخصاً ، أحدث إجراءات على الهاتف الخلوي وتعديلات ، ضبط ، حذف ، إضافة ، هكذا ، أحياناً آخذ معي شيئاً أقرأه بأي مكان ، لما تعرف قيمة الوقت انظر إلى الساعة ، كلما تحرك عقرب الثواني حركة اقتربت من النهاية ، صارت ستة موضوعات ، يكتبها أمين السر .  



والله إخوة كرام يجزيهم الله الخير أسسوا جمعية أسموها جمعية الإعفاف ، جمعية لها موقع بالإنترنت تسهم في تزويج الشباب والشابات ، وقد ورد في الأثر أنه من مشى بتزويج رجل بامرأة كان له بكل كلمة قالها في وبكل خطوة خطاها عبادة سنة في قام ليلها وصام نهارها ، الفتاة طموحها الأول تتزوج في والله معها حق في درسنا في الجامعة أن الدافع الأول في بني البشر الأمومة ، الفتاة ليس لها طموح إلا أن يكون لها زوج تنجب منه ، ويملأ حياتها ، فكل إنسان يحقق الزواج يسهم ، يدل ، يزكي ، لكن هناك أشخاص سبحان الله ! هدفهم تعطيل أي زواج ، تقريباً ما من زواج يتم إلا تأتي الهواتف من الطرفين لتكشف شيئاً ليس صحيحاً من أجل عرقلة هذا الزواج ، المجتمع فيه أمراض لا تعد ولا تحصى ، كلها افتراءات ، فإعفاف الشباب يكون عن طريق الزواج .  
لنا إخوان كرام يسافرون إلى أوربا فرأوا فيها من الفسق والفجور ما لا يعلمه إلا الله ، وكل إنسان ينزل بفندق معرّض أن يطرق بابه بعد منتصف الليل من قبل عاهرات . 
إخواننا الكرام ، عندما يرفض ، ويتعفف يشعر بنفسه أنه يمشي على خطى سيدنا يوسف ، هذا كان سابقاً ، الآن يرفض لا خوفاً من الله بل من الإيدز ، أحبط الله عمله ، الآن الذي يرفض خوفاً من المرض ما عاد له قيمة إطلاقاً ، أما حينما تقول : معاذ الله ! إني أخاف الله عز وجل ، قضية الإيدز الآن مشكلة كبيرة جداً ، ويجب أن تنتبهوا . 
قد يكون للإنسان قريبة ، له أخ يبحث له عن زوجة ، ينصحه بزوجة ، شيء رائع جداً ، فدخل في برنامجك اليومي أن تزوج فتاة مؤمنة ، والله أحياناً أتألم ألماً لا حدود له ، أجد فتاة مستقيمة محجبة طائعة لله حافظة كتاب الله ، ما أحد يطرق بابها ، والمتفلتات والفاسقات والفاجرات يوهمون المحجبات أنه ما لم تكوني مثلي فلن تتزوجي ، أليس كذلك ؟ ترى المؤمنة مع مضي الوقت تتضعضع ، فأنت حينما تسعى لقريباتك بزوج مؤمن شاب ، والحقيقة يجب أن نضيف إلى هذا أنه لا بد من إلغاء المظاهر .
أنا ذكرت في مرات عديدة أنه قرية في قرى الغوطة الشرقية اجتمع وجهاؤها ، وقرروا أن المهر خاتم ذهب وساعة فقط ، وليس شيء آخر ، وهذه غرفة ، وتعال ، وخذ زوجتك ، وما لم تلغَ هذه المظاهر فالطريق شائك جداً في وجه الزواج .
وأنا أقول كلمة دقيقة جداً : إن لم يكن زواج إن لم يكن نكاح كان السفاح ، وأعداد بيوت الدعارة رقم لا تصدقونه إطلاقاً ، وكان في بعض الأحياء الآن يمتد إلى جميع الأحياء ، كلما وضعتم عقبات أمام الشباب تنشأ بيوت جديدة ، لأن النبي عليه الصلاة والسلام وهو علمه من الله عز وجل  قال : (( إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه إلا تفعلوا إلا تفعلوا لا تعطل هذه العلاقة بل تكون بالحرام )) . 
[الترمذي]
إن امتنعتم عن تزويج الفتيات فهذه العلاقة لا تقف ، لكنها تأخذ مساراً منحرفاً ، وما من شهوة أودعها الله في الإنسان إلا جعل لها قناة نظيفة تسري خلالها ، لكن بالإسلام ليس فيه حرمان أبداً ، حينما يقول الله عز وجل ، ودقق في هذه الآية :
وَلَا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ إِنْ 
[ سورة النور : 33]
بربكم هل تظنون أن في العالم الإسلامي كله أب يجبر فتاته على الزنا ؟ مستحيل ، فما معنى هذه الآية ؟ الآية تقول :
وَلَا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ إِنْ 


[ سورة النور : 33]
معنى الآية : أن الأب الذي يعضل ابنته لا يزوجها كأنه مسؤول عن انحرافها ، إذا انحرفت ، وكأنك أكرهتها . 
والله هناك اتصالات هاتفية كثيرة ، مهما كان خاطب ابنته جيداً يبحث عن علة فيه ليرفضه ، الأب مرتاح ، زوجته إلى جانبه ، وهذه البنت تخدمهم ، وموظفة ، ويأخذون معاشها ، الزواج عنده مشكلة ، فيخترع سبباً تافهاً صغيراً جداً لرفض هذا الشاب ، وهي تتحرق ، وهي حريصة على إرضاء والدها الأب مقدس ، فأنا أقول : هناك آباء والله لا يستبعد أن تقف ابنته يوم القيامة أمام ربها فتقول : يا رب ، أنا انحرفت بسبب تعنت والدي ، ولا أدخل النار حتى أدخل أبي قبلي ، والله لا أستبعد ذلك ، لأنه كلما جاء خاطب رفضه . 
حدثتني أخت على الهاتف أنه جاءها سبعة عشر خاطباً فلم يزوجها أبوها ، وإذا تزوجت يطلق أمها ، هذا الأب كالوحش .
فلذلك أيها الإخوة ، موضوع الزواج هذا أخطر موضوع ، لأنه مادام الشاب في ريعان الشباب ، وكل العقبات توضع أمامه إذا أراد العفاف ولم يتزوج يخشى منه الانحراف .
كنت مرة في بلد خليجي ، دعيت إلى مؤتمر الأسرة ، صدقوا شيء لا يصدق ، مؤسسات عملاقة تقدم لكل شاب تزوج غرفة نوم ، وبرادا وغسالة ، وقرضا كبيرا ، نحن عندنا صندوق المودة والرحمة ، نقدم خمسين ألفاً لأي شاب أبرز عقد زواج ، وهذه نعمة ، لكن لا بد أن نساعد بعضنا بعضاً ، ودائماً الأب يقيس صهره على ذاته ، ما عنده بيت بالشام ، أنت متى سكنت منزلا راقيًا في الشام ؟ كان عمرك خمسة وخمسين عاماً ، هذا الآن عمره اثنان وعشرون عاما ، يريد أن يقيس صهره الذي خطب ابنته الآن على مستواه هو ، و على بيته ، و على ترتيباته ، هذا خطأ كبير .
هناك قصة مشهورة وقعت فعلاً ، أن شخصاً خطب ابنة رجل ، الرجل ذكي جداً ، قال له : أنا لا أقبل إلا بالأدلة ، هل يوجد عندك بيت يا بني ؟ قال له : عندي ، هات ورقة الطابو ، فجاء بورقة التملك الخضراء ، ودقق باسمه ، ليس البيت لأبيه ، عندك سيارة ؟ عندي ، هات الميكانيك ، أحضر له الميكانيك باسمه أيضاً ، عندك عمل ؟ نعم عنده معمل ، أحضر لي ترخيص المعمل ، ظهر هذا صحيح ، بعدما طالبه بكل شيء وافق الأب ، و دخل في مشروع خطبة ، ومرة كان الأب مع زملائه التجار في الحريقة ، ودخل هذا الخاطب الأديب ، قال لهم خطيب ابنتي ، كان هناك شخص تلون وجهه ، ثم انتحى بالأب مكاناً ، وقال له : هذا غير مسلم ، قال له : أنت لست مسلماً ؟ قال له : هل سألتني عن ديني ؟ عن ديني لم تسألني أبداً .
 فلذلك أيها الإخوة ، موضوع الزواج مهم جداً ، هذه موضوعات حيوية ، الزواج ، و تربية الأولاد ، و موضوع إدارة الوقت ، موضوع الصحة ، موضوع الغذاء ، موضوع البرمجة العصبية اللغوية ، هذه الموضوعات أتمنى أن نعالجها في الدروس القادمة .



أنا أقسم بالله أنني ، وأعتقد ، فقط للتقريب أن الدين خمسمئة ألف بند ، الصلاة والصوم والحج والزكاة خمسة بنود من خمسمئة ألف ، هذا الدين منهج ، يبدأ بفراشك ، و ينتهي بالعلاقات الدولية ، طعامك ، شرابك ، عملك ، علاقاتك .
مثلاً ، أحد إخواننا الكرام يعمل بمؤسسة قدم طلباً لرئيسه ، يقسم بالله العظيم ، قال لي : أنا يمكن أموت ، ولا أصدق أن يدخل مديره في المؤسسة إلى جامع ، ماذا قال : يموت ، ولا يصدق ، لبُعده عن الدين ، قدم طلباً ستة أيام إجازة ، فالمدير غضب ، قال له : لا يوجد عندنا وقت الآن ، قال له : أنا استهلكتها ، كيف استهلكتها ؟ قال له : أصلي الظهر ، وأسمع درساً صغيراً ، جمعت الأوقات كلها فكانت ستة أيام ، أريد أن آخذ إجازة حتى لا آكل مالاً حراماً ، قال له : أنت أين تصلي ؟ قال له بالجامع ، أقسم بالله العظيم أنه فوجئ في يوم الجمعة القادم أن مدير المؤسسة في المسجد ، هذا الدين .
طلب ستة أيام ليغطي صلوات شهرين ، كل يوم ربع ساعة ، جمعها ، وأخذها من إجازاته التي تحق له في الصيف ، فالقضية ليست قضية كلام ، قضية سلوك ، قضية انضباط ، قضية التزام ، و دائماً يوجد مسلم عادي لا يقدم ولا يؤخر ، ولا يجلب أحداً إلى الدين ، ويوجد مسلم استقامته وورعه ، وعفته ، يحدث لك صدمة إيمانية ، وهناك قصص كثيرة جداً وقصص بطولية ، لكن هذه القصص أتمنى لو تعمّم .
كثير من الناس يتمنون أن هذه القصص الواقعية المعاصرة تسجل ، لماذا ؟ لأن هذا الذي يعيش معك يتحمل الضغوط نفسها ، والإغراءات نفسها ، والمشكلات نفسها ، لكنه انتصر على بشريته فاستحق رضوان الله عز وجل .
أنا أقول دائماً : لولا أن النبي عليه الصلاة والسلام بشر تجري عليه كل خصائص البشر لما كان سيد البشر ، فنحن بحاجة إلى مثل هذه الموضوعات ، وإن شاء الله نعالجها عن طريق الحوار .
عندما نبدأ بموضوع البرمجة العصبية يكون عندنا مبادئ ، نأخذ مبدأ مبدأ ، و نطالب إخواننا أن يعطونا الآية والحديث حتى لا نشعر نحن أننا مفتقرون إلى شيء جاءنا من الغرب . 
مرة دعيت إلى سماع محاضرة في البرمجة العصبية اللغوية ، فبعد أن انتهت المحاضرة دعيت إلى إلقاء كلمة ، سبحان الله ! وفقني الله إلى أنني أكثر قواعد البرمجة ربطتها بآيات أو أحاديث ، ديننا دين كامل ، أنت مدير مؤسسة ، من أجل أن تجعل هذا الموظف يعطيك كل وقته يجب أن تحترمه ، فإذا كان لك عليه مأخذ ينبغي أن تذكر المأخذ بعد أن تذكر إيجابيات هذا الموظف . 
صحابي جليل دخل المسجد ، وكان النبي e في الركعة الأولى ، فأسرع وأحدث جلبة ، وشوش على الصحابة ، فلما انتهى من صلاته قال له النبي الكريم : زادك الله حرصاً ولا تعد .
مثلاً أنا في الجامع هنا لا أرغب بتقبيل اليد ، لكن والله تأتيني رسائل أحياناً من شخص حديث عهد بالدين لا يعجبه تقبيل اليد ، أنا والله أتألم أشد الألم من تقبيل اليد ، لأنني أنا حريص على كل شخص ، هذه لا تقدم ولا تؤخر .  
مرة تكلمت على المنبر و قلت : إن كان لها أصل فأنا لا أستحقها ، وإن لم يكن لها أصل فنحن في غنى عنها ، نحن عندنا مصافحة فقط ، لكن عندما يأتي أخ يريد أن يغالبني أتألم ، حتى لا أزعجه ، وحتى لا أجعله بشعور الإحباط أقول له : و الله أنا أعلم أن هذه مودة بالغة منك ، لكن أتريد أن يترك المسجد أحدهم ؟ والله هناك أناس تركوا الجامع من تقبيل اليد ، ألست حريصاً على الناس كلهم ؟ هذا لا تقدم و لا تؤخر ، أنا لن أدخل في تفاصيل الأحكام الشرعية ، لكن أنا عندي حكم واضح ، إن كان لها أصل فلا أستحقها ، وإذا لم يكن لها أصل فلا نريدها ، نصافح بعضنا .
لكن عندما يغلبني شخص لا أريد أن أحدث له مشكلة ، أقول له : و الله أنا أعرف أن هذا من أدبك ، ومن تقديرك ، ومن كرامة أصلك ، لكن أنت هل تريد أن يدع أحد المسجد من أجلها ؟ قال لي : لا و الله ، قلت له : لا نريدها ، دعها مصافحة .
أيضاً إنسان يقبّل أنت تُشْعِرُه بأنك لا تقدّره ، قال له زادك الله حرصاً ولا تعد . 
مرة سألتني أخت في سفرةٍ لي من سفرات عديدة ، وكنتُ ألقي درساً ، أرسلت لي ورقة ، هي دكتورة ، أنا أشعر بحرج كبير بعدم المصافحة ، فما حكم المصافحة ؟ حكمها واضح كالشمس ، المصافحة حرام ، لكن أردت أن يكون الجواب دعويا لا جوابا شرعيا ، قلت لها : الملكة إليزابيت لا يصافحها في بلدها إلا سبعة رجال بحكم القانون البريطاني ، لعلو مقامها في مجتمعها ، والمرأة المسلمة ملكة لا يصافحها إلا سبعة رجال ، لعلو مقامها في مجتمعها بحكم القانون القرآني ، هو نفس الجواب ، حرام ، لكن الأسلوب لطيف ، يمكن أن يصير هذا الشيء مقبولا . 
تقول المرأة المسلمة : أنا لي مكانة كبيرة ، أنا لست مبتذلة ، لا يصافحني أي شخص ،  نحن عندنا مشكلة كبيرة جداً ، يأتينا ضيوف من أوربا أو من روسيا ، لا يكفي أن يصافحها ، بل يعانقها ، مثل مدرسة شرعية جاء وزير أديان بدولة في شمال روسيا أراد أن يعانقها ، هذا ليس معقولا ، رجعت ، وكادت أن تقع من شدة الصدمة .  
نحن أي حكم شرعي يكون له قالب ، يقول لك : حرام ، تقيم عيد مولد تحدث صدمة ، أنا أقول له : صلى الله عليه وسلم خوطب بالقرآن الكريم ، قال تعالى :
وَكُلّاً نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ
[ سورة هود: 120]
أقول : إذا كان قلب سيد الخلق ، وحبيب الحق يزداد ثباتاً بسماع قصة نبي دونه فلأن نتألق تألقاً شديداً إذا سمعنا قصة سيد الأنبياء من باب أولى ، قال تعالى : 
أَمْ لَمْ يَعْرِفُوا رَسُولَهُمْ
[ سورة المؤمنون : 69]
الله عز وجل  يحثنا على أن نعرف رسولنا ، قال تعالى :
قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُمْ بِوَاحِدَةٍ أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا مَا بِصَاحِبِكُمْ مِنْ جِنَّةٍ
[ سورة سبأ : 46]
يدعونا أن نتفكر في مقام النبي عليه الصلاة والسلام ، لكن هذا يندرج تحت الدعوة إلى الله ، وتعريف الناس برسول الله جزء من الدعوة ، والحديث عن رسول الله ، وعن أخلاقه ، وعن شمائله ، وعن خصائصه ، وعن سموه ، وعن خلقه ، هذا جزء من الدعوة إلى الله ، إذا أدرجت الحديث عن رسول الله في احتفال ، أو في بيت ، أو في مسجد ، وقدمت الطعام للناس ، كان أفضل الإسلام إطعام الطعام ، وجعلت هذا الاحتفال على مدار العام ، هذا دعوة إلى الله ، أما إذا سميت الاحتفال بعيد المولد عبادة فهو بدعة ، إذا وصفته أنه عبادة فهو بدعة ، أما إذا أدرجته مع الدعوة إلى الله فلا مشكلة ، هذا موقف وسطي ، لا إنكار غير معقول ، ولا تعظيم يفوق حد القبول ، الكون كله خلق من أجل محمد ، هذا الكلام غير صحيح ، الخلق كلهم خلقوا ، ولا سيما البشر ليكونوا على شاكلة محمد ، هو قدوة لنا وأسوة ، التطرف بكل أنواعه تطرف لا يأتي بخير . 
أيها الإخوة الكرام ، الآن توضحت معالم هذا اللقاء الطيب لتربية الأولاد ، العلاقات الزوجية ، الصحة ، الغذاء ، البرمجة العصبية اللغوية ، إدارة الوقت ، إن شاء الله نحاول في الدروس القادمة أن نبدأ بموضوع ، وأن نستزيد من إخوتنا الكرام حول فقرات هذا الموضوع ، ولعل الله عز وجل  ينفعنا ، فنحن في صحوة إن شاء الله ، أرجو أن تنتهي على أن نستعيد دورنا القيادي في العالم ، نحن في محنة كبيرة ، ونحن في حرب لا هوادة فيها ، ونحن قضيتنا نكون أو لا نكون ، وأن الطرف الآخر يتمنى إبادتنا والله ، وينفعنا الآن أن نتعاون ، وأن نتكاتف ، وأن نتناصر ، وأن نطبق الإسلام في بيتنا أولاً ، وفي عملنا ثانياً ، هذا الذي كلفنا الله به ، ولا يكلف الله نفساً إلا وسعها.
والحمد لله رب العالمين












تربية الأولاد ، والذكاء العاطفي وفن الحوار




بسم الله الرحمن الرحيم




الحمد لله رب العالمين ، و الصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين ، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا ، إنك أنت العليم الحكيم ، اللهم علمنا ما ينفعنا ، وانفعنا بما علمتنا ، وزدنا علماً ، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه ، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه ، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه ، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين .



أيها الإخوة الكرام : لابد من بعض المقدمات .



كم عمل يمكن أن تعمله في ظل الظروف الراهنة الصعبة القاهرة الضاغطة دون أن تساءل إطلاقاً ؟ مئات الأعمال ، ملايين الأعمال .
الذي أتمناه عليكم أن نبقى في الأعمال التي إن فعلتها لن يسائلك أحد ، لا قريب ولا بعيد ، ولا كبير ولا صغير .
أقول لكم مرة ثانية : يمكن أن تفعل مئة ألف فعل ، ولا أحد يستطيع أن ينطق بكلمة ، إذا دخلت إلى بيتك ، وجلست مع أولادك ، وعلمتهم بعض الحق هل يحاسبك أحد ؟ لو دخلت إلى عملك ، وكنت صادقاً أميناً متقناً لعملك هل يسائلك أحد ؟ مستحيل .
إنّ من تلبيس إبليس أن الشيء الذي بين يديك ، وبإمكانك أن تفعله ، وترتقي به إلى أعلى الدرجات يزهدك به ، وأن الشيء الذي لا تستطيعه لا أنت ، ولا الدول يقحمك فيه ، لا يكلف الله نفساً إلا وسعها ، الشيء الذي لا تستطيع أن تفعل فيه شيئاً يصرفك إليه ، يدفعك إليه ، و الشيء الذي تستطيع أن تفعله مئة بالمئة دون أن تساءل يزهدك به .
الآن افعل ما تستطيع ، أقم أمر الله فيما تملك يكفك ما لا تملك .
ثمة كرة تحت سيطرتك ، أمْرك نافذ فيها ، وأنت جزء من كرة كبيرة جداً فيها قوى ضاغطة قاهرة ، ولا تستطيع أن تواجهها ، القاعدة الذهبية : أقم أمْرَ الله فيما تملك يكفك ما لا تملك ، الدليل ، ولولا الدليل لقال ما شاء من شاء :


﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ ﴾
[ سورة الرعد : 11]
الكرة الكبيرة التي فيها قوى رهيبة وخطيرة وضاغطة وقاهرة ، هذه الكرة الكبيرة : 


﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ ﴾
[ سورة الرعد : 11]
ملخص الكلام : أقم أمر الله فيما تملك يكفك ما لا تملك ، والمسلمون الصادقون في كل الظروف ، وفي كل الأزمات ، وفي كل الضغوط يفعلون آلاف الأفعال الإيجابية التي ترفع شأن الأمة ، ولا أحد يسائلهم ، هذه الحكمة البالغة نستطيعها جميعاً ، ولا نحاسب عليها .
مثلاً : أقول دائماً : إن الورقة الرابحة الوحيدة التي بقيت في أيدينا هي أولادنا ، هذه الأمة بشبابها ، هذا الشاب له بيت ، لو أن كل أب اهتم اهتماماً بالغاً بأولاده ، ونشأهم تنشئة إسلامية ، ودلهم على الله ، وضاعف اهتمامه بهم ، وجلس معهم ، وعلمهم ، وكانوا معه دائماً حتى نشؤوا نشأة علمية إسلامية أخلاقية جمالية ، هذا يكون قد أعدّ للطرف الآخر ما أمرك الله أن تعده له ، أعدوا لهم ، أعد للطرف الآخر أولادك ، نحن نُعجب دائماً ، وأنا واللهِ أُعجب لمن يموت في سبيل الله ، لكن لا نحض شبابنا على أن يعيشوا في سبيل الله ، طبعاً هذا الذي ضحى بحياته في سبيل الله إنسان عظيم جداً ، لكن هو واحد فَقَده المجتمع ، تأثرنا ، ترنمنا ببطولته ، أشدنا به ، خلدنا اسمه ، كل هذا رائع ، لكن نحن فقدنا واحداً ، كما أنك تطمح إلى أن يموت الإنسان في سبيل الله يجب أن تطمح أن تعيش في سبيل الله ، لا أن تكون واحداً ، أن تكون أمة :
﴿ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً ﴾
[ سورة النحل : 120]
فكّر كيف نعيش في سبيل الله ؟ كيف نبني أنفسنا ؟ كيف ننفع من حولنا ؟ كيف نُجمع طاقاتنا ؟ كيف نتقن أعمالنا ؟ 
والله حدثني أخ حديثًا يكاد لا يصدق ، استطاع أن يبيع دولا عظمى برامج كومبيوترية بأرقام فلكية ، وينفع بهذه الأموال الموظفين الذي عنده ، عنده عشرون أو ثلاثون موظفًا ، كلهم تزوجوا ، واشتروا بيوتاً ، مليون عمل إيجابي بإمكانك أن تفعله في ظل هذه الظروف الصعبة ، ضغوط ، تهديدات ، حصار ، كله موجود ، الله موجود ، وأقول دائماً : لو استمعت إلى الأخبار ، وقرأت التحليلات ، أعجبك بعضها ، ورفضت بعضها فلا تنس لحظة واحدة أن الله موجود ، و أن الله بفعل من أفعاله يقلب موازين القوى كلها ، وليس في الكون إلى الله :


﴿ وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ ﴾
[ سورة الأنعام : 18]


﴿ وَهُوَ الْغَفُورُ الْوَدُودُ * ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ * فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ ﴾
[ سورة البروج ]
نقيم أمر الله فيما نملك حتى يكفنا ما لا نملك .
نحن الآن في أول موضوع تربية الأولاد ، وأنا والله أرى أن هذا أخطر موضوع على الإطلاق .
والله أيها الإخوة ، حينما ترى ابنك كما تتمنى فأنت أسعد الناس ، وحينما لا ترى ابنك كما تتمنى فأنت أشقى الناس .
ذهبت إلى بلد بعيد ، وقلت لهم هناك : لو كنت في منصب ـ في ذلك الزمان كان كلينتون ـ لو بلغت منصباً ككلينتون ، وثروة كأوناسيس ، أتكلم بلغتهم هناك ، أوناسيس أكبر أغنياء أميركا سابقاً ، طبعاً الآن يوجد بيل غيت ، لو كنت في منصب ككلينتون ، ولك ثروة كأوناسيس ، ولك مرتبة علمية كأنشتاين ، ولم يكن ابنك كما تتمنى فأنت أشقى الناس .
لا يوجد شيء يسعد الأب كأن يكون ابنه صالحاً ، لكن هذا تمنٍّ ، والتمنيات بضائع الحمقى ، دقق :


﴿ وَمَنْ أَرَادَ الْآَخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا ﴾
[ سورة الإسراء : 19]
لن يقبل الله من عبد عملاً إلا إذا سبقه سعي له ، الله عز وجل ما قبل التمنيات أبداً ، قال تعالى :


﴿ لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلَا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ ﴾
[ سورة النساء : 123]
بجهدكم وسعيكم .
إذاً أول موضوع تربية الأولاد في الإسلام .



موضوع آخر ، الحقيقة أن هناك أخلاق الجهاد ، قال الله تعالى :
﴿ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ ﴾
[ سورة التوبة : 73]
هذه أخلاق ساحة المعركة فقط ، أما في الحياة المدنية :


﴿ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ ﴾
[ سورة فصلت : 34]
بعض المسلمين اختلطت عندهم الأوراق ، فيستخدمون قواعد الجهاد في الحياة السلمية ، الآخر إنسان ، وعبد من عباد الله ، وأنت مكلف أن تكون معه في أرقى حالة ، دقق في قوله تعالى :


﴿ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآَنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا ﴾
[ سورة المائدة : 8]
يجرمنكم أي لا يحملنكم ، الشنآن البغضاء الشديدة ، أي هؤلاء الذين تبغضونهم هم الكفار لا يحملكم كراهيتكم لهم أن تظلموهم :


﴿ فَمَا اسْتَقَامُوا لَكُمْ فَاسْتَقِيمُوا لَهُمْ ﴾
[ سورة التوبة : الآية 7]



فن الحوار ، الآن يوجد كلام أسمعه كثيراً ، قبول الطرف الآخر ، الطرف الآخر موجود ، وهو إنسان ، وهو ينظر إليك بالموازين التي يعرفها ، فكل بطولتك أن تكون عنده كبيراً بموازينه أيضاً ، بالموضوعية .
مثلاً : نحن بعيدون عن القرآن ، مع أنه بين أيدينا ، والآية الكريمة :


﴿ وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى ﴾
[ سورة سبأ : 24]
إنسان سيد الخلق ، حبيب الحق ، معه وحي السماء ، أول مخلوق بالكون يقول للطرف الآخر الكافر : الحق معنا أو معكم ، وقد يكون معكم :


﴿ وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى ﴾
[ سورة سبأ : 24]
ما هذا الأدب ؟
لا تستعلِ ، لا تنظر للطرف الآخر من منظار عال ، لا تستخدم الفوقية ، الفوقية والاستعلاء والكبر ، أنه أنا مسلم ، أنا معي الحق :


﴿ وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ ﴾
[ سورة سبأ : 24]
أي نحن أو أنتم ، هذا أسلوب :


﴿ لَا تُسْأَلُونَ عَمَّا أَجْرَمْنَا وَلَا نُسْأَلُ عَمَّا تَعْمَلُونَ ﴾
[ سورة سبأ : 25]
النبي الكريم مجرم ؟ قال : ولا تسألون هكذا حاورهم : 


﴿ لَا تُسْأَلُونَ عَمَّا أَجْرَمْنَا وَلَا نُسْأَلُ عَمَّا تَعْمَلُونَ ﴾
[ سورة سبأ : 25]
 هذا فن الحوار :


﴿ ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ ﴾
[ سورة النحل : 125]



الموعظة التي كُلفت أن تستخدمها يجب أن تكون حسنة :


﴿ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ﴾
[ سورة النحل : 125]
الفرق بين حسنة وأحسن ، أن حسنة صفة ، أما أحسن اسم تفضيل ، أي إذا أردت أن تعظ الناس فاستخدم الموعظة الحسنة ، أما إذا أردت أن تجادلهم ، أو أن تحاورهم لو أن هناك ألف عبارة حسنة فأنت مكلف أن تختار الأحسن ، لذلك دائماً هناك فرق بين التوضيح والسباب ، كقولك : " لا تفهم " ، هذا ليس توضيحاً ، هذا سباب ، ومعظم المحاورات تخفق لأن المحاور حينما ينفعل يستخدم الشتيمة ، ولا يستخدم الدليل أبداً ، وأقلّ الشتيمة قولك : " لا تفهم " ، ائت بالدليل ، فأنا أقول لكم : ابتعدوا عن السباب ، وعن ( لا تفهم ، لا تعرف ، ماذا فهمك ، ماذا عرفك ، من أنت أمامي ؟ ) ، هذا كله كلام الغوغاء ، وليس كلام العلماء ، الحوار يحتاج إلى أدب ، ما هذا الأدب فقال عليه الصلاة و السلام : 
(( أدبني ربي فأحسن تأديبي )) .
[ الجامع الصغير عن ابن مسعود بسند فيه ضعف]
موضوع الحوار موضوع جميل جداً .
ثمة طالبان سوريان في لندن لهم صديق بريطاني ، كلما اقترب منهم يقطعون الحديث و يتكلمون بالإنكليزية ، هو انتبه مرة ، مرتين ، فسألهم : ما الأمر ؟ فقالا له : نبينا عليه الصلاة و السلام نهانا أننا إذا كنا ثلاثة أن يتناجى اثنان دون الثالث ، فإن ذلك يحزنه ، فنحن نتحدث بالعربية ، فلما قدم هذا الصديق قطع العربية ، وتكلم بالإنكليزية ، هذا الموقف انتهى به إلى أن يسلم ، قال بالحرف الواحد : نبيكم حضاري .
فنحن لا نريد أن نستخدم في الدعوة إلى الله أسلوب الجهاد ، الجهاد في ساحة المعركة فقط :


﴿ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ ﴾
[ سورة التوبة : 73]
أي ليس من المعقول أن تقول له في المعركة : آسف ، سامحني ، قد أكون أزعجتك ، هذا لا يتكلم بالمعركة ، في المعركة السيف والقتل ، لكن وأيضاً في الحياة المدنية لا يوجد حوار  عنيف ، لا يوجد تكفير .
أقول لكم أيها الإخوة الكرام : أنا لا أسمح لإنسان أن يكفّر بالتعيين ، ما معنى بالتعيين ؟ يقول : فلان كافر ، من أنت ؟ أنا أُكفّر من دون تعيين ، من قال كذا فقد كفر فقط ، أما فلان كفر ، هذا فوق طاقة الإنسان ، أقول دائماً : تقييم الأشخاص من شأن الله وحده فقط .



موضوع آخر : هناك موضوعات كثيرة بالذكاء .
أولاً : الذكاء بتعريف جامع مانع هو التكيّف .
المتكيف هو الذكي ، أخطر حدث مستقبلي قطعي اليقين في وقوعه هو الموت ، قمة الذكاء أن أتكيف مع هذا الحدث ، أن أصل إلى الموت ، وأنا في أعلى درجات القرب من الله ، حتى يغدو الموت عرساً لا مصيبة .
بصراحة كل بطولة الإنسان أن يجعل من مغادرته للدنيا عرساً لا مأساةً ، هناك من ينجح نجاحاً باهراً في الدنيا ، لكن عند الموت يندم أشد الندم ، فالبطولة أن لا تندم ، لذلك دائماً في البرمجة اللغوية العصبية يقولون : ابدأ من النهاية دائماً .
إن عند بعض الإخوة الكرام وهمٌ ، أنه إذا تحدثنا عن الموت صرنا في تشاؤم ، والموت سلبي ، أقسم لكم بالله العظيم ما من موضوع تصبح بواسطته إيجابياً إلى أقصى الحدود كالموت ، الموت يضبطك ، الموت يسرع خطاك إلى الله ، الموت إذا كنت في كثير قلّله في عينك ، وإذا كنت في قليل كثّره في عينك ، إذا كان الدخل محدودًا جداً ، وأنت مؤمن ، ولك أعمال صالحة يغلب على ظنك الأعمال الصالحة ، والمستقبل ، والوعود الإلهية ، فترضى بالوضع الذي لم تستطع أن تغيّره ، فإذا كنت في قليل كثره لك ، وإذا كنت في كثير ، ملايين مملينة ، ولا يوجد استقامة ، هذا المال كله ينتهي بدقائق .
مرة كنت في المغرب ، وفي طريقي إلى دمشق وقفت الطائرة في تونس ساعة ، وأنا أنظر من النافذة ، فإذا بنعش نازل ، هذا النعش بضاعة له أوراق تخليص ، وله وثائق معينة ، إنسان يسافر بالطائرة كراكب فيرجع بضاعة بصندوق له أوراق التخليص ، ورسوم وبراءة وفحوص ، في الذهاب إلى هناك صار معي تساؤلات : ما قيمة هذه الحياة ؟ كل مكانتك على ميليمتر وربع من شريانك التاجي ، فإذا ضاق هذا الشريان دخلت في متاعب لا تنتهي ، تبدأ بالقسطرة ، يقال لك : خمسة شرايين مسدودة ، وتحتاج إلى عملية زرع شرايين تؤخذ من الفخذ ، وتوضع في القلب ، والعملية تبدأ بعد أن يخدر ، يأتي المشرط فيفتح الجلد ، يأتون بمنشار صاروخ ليقصوا عظم القص ، ثم بكلابات مع ساعد يد ، يفتحون الصدر ، ثم تُشق الأغشية التي حول القلب ، فيظهر القلب ، هذا الإنسان بثانية يفقد حياته .
والله هناك أعمال أمام الأغنياء شهد الله لو يعلم الأغنياء ما بإمكانهم أن يصلوا إليه بأموالهم لذابوا محبة لله ، لكن قد يقيمون عرسًا بخمسة وثمانين مليونًا في فندق الشيراتون فقط ليفتخروا :


﴿ فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ ﴾
[ سورة القصص : 79]
ثمة فندق خمس نجوم بدمشق ، أرباحه من عقود القران فلكية ، فقرر أن يقيم دعوة لمن أجرى عقداً في هذا الفندق حتى يكرمه ، ويشجع البقية أن يقيموا عقود القران في الفندق ، فالإدارة المالية أعطتهم عقودًا تمّت في ستة أشهر ، وهي ستة عشر عقداً ، دعي هؤلاء جميعاً إلى حفل تكريمي ، مضى على زواجهم ستة أشهر ، المفاجأة أن ثلاثة عشر عقداً من هذه العقود آلت إلى الطلاق قبل الستة أشهر ، فإذا بني الزواج على طاعة الله تولى الله في عليائه التوفيق بين الزوجين ، أما إذا بني على معصية الله تولى الشيطان التفريق بينهما .
قلت : الإنسان يعمل ، ويجمع مالاً ، وينفق هذا المال ليكون في أعلى مراتب الجنة ، والمؤمن الغني متاح له من الأعمال الصالحة ما لم يتح للملايين المملينة ممن حولك ، الغنى قوة كبيرة ، لكن الغنى في نظر التائهين والشاردين الاستمتاع بالحياة فقط .





 الموضوع الثالث : الذكاء العاطفي .
أنا قلت : إن الذكاء التكيف ، وهناك ذكاء تحصيلي ، كإنسان معه دكتوراه ، هذا ذكي ، لكنه ذكاء تحصيلي ، وهناك ذكاء فطري ، كإنسان أمي أذكى من أستاذ جامعة ، هذا عنده ذكاء فطري ، شيخ قبيلة ينتقل عبر الصحراء فقَد خمسة وعشرين ليرة ذهبية ، البريطاني كيف يعرف من الذي أخذ هذا المال ؟ حدثهم عن أسطورة مضحكة ، قال : هو ينبئه حماره بمَن أخذ هذا المبلغ ، وضعه في خيمة ، وكلف كل واحد أن يدخل إلى الخيمة وحده ، وأن يمسك بذيل الحمار ، فالذي أخذ المبلغ يصيح الحمار في الخيمة أن هذا الذي لمس ذنبي الآن هو الذي سرق ، شيء جميل ، كلهم دخلوا ، وخرجوا ، الحمار ما أعلن ، فقال : مدو أيديكم ، فشمّ أيديهم ، قال له : أنت السارق ، لأنه وضع النعنع الحاد في ذنب الحمار ، فالسارق ما مسكه ، فرأى يده ما فيها رائحة نعنع قال : له أنت السارق .
هنا كذكاء فطري ، وذكاء تحصيلي ، وذكاء اجتماعي ، وأعتقد الذي قصدته الذكاء العاطفي الاجتماعي ، هذا يعبر عنه بالبرمجة اللغوية العصبية : ممكن أن ترفع إنتاجك عشرة أضعاف عن طريق دفتر ، أحياناً دفتر صغير ، كلما خطر شيء في بالك تكتبه ، دائماً أنت أمام قائمة أعمال ، فيتضاعف إنجازك عشرة أمثال بهذا الدفتر ، من دون دفتر تحتاج القضية أن تفعلها فتذكرها في وقت غير مناسب ، الوقت الذي تحتاجها فيه تكون أنت في البيت ، أريد أن أشتريها اليوم ، فيمضى شهرين وثلاثة ولا تشتريها ، متى تذكرها ؟ في وقت أنت لا تستطيع أن تشتريها فيه ، أما إنْ كتبتها فتنتهي العملية في ساعة .
هذه ثلاث موضوعات .
إن لله عز وجل في كل عصر أناس يقيمون الحجة على الناس ، وقد فحدثني مدير السجن أن قاضيًا يأتي كل أسبوع ، يركب المركبة العامة مع الناس ليلتقي مع المذنبين المسجونين ليستوضح منهم حقيقة الأمر ، لئلا يقع في خطأ في حكمه ، قال لي : إنسان فقير يركب السيارة العامة ، ويضيع ست سبع ساعات ليصل إلينا ، ويجلس مع هؤلاء المتهمين ، وهو غير مكلف أن يفعل ذلك ، لكن في كل سلك واحد يقيم الحجة ، هذا إنسان بطل ، إنسان مستقيم ، إنسان ورع ، إنسان معطاء ، لكن القدوة قد يزداد العدد في عصور كعصر النبي عليه الصلاة والسلام  عصر أبطال ، وقد يقلّ ، أما الانعدام الكلي فمشكلة كبيرة جداً ، ونحن دائماً نقول : نحن نحتاج إلى مسلم متحرك ، كيف أن الكون قرآن صامت ، والقرآن كون ناطق ، والنبي عليه الصلاة والسلام قرآن يمشي ؛ نحن نريد مؤمنًا يمشي ، وصدقوني أن أثر مسلم معاصر مستقيم منضبط ورع يفوق حد الخيال ، وهو أبلغ من الكتب ، لأن هذا الإنسان حقيقة مع البرهان عليها .
إن إنسانًا في تركيا وجد مئتي ألف أورو بمطعم ، وسلّمها للشرطة ، وجاء صاحب المبلغ ، وهو ألماني ، وعرض عليه خمسمئة يورو كمكافأة ، ورفضها ، قال : أنا أعمل عشر ساعات كي أطعم أولادي طعاماً حلالاً .
أحياناً موقف فيه استقامة ، فيه أخلاق ، فيه إنصاف ، فيه تواضع ، يشد الناس إليك ، على كلٍّ : القدوة قبل الدعوة ، والإحسان قبل البيان .
الحقيقة أن ثمة فسادًا الآن ، لكن البطولة ألاّ ينفرد الباطل في الساحة ، لا بد من بقعة ضوء صغيرة ، مسجد صغير فيه حق ، فيه صدق ، فيه إخلاص ، فيه انضباط ، فيه التزام ، فيه تعاون ، فيه محبة ، هذه البقعة تكفي ، وتتوسع دوائرها ، لكن أين الخطر ؟ أن ينفرد الباطل في الساحة ، أما إذا لم ينفرد فهناك حق ، ونحن بخير ، ولو كان الحق ضعيفاً فالضعيف يقوى ، لكن ما ليس هناك حق إطلاقاً هذه مشكلة ، والإنسان ليس مكلفاً أن يتقصى الأحوال ، لكن هناك أعمال بطولية كثيرة ، وأطمئنكم أن هناك إخلاصًا شديدًا ، وبطولات كثيرة جداً .
حدثنا أخ تزوج امرأة من كندا ، لكنها مسلمة ، وحسن إسلامها ، وهي تمشي مع ابنها في الطريق أعطته حبة سكر ، بعد ثلاثمئة متر سألته : أين الورقة ؟ قال لها : قد رميتها ، رجعت معه ثلاثمئة متر ، وقالت له : خذها ، وضعها في السلة ، انظر التربية ,
عندما نهتم بأولادنا هل يوجد أحد يسائلك ؟ هل يوجد أحد يحاسبك ؟ هل يوجد أحد يتهمك ؟ هذا عمل بين أيدينا ، علم ابنك ، ربِّه ، فهمه ، اجلس معه ، تحمله ، خذه معك دائماً ، علمه السنة ، هذه حلال ، هذه حرام ، فعندنا أعمال كثيرة نحن مقصرون فيها ،
أنا أقول مرة ثانية : إن هناك مليون عمل يمكن أن تفعله ، و أن تصل به إلى أعلى عليين في ظل هذه الظروف الصعبة .
لي قريبة توفيت ـ رحمها الله ـ لها ابن مقيم بأمريكا ، زارها مرة بالصيف ، ومعه ابنه الصغير ، يبدو أن حركته زائدة في البيت ، قالت له جدته اجلس وآخذك في المساء للنزهة ، فجلس ، عند المساء لم تأخذه ، قال لها : أنت كاذبة .
إنّ مجتمعاتنا فيها كذب كثير ، كيف يقص الحلاق مئة قصة في الهواء وواحدة على الشعر ، تسع و تسعون كلمة لا معنى لها ، كلها كذب ، و كلها مجاملات فارغة والله ، فالطفل ينشأ على الكذب ، يقول والده لوالدته : هل ذهبت لمكان ما ؟ قالت له : لا ، و هي ذهبت هي وإياه ، كذبت أمامه ، يأتي الأب فيقول له : قل : أبي ليس هنا ، أنت تشربه الكذب مع حليب أمه ، أما إذا انعدمتْ كلمة الكذب في البيت فإنك ترتاح وتريح .



 يوجد شواهد كثيرة ، أنا دائماً أميل إلى اتهام الذات ، و يوجد أشخاص كثيرون يتهمون الآخرين ، يقول لك : صهيونية عالمية ، ماسونية ، استعمار ، لا يوجد استعمار ، و لا يوجد أحد ، لا يوجد غير كلمة : ( نحن مخطئون ) فقط ، هذا الواقع ، هذا النوع مثل النعامة ، كلما كانت لنا مشكلة نعزيها إلى الاستعمار ، فالكلام أصبح لا معنى له إطلاقاً .
كنت مرة في بلد جميعهم كانوا بدوًا ، وقد اعترفوا بهذا ، قالوا : نحن بدو ، لكن أنتم لم تبدؤوا بعد ، أحياناً تشعر بنفسك أنك متخلف عن البدو تخلفاً كبيراً ، فهذه استعمار وماسونية ، هذه جميعها كلام فارغ ، الخطأ كله منك ، واجه الحقيقة المرة .



هناك إنسان يقفز على المشكلة ، وهناك إنسان يواجهها ، المنافق دائماً يقفز عليها ، أهم شيء أن يلصقها بغيره ، إذا قلت : طالب لم ينجح ، و كان كسولاً ، سبحان الله ! لا يوجد نصيب ، فقط لا يوجد نصيب ؟ أنت لست كسولاً ؟ لا يوجد نصيب ، أو إذا كان الطبيب جالسًا يدير حديثًا عاطفيًّا غزليًّا مع ممرضة ، و جاء مريض يحتاج إلى إسعاف فوري ، وقال له : انتظر قليلاً ، ويوجد كأس من الشاي بيده ، وجريدة وممرضة ، ذهب إليه بعد مدة فوجده ميتاً ، يقول : سبحان الله !! انتهى أجله !!! لا ، أنت قاتل ، الاحتجاج بالتوحيد مرفوض ، والدليل :


﴿ إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لَا تَحْسَبُوهُ شَرّاً لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ﴾
[ سورة النور : 11]
الإفك خير ؟ واللهُ سمح به ؟ حتى لا تقول : أنا لست مسؤولاً ، قال تعالى :


﴿ وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ ﴾
[ سورة النور : 11]
التوحيد لا يعفيك من المسؤولية ، هذه الحقيقة ، أحياناً يكون المأخذ الكهربائي والتيار مئتين و عشرين ، والمأخذ سيئ ، والقطعة المعدنية ظاهرة ، وفي الحمام ، والحمام فيه ماء ، هل تعلمون أن شخصاً إذا مشى من دون عازل على الماء ، ومسك المأخذ يموت فوراً ، فإذا مات شخص تقول : سبحان الله ! نصيبه ، لا ، ليس هذا نصيبه ، هذا جزاء التقصير .
 في كثير من الأيام يسافر شخص ، ولا يراجع سيارته ، فيقع في حادث يموت فيه ، هو مات بأجله ، لكنه محاسب كالذي ركب ناقة جموحًا فمات ، فالنبي e رفض أن يصلي عليه لأنه عاص ، وإذا نام شخص على سطح ، ثم وقع على سيارة شخص وهي تسير ، فجاء تحت الدولاب يموت عاصياً ، نحن فهمُنا للدين فهم طوبائي ، فهم طقوسي ، لكن ليس فهماً علمياً ، أنت محاسب .
عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : 
(( مَنْ تَطَبَّبَ وَلَمْ يُعْلَمْ مِنْهُ طِبٌّ قَبْلَ ذَلِكَ فَهُوَ ضَامِنٌ )) .
[ النسائي ]
مثلا : أعطى الطبيب مريضًا دواء ونصحه به ، هل أنت طبيب ؟ هذا الإنسان قد يكون معه حساسية ، أو أعطى مريضة إبرة فماتت فوراً ، لأنه يمكن لم يسألها إذا كان معها حساسية ، يوضع في السجن ، نحن فهمنا للدين فهم : كُلْ و سَمِّ بالله .
بالمناسبة أنا متألم جداً من مواقف من أنفلونزا الطيور ، أولاً : يوجد جهل شديد ، وهذا الجهل سبب دماراً لأسر ، أسر بأكملها تعيش على الدجاج ، لا يوجد عندنا شيء حتى الآن ، الحمد لله ، كل ما في الأمر خوف تشنجي من دون مبرر ، هذا خلَق مشكلة كبيرة في البلد ، ويوجد أناس عندهم محلات للدجاج ، لا يوجد عنده غيره ، من أين سيأكل ؟ 



كل إيجابيات الغرب إسلامية ، لكن لا عن تدين أبداً ، لأنهم يعبدون المال من دون الله ، تقتضي مصلحتهم الصدق والأمانة والإتقان واحترام الإنسان .
أنا قلت مرة كلمة في ندوة تلفزيونية : أعط المواطن رغيف خبزه وكرامته ، وخذ منه كل شيء ، أنت كمدير معمل ، كمدير مؤسسة ، كأب ، أعط ابنك حاجته ، أعطيه حاجته وكرامته يعطِك روحه ، هذا قانون ، أعط الإنسان رغيف خبزه وحاجته وكرامته ، وخذ منه كل شيء .
أحياناً يهين أب ابنه أمام أخواته البنات ، أحياناً يهين أب ابنه أمام رفاقه ، أحياناً يهين أب ابنه أمام الناس ، هذا الأب لم ينتبه ، الابن يقبل منك مليون نصيحة ومليون قسوة ومليون تعنيف ، لكن بينك و بينه ، له كرامة ، و لو كان صغيرًا ، لذلك ورد في الأثر أنه : " لا تحمروا الوجوه " ، أي دعك لطيفاً ، علموا ، ولا تعنفوا ، فإن المعلم خير من المعنف .
لقد سافرت كثيراً ، والذي يؤلم أشد الألم أنهم منضبطون أشد الانضباط ، والجاليات الإسلامية متفلتة أشد التفلت ، التصريح الكاذب ، يُدخل فرضاً قطعة معدنية لا ثمن لها ، يحضر بها حاجات بشكل مزور ، والله شيء مؤلم جداً .
ببلاد مثل أستراليا إذا حدث الطلاق وكان الشخص بلا عمل يعطونه خمسة آلاف دولار أسترالي ، تكفيه تماماً ، وإذا حدث الطلاق بهذه الأسرة يعطون خمسة بخمسة ، لكن تسعين بالمئة من المسلمين يقدّمون تصريحًا أنهم طلقوا بعضهم ، فيفاجئوهم ، من هذه ؟ يقول له : أختي ، لا ، هذه زوجتك ، أين هويتك ؟ فتظهر أنها زوجته ، ألم تطلقها أنت ؟ كيف يحترموننا ؟ 
قبل أن أمشي من أستراليا قلت كلمة في الإذاعة ، قلت لهم : هذا الأسترالي مستحيل أن يفهم الإسلام من كتاب القرطبي ، أو من كتاب فتح الباري ، هذا الأسترالي لا يفهم الإسلام إلا منك أيها المسلم ، وجدك صادقاً متقناً ، وعدك صحيح ، فهو  يحترمك ، يحترم دينك ، وخذوا عني هذه الكلمة : الآن و الله لا يُحترم ديننا إلا إذا تفوقنا في دنيانا ، الآن من دون دليل مستحيل أن يحترموا دينك ، وأنت متخلف ، و كل شيء عندك استيراد ، وما عندك عملة قوية أبداً ، و تأكل ما لا تزرع ، و تلبس ما لا تنسج ، و تستخدم آلات لا تصنعها ، و تشتري السلاح شراء ، إذاً لا قرار لك ، لا يحترموننا ، أما إذا كان عندك قوة فإنهم يحترمون القوي فقط ، نريد أن ينتفض هذا المخ كله ، كل أساليبنا غلط ، حياتنا كلها غلط ، يوجد نفاق كثير ، يوجد كسب مال حرام كثير .
هل من المعقول لمواطن بدولة نامية أن يعمل سبعًا وعشرون دقيقة في اليوم ، أقول لهم بالتعبير العلماني : عندهم ( بيزنز إز بيزنز ) عندنا بيزنز هو خمول وبطالة وغش وسرقة ، لا يوجد عمل .
الشرقي اسمه بأوربا آي بي إم ، آي إن شاء الله ، لا ينوي أن يعطيك ، لا ينوي أن يأتي ، فيستخدم إن شاء الله غير إسلامية ، غير قرآنية ، بكرة ، غداً ، تأجيل ، لا بأس ، ماذا حصل ، هذه وصمة عار في حقنا .
ربِّ ابنك على الصدق والأمانة ، والجهد و العمل الدؤوب ، و ابنِ أمتك ، ويمكن أن نفعل كل شيء ، لكن لا نجد كل شيء خلال يومين أو ثلاثة ، هذا على النفَس الطويل ، و هؤلاء الأقوياء عمرهم مئتان أو ثلاثمئة سنة من الاستقرار ، ومن العمل ، حتى ملكوا الدنيا ، فنحن مستحيل أن نجد ثمرة سريعة ، لكن نبدأ فقط أن نبدأ ، ألم يقولوا : نحن بدو ، لكن أنتم لم تبدؤوا بعد .


و الحمد لله رب العالمين








وسائل تربية الأولاد ( 20 ) مراعاة الفروق بين الصغار وأن يعيش الطفل سنه



بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين ، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا ، إنك أنت العليم الحكيم ، اللهم علمنا ما ينفعنا ، وانفعنا بما علمتنا ، وزدنا علماً ، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه ، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه ، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه ، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين .
أيها الأخوة الكرام ، لازلنا في سلسلة تربية الأولاد في الإسلام ولازلنا في القسم الثاني وهو الوسائل الفعالة في تربية الأولاد .

مربع نص: على الآباء محاولة اكتشاف خصائص أولادهم :

وصلنا إلى بعض التوجيهات في شأن تربية الأولاد من هذه التوجيهات مراعاة الفروق الفردية بين الصغار .
الأب أيها الأخوة يتمنى أن يكون ابنه على شاكلة معينة ، فيحمله عليها ، ويضغط عليه ، ويقسو عليه ولا يفلح ، لو أن هذا الأب حاول أن يكتشف خصائص ابنه ، من الثابت أن الصغار يمكن أن يفرزوا إلى زمر ، يوجد طفل عنده استعداد للعلوم المجردة ؛ رياضيات، فيزياء ، كيمياء ، طب ، هندسة ، علوم مجردة أي يستمتع إذا قرأ ، ويستوعب ، ويحفظ ، ويبتدع ، يوجد طفل آخر ذكاؤه عملي ، يفكك آلة ويركبها ، ويوجد طفل ثالث محدود الذكاء هذا شيء مسلَّم به ، يوجد طفل يتمتع بذكاء نظري ، ويوجد طفل يتمتع بذكاء عملي ، ويوجد طفل محدود الذكاء ، فالذي يتمتع بذكاء نظري ينبغي أن توجهه إلى كليات جامعية للدراسة النظرية ، وقد تكون مجرماً في حقه لو دفعته إلى حرفة ، لا يصلح أبداً ، لا يصلح إلا بالتفوق في العلوم النظرية ، ويوجد إنسان يتمتع بذكاء عال جداً في الأمور العملية ، فلو وجهته لفرع نظري لا يفلح .
أنا أعلم علم اليقين أن هناك إخفاقات كبيرة جداً ، وتسبب دماراً للأسر ، بسبب عدم معرفة الأب لهذه الحقيقة ، يريد ابنه طبيباً وقد يفلح ابنه في عمل يدوي ، ويجمع ثروة أضعاف ما يجمعها الطبيب ، فإذا أجبرته على أن يكون طبيباً لا تُفلِح ولا يُفلِح ولا يَنفع ولا يتفوق ، طبعاً هذا الكلام في بعض البلاد حلّ على الشكل التالي ؛ الطفل في سن معينة تفحص إمكاناته عن طريق دورات عالية المستوى ، فيصنفوا الطلاب إلى : قسم متفوق نظرياً ، وقسم متفوق عملياً ، وقسم ضعيف التفكير ، هؤلاء الضعاف لهم مناهج بسيطة لا تتعبهم ولا يتعبونك ، مناهج بسيطة لطيفة ، معلومات بالحد الأدنى ، ويُعطَى شهادة ويسمى مثقفاً ، لكن بشكل يتناسب مع إمكاناته ، لا أرهقناه ، ولا ضغطنا عليه ، ولا حطمناه ، ولا شعر بالإخفاق هذه حالة .

مربع نص: كل عمل أو حرفة تبتغي بها وجه الله توصلك إلى الجنة :

الحالة الثانية ابن يتفوق بالعمل ، أعطهِ حدّاً أدنى من الثقافة النظرية وادفعه إلى العمل ، وطفل آخر يتفوق بالنواحي النظرية ، فما لم يكتشف الأب خصائص ابنه ،  واستعدادات ابنه ، وفروق ابنه الفردية عن بقية الأولاد لا يفلح في تربيته ، الحقيقة أن النبي عليه الصلاة والسلام يقول :
((  كُنَّا جُلُوساً عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : .. اعْمَلُوا فَكُلٌّ مُيَسَّرٌ ، ثُمَّ قَرَأَ فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى إِلَى قَوْلِهِ فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى ))
[متفق عليه عَنْ عَلِيٍّ]
نحن جميعاً خلقنا للجنة ـ وأنا مضطر أن أذكر هذا المثل ـ نحن جميعاً خلقنا للجنة والدليل قوله تعالى :
﴿ إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ (119)
(سورة هود)
خلقهم ليرحمهم ، خلقهم ليسعدهم ، ولكن الجنة التي خلقنا من أجلها لها طرائق بعدد أنفاس الخلائق ، فقد تدخل الجنة بدعوة إلى الله ، أو بتأليف ، أو بخدمة ، أو بطب تبتغي به وجه الله ، أو بهندسة تبتغي بها وجه الله ، أو بتعليم تبتغي به وجه الله ، أو بحرفة تبتغي بها وجه الله ، تصميم المجتمع المسلم أيها الأخوة رائع ، كل حرفة إذا كانت في الأصل مشروعة ، وسلك صاحبها الطرق المشروعة ، وابتغى بها كفاية نفسه وأهله وخدمة المسلمين والتخفيف عنهم ، ولم تشغله عن طاعة ، ولا عن فريضة ، ولا عن عبادة ، ولا عن عمل صالح انقلبت إلى عبادة ، فيمكن أن تصل إلى الجنة من أي طريق ، فالذي يتفوق بالأمور العملية ينبغي أن يطلق إلى أمر عملي ، والذي يتفوق في الأمور النظرية ينبغي أن يدفع إلى اختصاص نظري ، والذي نجد به ضعفاً عاماً ينبغي أن لا نزعجه ولا نتعبه في ضعفه وفي تقصيره ، المقصر نزعجه ، أما إذا كانت الإمكانيات ضعيفة جداً لا ينبغي أن نحمله ما لا يطيق وهذا من الرحمة .

مربع نص: كل إنسان ميسر لما خُلق له :

أيها الأخوة ، لا نفلح في تربية أولادنا ، ولا في تربية طلابنا ، ولا في تربية طلاب العلم في المسجد إلا إذا عُرِفت الفروق الفردية ، هناك ملمح دقيق في السنة ، النبي عليه الصلاة والسلام أراد أن يكلف صحابياً بعمل فعرضوا عليه اسم أحد الصحابة ، فقال عليه الصلاة والسلام : ليس هناك ـ أي لا يصلح لهذا العمل ـ وكأن النبي المربي الخبير يعرف إمكانيات كل صحابي ، مثلاً هناك إنسان عنده ذكاء اجتماعي هذا إذا أرسلته بمهمة اجتماعية يفلح ، لطيف ، لبق ، مرن ، يعتذر ، يرضي من حوله ، لا يزعجهم ، يوجد إنسان عنده تفوق مالي هذا ينفق وذاك يفاوض ، هناك إنسان عنده خبرة عملية هذا نستعين بخبرته ، إنسان عنده وجاهة نستعين بوجاهته ، إنسان عنده مال نستعين بماله ، فكل إنسان يُمكِّنُه الله من شيء ، وهذا الشيء يمكن أن يُبتغى به وجه الله عز وجل .
لذلك أن تكتشف ميول ابنك في وقت مبكر ، أو أن تكتشف إما مباشرةً ، أو عن طريق اختصاصيين أن هذا الابن ما بنيته الفكرية ؟ ما بنيته النفسية ؟ ما قدراته الخاصة ؟ هناك قدرات خاصة عالية جداً ، درسنا في الجامعة مئة قدرة خاصة بالإنسان ، تجد شخصاً عنده قوة إقناع عجيبة يقلب الحق باطلاً والباطل حقاً ، هذه قدرة .
مرة أب جاء ابنه من بلاد الغرب وقد حمل شهادة عليا في الفلسفة ، فالأب مع الأم جالسان على مائدة وعليها فروجان ، فقال ابنهما : يا أبت أنا أستطيع أن أقنعك بالدليل أن هذين الفروجين هم ثلاثة ، فقال له الأب : أنا سآكل واحداً ، وستأكل أمك واحداً ، وكل أنت الثالث .
هناك إنسان عنده قوة إقناع ، وآخر عنده ذكاء اجتماعي ، وثالث عنده قوة بلاغية ، أحياناً تجد طفلاً صغيراً يلقي كلمة بشكل ارتجالي صحيح ، هذه قدرة خاصة بيان القدرة ، وحسن التصرف قدرة ، وحسن التخلص قدرة ، هناك إنسان يستطيع أن يظهر بحجم أكبر من حجمه بكثير ، فقير جداً ويسكن في الحجر الأسود ، قال له شخص : أين تسكن ؟ قال : في بلاك ستون سيتي .
أنا أتمنى أن تكشف قدرات ابنك ، ابنك له قدرات ، له فوارق ، له خصائص ، طبعاً ينبغي أن تكون هذه الخصائص كلها وفق منهج الله هذا حديثنا ، أتكلم مع أب مؤمن ومع أولاد مؤمنين ، لكن لا تطمع أن يكون ابنك طبيباً دائماً ، من قال إن الطبيب أعلى حرفة ، هكذا الناس يتوهمون ، هناك حرف أرقى منها بكثير وأريح وأربح ، فلذلك لا تحاول أن يكون ابنك كما تريد ينبغي أن يكون كما يريد ، إذا كانت إرادته وفق منهج الله عز وجل هذه نقطة ، اعملوا فكل ميسر لما خلق له .
أحياناً تجد إنساناً يتمتع بذاكرة عجيبة جداً ، إنساناً يتمتع بطلاقة لسان عجيبة جداً ، إنساناً يتمتع بحسن التخلص ، إنساناً يتمتع بقوة إقناع ، إنساناً يتمتع بأن يبدو بحجم أكبر من حجمه ، فكل إنسان مكنه الله من شيء ، هذا الشيء إذا كان في الأصل مشروعاً ، مقبول شرعاً ، فينبغي أن نوجهه إلى التفوق في هذا الشيء .

مربع نص: مهمة المربي أن يكتشف الطاقات الكامنة عند ابنه :

أنا أذكر قصة رجل من رجال الأدب في مصر اسمه توفيق الحكيم ، كان أبوه قاضياً ، وأراد الأب أن يكون ابنه قاضياً مثله ، وحمله على أن يكون قاضياً ، فدرس الحقوق في فرنسا ، وعاد إلى مصر ليكون قاضياً ، ولكن هواية هذا الابن لا علاقة لها بالقضاء إطلاقاً ، هو يحب الأدب ، فعلى الرغم من أنه لم يدرس الأدب ، ولم يدرس اللغة ، صار قبل أن يموت عميد الأدب العربي في مصر ، ميله أدبي .
أحياناً الطاقات الكامنة في نفس الطفل قد لا تظهر ، أو قد تحتاج إلى بيئة عالية المستوى كي تظهر ، مثلاً من يصدق أن أينشتاين أكبر عالم فيزياء كانت علاماته في التعليم الثانوي في مادة الفيزياء قليلة جداً ، إنسان قد يخفق في دراسته ، وينجح في جانب آخر ويكون الأول ، أنا أؤمن أن الإنسان عنده طاقات مخبوءة ، فالبيئة أو الأب أو المدرسة إما أن تفجرها ، وإما تقمعها ، مهمة المربي أن يكتشف الطاقات الكامنة عند ابنه أو عند تلميذه ، وهذه الطاقات قد تظهر ، وقد يكون منها الخير الكثير .
يقول ابن سينا : " ليس كل صناعة يرومها الصبي ممكنة له مواتية ، ولكن ما شاكل طبعه وناسبه " ، وإنه لو كانت الآداب والصناعات تجيب وتنقاد بالطلب والمرامي دون المشاكلة والملاءمة ما كان أحد غفلاً من الأدب ".
مرة كنا بجلسة علمية ، وكان أحد الحاضرين شاعراً ، وكانت الضيافة حلويات ، فأحد الحاضرين داعبه وقدم له قطعة من هذه الحلويات ، وقال له : مبرومة بالفستق .
فأجابه الشاعر :
مبرومة بالفستق تصيح أين نلتقـي
في حـلب لذيذة وحلوة فـي جلـق
غرب إذا أكلتها في نشوة وشــرق
مبرومة كأنها سوارة الخورنـــق
***
أي على البديهة جاء بأربعة أبيات ، هذه شاعرية ، شيء فطري ، أحياناً القصة أيضاً ميل فطري ، تجد إنساناً يتكلم بقصة بشكل رائع ، يأتي إنسان آخر يعيدها فلا تجد لها أي جمال ، يشوهها إذا أعادها ، إنسان يصنع من قصة تافهة قصة رائعة ، هذه كلها قدرات ، فإن أردت أن تربي ابنك يجب أن تكتشف قدراته التي أودعها الله فيه ، وأن تنميها ، يفلح وينجح ويتفوق ، أما أن تحمله قسراً على اختصاص لا يحبه ، أو على حرفة لا يحبها ، هذا من سلوك المجتمعات المتخلفة .

مربع نص: التفوق يحتاج إلى أن تختار لابنك اختصاصاً أو حرفةً تتوافق مع ميوله :

أنا أقول ـ ونحن في مسجد أنا أتحدث عن القدرات المشروعة ـ لا تقل لي : رقص باليه مثلاً ، أتحدث عن القدرات المشروعة التي يقرها الدين والشرع ، هذه القدرات حاول أن تنميها ، حتى التعليم الثانوي مهمته الأولى اكتشاف طاقات الطلاب ، وقد تبدو هذه الطاقات في التعليم .
أحياناً في احتفالات معاهد القرآن الكريم ـ قد لا تصدق ـ طفل عمره خمس سنوات قبل أن يدخل المدرسة يحفظ كتاب الله ، كله طاقة هائلة جداً ، والحقيقة يحتاج إلى توافق ميول ، التفوق يحتاج إلى أن تختار لابنك اختصاصاً ، أو دراسةً ، أو حرفةً تتوافق مع ميوله عندئذ يتفوق ، وفي الحديث الشريف يقول عليه الصلاة والسلام :
(( أعينوا أولادكم على البر )) .
[ أخرجه الطبراني عن أبي هريرة ]
 (( رحم الله والداً أعان ولده على بره )) .
[ أبو الشيخ عن علي وابن عمر]
أحياناً تجد أباً يضع ابنه معه في المحل التجاري ويمنعه أن يدرس وعنده رغبة جامحة إلى الدراسة ، أنا أقول هذا الأب مجرم في حق ابنه ، وكم من ابن يتوق إلى العمل وأجبره أبوه على اختصاص مجرد فأتعبه وتعب الأب كثيراً ، فالعبرة أن تكتشف ميولك طبعاً ضمن الحدود الإسلامية ، نحن عندنا عبارة في الأخبار المياه الإقليمية والأجواء الإقليمية ، فأنت تسبح بالمياه الإقليمية الإسلامية ، مادمت في هذه المياه نختار لك أي حرفة ، أما أن تسبح بمياه غير إسلامية مرفوض هذا أصلاً ، تقريباً في مثل ذكره النبي ؛ أحياناً نربط حصاناً بحبل طويل ، والحبل مغروس في الأرض بوتد ، فهذا الحصان بإمكانه أن يتحرك ، لو أن الحبل طوله خمسون متراً بإمكانه أن يتحرك بدائرة قطرها مئة متر ، وهو آمن هكذا ، في الإسلام المئة متر هي المنهج الإلهي ، فخلِّ الابن يتحرك بالمئة متر كما يريد حتى يتفوق ، لكن نصف القطر خمسون متراً ، خمسون شرقاً ، خمسون غرباً ، خمسون شمالاً ، وخمسون جنوباً ، لا يستطيع أن يتجاوز ، قال تعالى :
﴿ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا (229)
(سورة البقرة)

مربع نص: المؤمن كل طاقاته مجمعة في الدراسة ولا يوجد عنده انحرافات أما غير المؤمن فهو مشتت :

لو كان يميل إلى شيء فيه معصية مرفوض ولو صار في مشادة ، لأن أمر الله أحق أن يتبع .
(( أعينوا أولادكم على البر )) .
[ أخرجه الطبراني عن أبي هريرة ]
(( رحم الله والداً أعان ولده على بره )) .
[ أبو الشيخ عن علي وابن عمر]
أحياناً يتعلق شاب بجامع ، والجامع نظيف ، منهجه قويم ، والأخوة مؤمنون ، فالأب هكذا من أجل دراسته يمانع ، أنا أؤمن أن المتفوق في دينه متفوق في دراسته ، والفضل لله عز وجل أننا أقمنا حفلاً تكريمياً للمتفوقين في الشهادتين الثانوية والإعدادية ، كان عدد المتفوقين في الثانوية الفرع العلمي الذين حصلوا على علامات فوق المئتين والثلاثين حوالي عشرة طلاب ، هذه نسبة عالية جداً من طلاب المعهد ، فالمتفوق في دينه ماذا يشبه ؟ بالضبط إذا أتيت بورقة ووضعتها في الشمس ، هل يمكن أن تحترق هذه الورقة في الشمس ؟ مستحيل ، ولكن بإمكانك أن تحرقها عن طريق أشعة الشمس فقط بعدسة ، ماذا تفعل هذه العدسة ؟ تجمع الأشعة في بؤرة واحدة هي المحرق فتحترق ، القضية سهلة جداً ، ائتِ بعدسة ، وقف في مكان فيه شمس ، ضع العدسة إلى أن يأتي محرقها على الورقة فتحترق الورقة ، فالمؤمن كل طاقاته مجمعة في الدراسة ، لا يوجد عنده انحرافات ، أما غير المؤمن مبعثر الطاقات ، مشتت ، غير مجموع ، وفي حديث شريف يقول عليه الصلاة والسلام :
(( مَنْ كَانَتْ الْآخِرَةُ هَمَّهُ جَعَلَ اللَّهُ غِنَاهُ فِي قَلْبِهِ ، وَجَمَعَ لَهُ شَمْلَهُ ، وَأَتَتْهُ الدُّنْيَا وَهِيَ رَاغِمَةٌ ، وَمَنْ كَانَتْ الدُّنْيَا هَمَّهُ جَعَلَ اللَّهُ فَقْرَهُ بَيْنَ عَيْنَيْهِ ، وَفَرَّقَ عَلَيْهِ شَمْلَهُ ، وَلَمْ يَأْتِهِ مِنْ الدُّنْيَا إِلَّا مَا قُدِّرَ لَهُ )) .

[ الترمذي أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ]

(( أعينوا أولادكم على البر )) .
[ أخرجه الطبراني عن أبي هريرة ]
(( رحم الله والداً أعان ولده على بره )) .
[ أبو الشيخ عن علي وابن عمر]
سمعت في بعض البلاد أن التعليم عندهم تعليم مزدوج ؛ تعليم نظري ، وتعليم عملي ، حتى يكتشف الطفل ميوله هناك تعليم نظري وهناك عشر حرف يمر عليها الطالب جميعاً ، في أية حرفة تعلق بها وانغمس فيها وأتقنها يكون هذا ميله ، هذا التعليم يسمى التعليم العشري ومهمته اكتشاف ميول الطفل .
هناك إنسان يحب الزراعة ، رغبته أن يعيش في الفلاة ، أن يزرع نبتة ، أن يتابع نموها ، أن يعتني بها ، إنسان يحب الصناعة ، إنسان يحب التجارة ، إنسان يحب الدراسة ، إنسان يحب الشيء الجميل ، قد يكون خطاطاً ، قد يكون بحرفة لها طابع جمالي ، على كل هذا التوجيه ضمن تربية الأولاد وضمن تربية طلاب العلم في المسجد ، طالب يحب المعلوماتية ، طالب يحب الطب ، طالب يحب الهندسة ، طالب يحب أن يكون في الزراعة ، مرة التقيت بطالب من طلابي مجموعه مئتان وأربعون ، طبعاً سوف يختار الطب ، قال : لا اخترت الزراعة ، أنا أحب الزراعة ، فأنا ثمنت عمله لأنه اختار فرعاً يحبه حتى يبدع فيه .

مربع نص: على الطفل أن يعيش سنه لأن اللعب من خصائص الأطفال :

هذا جانب في الدرس أيها الأخوة ، هناك جانب ثانٍ أيها الأخوة ، الجانب الثاني أن يعيش الطفل سنه لأن اللعب من خصائص الطفل ، البيت القاسي ، ممنوع اللعب ، ممنوع الضحك ، ممنوع التسلية ، كله ممنوع ، هذا بيت بالنسبة للطفل الصغير كالقبر تماماً ، أعيد وأكرر أنا أخاطب المؤمنين ، يختار الطفل معصية ممنوع ، أنت في بيت مسلم ومعك منهج ولا طاعة لمخلوق في معصية الخالق ، أنا حينما أتحدث عن المرونة ، وأن تتماشى مع رغبات الطفل ، وأن تكتشف ميول الطفل ، أنا أقصد مادامت هذه الرغبات وتلك الميول وفق منهج الله فقط ، أما إذا كانت تبنى على معصية ـ والعياذ بالله ـ مرفوضة أشد الرفض ، وعلى الأب أن يكون واعياً ، وحازماً ، وقوياً ، وعليه أن ينصح أولاده بالإقناع ، والإقناع أولى من القمع ، لكن أنا حينما أقول ينبغي أن تتماشى مع ابنك لا أقصد إلا في ميوله المشروعة .
مرة سمعت أن هناك وقفاً في بعض البلاد الإسلامية ، هذا الوقف مهمته تحبيب المطالعة للصغار ، والمطالعة من أرقى الهوايات لأنك تشتري عقل إنسان بدريهمات ، تشتري كتاباً هذا الكتاب فيه عقل المؤلف ، خبرته ، تجاربه ، مبادئه ، هذا الوقف يطبع قصصاً إسلامية ، هادفة ، ممتعة ، لطيفة ، بطباعة أنيقة جداً ، ويوزعها على البيوت مجاناً ، فإذا قرأها الصغار وأعجبوا بها سألوا عنها في الهاتف بعد حين ، حب المطالعة يسري في نفوس الصغار عن طريق هذا الوقف ، بيت بلا مكتبة مشكلة كبيرة جداً ، البيت يحتاج إلى مكتبة فيها كتب علمية ، موسوعات ضمن الإمكانيات ، الآن العلم ميسر جداً .
حدثني صديق لي قال : كنا نبيع موسوعة علمية بخمسة وعشرين ألفاً ، الآن ثمنها مئة وخمسون ليرة عن طريق قرص ليزري بصورها ، وألوانها ، وتفاصيلها ، ودقائقها ، شيء لا يصدق ، بعض الأقراص المدمجة فيها كتب ثمنها مئتا ألف ليرة ، كل هذه الكتب في هذا القرص ، وتطالعها بخطوط رائعة ، والخطوط مضبوطة بالشكل ، وفيها إمكانية بحث ، قضية ثورة المعلومات شيء لا يصدق ، عندي قرص فيه تقريباً خمسمئة كتاب فقه بقرص واحد ، قرص آخر للتفاسير ، قرص آخر للحديث ، قرص آخر للتاريخ ، العلم الآن ميسر بشكل لا يصدق ، دائماً وأبداً ينبغي أن يكون في البيت زاد ثقافي ، بيت ليس فيه كتاب ، ليس فيه شيء يعرفك بالله عز وجل ، ليس فيه كتاب حديث ولا تفسير ولا كتاب سيرة مشكلة ، الأب الواعي يعمل مكتبة في البيت .

مربع نص: ينبغي أن يكون في البيت شيء من اللهو البريء :

القسم الثاني من الدرس ينبغي أن يكون في البيت شيء من اللهو البريء .
" سيدنا حنظلة كما تعلمون حينما رآه الصّديق يبكي سأله : مالك يا حنظلة تبكي ؟ قال : نافق حنظلة ، قال : ولمَ ؟ قال : نكون مع رسول الله ونحن والجنة كهاتين ـ الآن دقق ـ فإذا عافسنا الأهل ننسى ."
جاء إلى البيت ، جلس مع أولاده ، استمع إلى زوجته ، ما ارتكب معصية ، أما هذا التألق الذي كان مع رسول الله فتر ، ذاك التألق فتر ، قال تعالى :
﴿ فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ (7) وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ (8) ﴾
(سورة الشرح)
(( عن حنظلة الأسدي : أنه مر بأبي بكر وهو يبكي ، فقال : مالك؟ قال : نافق حنظلة يا أبا بكر ، نكون عند رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكرنا بالجنة والنار كأنا رأي عين ، فإذا رجعنا ، عافسنا الأزواج والضيعة فنسينا كثيراً ، قال أبو بكر : فالله إنا لكذلك ، فانطلقنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : "مالك يا حنظلة؟" قال : نافق حنظلة يا رسول الله ، وذكر له مثل ما قال لأبي بكر ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "لو تدومون على الحال التي تقومون بها من عندي ، لصافحتكم الملائكة على مجالسكم وفي طرقكم ، ولكن يا حنظلة ساعة وساعة" .))
[مسلم عن حنظلة]
 بصراحة أنت أب يجب أن تكون مرحاً في البيت :
(( أكرموا النساء فإنهن المؤنسات الغاليات .))
[أحمد والطبراني عن عقبة بن عامر]
كان إذا دخل بيته بساماً ضحاكاً ، أعطيك مقياساً علامة أنك أب ناجح أو زوج ناجح أنك إذا دخلت البيت أصبح الأهل في عيد ، بينما الأب غير الناجح إذا دخل البيت صار هناك مأتم ، كلهم سكتوا ، هربوا من وجهه ، ذهبوا إلى غرفهم ، علامة أنك أب سيئ ، وجودك يجب أن يكون محبباً في البيت ، فالوجود المحبب يحتاج إلى مرح ، عوِّد نفسك أن تكون صاحب دعابة في البيت ، لطيفاً ، أن يكون هناك جو من المرح ، من اللهو البريء ، هذا شيء يقوي الإنسان ويشده ، في الجامعة درسنا مادة اسمها الفكاهة في التعليم ، الفكاهة في التعليم لها أثر كبير جداً ، الدرس الذي فيه طرفة يبعث النشاط في الحاضرين ، نجدد النشاط ، أنت كنت معلماً ، كنت مديراً بمؤسسة ، أباً في البيت ، مرشداً في المسجد ، يجب أن تكون مرحاً وأن يأنس بك من حولك ، ظلك خفيف ، لطيف ، لا تفوت فرصة لدعابة ، أنا أرى أن من لوازم النجاح في القيادة أن تكون صاحب دعابة .

مربع نص: أحاديث من السنة الشريفة عن أخلاق النبي الكريم ومداعبته للأولاد :

كان النبي يمزح مع أصحابه ولا يمزح إلا حقاً ، يقول عليه الصلاة والسلام :
((  كل شيء ليس من ذكر الله فهو لهو أو سهو إلا أربع ؛ مشي الرجل بين الغرضين ـ للرمي ـ وتأديبه فرسه وملاعبته أهله وتعليم السباحة)) .
[الطبراني عن عطاء بن رابح]
من الممكن إجراء سباق بين الأولاد إذا كان البيت واسعاً ، أو في بستان ، النبي كان يجري مع الأولاد .
 ((  كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَصُفُّ عَبْدَ اللَّهِ وَعُبَيْدَ اللَّهِ وَكَثِيراً مِنْ بَنِي الْعَبَّاسِ ثُمَّ يَقُولُ : مَنْ سَبَقَ إِلَيَّ فَلَهُ كَذَا وَكَذَا ، قَالَ : فَيَسْتَبِقُونَ إِلَيْهِ فَيَقَعُونَ عَلَى ظَهْرِهِ وَصَدْرِهِ فَيُقَبِّلُهُمْ )) .
[ أحمد عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ]
يوقفهم في صف واحد بعيداً ويقف هو كهدف ويقول : من سبق إلي له كذا وكذا :
((  فَيَسْتَبِقُونَ إِلَيْهِ فَيَقَعُونَ عَلَى ظَهْرِهِ وَصَدْرِهِ فَيُقَبِّلُهُمْ وَيَلْزَمُهُمْ)) .
[ أحمد عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ]
هذا سيد الخلق ، وعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال :
(( رَأَيْتُ الْحَسَنَ بْنَ عَلِيٍّ عَلَى عَاتِقِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فقلت : نعم الفرس تحتكما ، فقال عليه الصلاة والسلام : ونعم الفارسان هما )) .
[أبو يعلى وابن شاهين عَنْ عمر]
(( دخلت على النبي صلى الله عليه وسلم فدعينا إلى طعام فإذا الحسين رضي الله عنه يلعب في الطريق مع صبيان فأسرع النبي أمام القوم ثم بسط يده فجعل يفر ها هنا وها هنا فيضاحكه رسول الله حتى أخذه فجعل إحدى يديه في ذقنه والأخرى بين رأسه وأذنيه ثم اعتنقه وقبله وقال : حسين مني وأنا منه أحب الله من أحبه ، الحسن والحسين سبطان من الأسباط )) .
[الطبراني عن جابر رضي الله عنه ]
يعني ولد الولد ، هذا الإنسان العظيم سيد الخلق يداعب الصغار في الطريق ، يجري معهم ، يسلم عليهم ، يدعوهم لركوب الناقة ، يقول أحد الصحابة الكرام :
(( والله لقد خدمت رسول الله تسع سنين فما أعلمه قال لي قط : لم فعلت كذا وكذا ؟ ولا عاب علي شيئاً قط )) .
[سعيد بن أبي بردة عن أنس]
من أنسه ومن عفوه ومن طيبه ، ومرة أرسل خادماً غاب طويلاً فلما عاد غضب النبي معه سواك فقال النبي الكريم :
(( لولا القصاص لأوجعتك بهذا السواك )) .
[ابن سعد عن أم سلمة]

مربع نص: للأولاد قواعد وخصائص فاستغل هذه الخصائص ودلّهم على الله :

المواقف الجادة المستمرة مملة كهنوت ، ولا كلمة ، ولا حركة ، ما هذه الحياة ؟ طفل يريد أن يلعب ، أن يمزح مع أبيه ، أجمل شيء في الأسرة في حدود ، في مودة ، في لعب ، في مضاحكة ، في ملاعبة ، في مقام ، أما ولا كلمة بوجود الأب ليس هذا ناجحاً ، لذلك ورد عن رسول الله أنه قال :
(( من كان له صبي فليتصابَ له .))
[ابن عساكر عن معاوية]
الآن تعقيب متعلق بوضع المسلمين ؛ أخواننا الكرام ، بشكل مختصر مفيد لا نملك الآن من شيء إلا أولادنا ، هم ثروتنا ، هم مستقبل هذه الأمة ، تسمعون وترون لا أذيع سراً ، هذا الذي أقوله الآن قيل في مؤتمر القمة ، لا نملك شيئاً ، نملك أولادنا هم الورقة الرابحة الوحيدة بين أيدينا ، أي إذا كنت عاجزاً عن كل شيء فلا تعجز عن تربية أولادك ، إذا أصبت بالإحباط في كل شيء فلا تكن محبطاً من أولادك ، أولادك لهم قواعد وخصائص فاستغل هذه الخصائص ، ودلهم على الله ، وحببهم إليك ، عندما يعمل الإنسان ويأتي بدخل يلبي حاجات أهله المشروعة فهو في عبادة ، ولا أنسى كلمة قالها بعض الصحابة : "حبذا المال أصون به عرضي وأتقرب به إلى ربي ."
الطفل حينما تطعمه ، حينما يرتدي ثوباً جيداً ، يرتدي حذاء جيداً ، يأكل ما يشتهي ضمن الشيء المشروع ، فأنت صار عملك عبادة ، لا يمكن أن يكون عملك غير مشروع وتقول لي عملي عبادة ، أيضاً في مبالغات ، والعياذ بالله يكون عمله أساسه معصية ويقول : العمل أليس عبادة ، لا العمل ليس عبادة ، العمل عبادة إذا كان مشروعاً ، وإذا سلكت به الطرق المشروعة ، وإذا ابتغيت به كفاية نفسك وأهلك ونفع المسلمين ينقلب إلى عبادة ، وما شغلك عن درس ، ولا عن فريضة ، ولا عن طاعة ، ولا عن عمل صالح ، انقلب إلى عبادة ، فإذا أتقنتم أعمالكم وكان لكم من هذه الأعمال دخل معقول ، وهذا الدخل أنفقته على أولادك ، وعلى زوجتك ، وشدوا إليك ، وارتبطوا بك ، فكنت معقد آمالهم ، وكان في البيت ود وانسجام ومحبة فهذا كله من جوهر الدين .

والحمد لله رب العالمين


    Powered By Blogger