Banner 468

Facebook
RSS

التربية الاجتماعية ( 5 ) حق الكبير

-
هيـــــــــــمــا ( إبراهيــــــــــم عبدالله قاسم )



بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين ، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا ، إنك أنت العليم الحكيم ، اللهم علمنا ما ينفعنا ، وانفعنا بما علمتنا ، وزدنا علماً ، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه ، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه ، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه ، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين .
أيها الأخوة الكرام ، مع الدرس العشرين من دروس تربية الأولاد في الإسلام ، ولازلنا في مسؤولية الآباء عن تربية أولادهم التربية الاجتماعيّة .


       

وصلنا إلى تلقين الصغار الحقوق المتعلّقة بالوالدين وذوي الرحم ، والمعلّم والمربّي وها نحن أولاء ننتقل اليوم إلى حقِّ الكبير .
صدقوني أيّها الأخوة ما من طفلٍ أو صغيرٍ يرتكب عملاً قبيحاً أشدَّ من أن يتطاول على كبير ، لذلك قد تعجبون أن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم تبرأ ممَن لا يوقر كبيرنا ولا يرحم صغيرنا ولا يعرف لعالمنا حقه .
الإنسان المتطاول على من هو أكبر منه في السن هو إنسانٌ بعيدٌ بعداً شديداً عن  التربية الإسلامية لذلك النبيّ عليه الصلاّة والسلاّم في توجيهاتٍ دقيقةٍ وكثيرة بيّن حقَّ الكبير .
أولاً من هو الكبير ؟ أحد تعاريف الكبير أنّه كبير السن ، فالمتقدّم بالسن كبير ، ولا يمكن لصغير في السن أن يتطاول على كبير مع أنّ العالم شيخٌ ولو كان حدثاً ، والجاهل حدثٌ ولو كان شيخاً ، هذه حقيقة ، العلم يكبِّر الإنسان والجهل يصغّره ، ترى أشخاصاً كباراً في السن حول مهندسٍ شابٍ يأخذون منه التعليمات ، الموافقة ، التوجيهات ، وقد يكون في سنِّ أولادهم ، هم كبار ولكنّهم لم يدرسوا ، فالعالم شيخٌ ولو كان حدثاً والجاهل حدثٌ ولو كان شيخاً ، لكن الكبير هو الكبير في السن مبدئيّاً ، والكبير هو الكبير في العلم ، والكبير هو الكبير في القدر .
في الحياة توجد ثلاث قوى : إمامٌ عادل ، وعالم عامل ، وإنسان كبير في السن ، فالإنسان يُحترم إما لعلمه ، أو إذا كان في منصب وهو يقوم بحقِّ هذا المنصب .
على كلٍ من كان أكبر منك سناً ، أو أكثر منك علماً ، أو أرفع منك تقوى وديناً ، أو أسمى منك جاهاً وكرماً هذا هو الكبير .
ما رأيت أدباً أرفع من أدب أصحاب رسول الله ، سيّدنا العبّاس عمّ رسول الله صلى الله عليه وسلم سُئل : أيكما أكبر ، أنت أم رسول الله ؟ قال : هو أكبر مني وأنا ولدت قبله ، أرأيتم إلى هذا الأدب .


       

أيُّها الأخوة ، روى الترمذي عن أنسٍ رضي الله عنه قال : قال عليه الصلاة والسلام : 
(( ما أكرم شابٌ شيخاً لسنّه إلا قيّض الله له من يكرمه عند سنّه )) .
[الترمذي عن أنس رضي الله عنه]
شابٌ نكرة ، أي شاب أكرم شيخاً ـ أي شيخ كبير في السن ـ بعضهم استنبط استنباطاً لا أدري مبلغه من الصحّة أي إذا أكرمت إنساناً في الثمانين فأبلغ الظن أنّك سوف تصل إلى الثمانين عاماً حسب الحديث ـ هذا استنباط لا أدري مبلغه من الصحّة ـ لكن الإنسان إذا أكرم شيخاً لسنّه قيض الله له من يكرمه عند سنّه .
هل لهذا الحديث معنى مخالف ؟ المعنى العكسي إذا تطاول إنسانٌ على إنسان كبير وهو شاب في ريعان الشباب ، أو قوي ، أو في منصب حسّاس ، وإنسان في سنّ والده تطاول عليه ، اعتدّ بقوّته ، وبمنصبه ، وبسلطته ، تطاول عليه ، الحديث له مفهومٌ معاكسٌ ويسمونه المفهوم المخالف ، وما تطاول شابٌ على شيخٍ استخفافاً به إلا قيّض الله له من يستخفُّ به ومن يهينه في هذا السن .
حدّثني رجل أثق بحديثه ، كان راكباً في قطار ، وقبل أن ينطلق القطار من المحطّة ، غرفته فيها شاب ، صعد إلى هذه الغرفة شيخ وقور ، كبير في السن ، أناس غير مهذّبين أنزلوه بالقوّة وتطاولوا عليه ، هذا الشيخ انكفأ على نفسه ، تألم ، وأظنُّ أنّه بكى ، الذي حدّثني بهذه القصّة أخذ هذا الشيخ إلى غرفةٍ أخرى في القطار وأكرمه ، وأراد أن ينسيه هذه المأساة ، فما كان من هذا الشيخ إلا أنّ قال : والله في هذا المكان بالذات كنت شاباً وتطاولت على رجل كبير في السن .
العوام يروون قصصاً كثيرة جداً وأنا أصدّقها ، مثلاً بهذا المكان ضرب والده ، وبنفس المكان ابنه ضربه :
(( ما أكرم شابٌ شيخاً لسنّه إلا قيّض الله له من يكرمه عند سنّه )) .
[الترمذي عن أنس رضي الله عنه]
بالمقابل لا يتطاول شاب على إنسان كبير في السن ، على والده ، بالكلام أو بالضرب إلا سوف يدفع الثمن باهظاً .
(( البرُّ لا يبلى ، والذنب لا ينسى ، والديّان لا يموت ، اعمل ما شئت كما تدين تدان .))
[عبد الرزاق والبيهقى في الزهد عن أبى قلابة مرسلاً]
ذكرت لكم مرّة قصّة رجل عادي جداً بل أقل من العادي وله أولاد عاديّون وأقلّ من عاديين ، ليس له ميّزة وليس لهم فضل ، لكن هذا الرجل فقد حركته وأصيب بالشلل ، فنهض أولاده الشباب الذين هم أبناؤه وخدموه خدمةً لا يمكن تصورها ، وكان لهم قريبٌ يلحظ هذه الخدمة قال لي : بقيت سنة وأنا أعجب لهذه الخدمة ، لا الرجل المخدوم من العلم والقدر والكرامة والعطاء والتضحية والمؤاثرة بحيث يستحقّ هذه الخدمة ، ولا هؤلاء الشباب من العلم والتقى والورع بحيث ينطلقون من إيمانهم بهذه الخدمة ، فقال لي هذا الرجل : والله بقيت عاماً وأنا أتساءل ما سرّ هذه الخدمة ؟!! ثم بعد ذلك اكتشف أنّ هذا الرجل المشلول رعى أمّه  خير رعاية حينما أصيبت بفالجٍ أقعدها الفراش . ربّنا عزَّ وجلَّ تجاوزاً لطبيعة الشباب وطبيعة الأب دفع هؤلاء الشباب لخدمة أبيهم ، أي بالتعبير الدقيق الحياة دينٌ ووفاء .


       

قال عليه الصلاة والسلام :
(( ليس منّا من لم يرحم صغيرنا ويعرف حقَّ كبيرنا )).
[الترمذي عن عمروٌ بن شعيب عن أبيه عن جدّه رضي الله عنهم ]
ليس منّا ، وهذه الأحاديث كلمة (ليس منّا) تشير إلى أنّها كبيرة ، من مقاييس الكبائر أن يتبرّأ النبيّ من نسبة هذا الإنسان إليه : (ليس منّا) ، فإذا قرأتم في الجامع الصغير : (ليس منّا) اثنا عشر حديثاً تقريباً ، عبارة (ليس منّا) خطيرة جداً ، تعني أنّ هذا الشيء من الكبائر :
(( ليس منا من دعا إلى عصبية وليس منا من قاتل على عصبية )) .
[أبو داود عن جبير بن مطعم]
(( ليس منا من خبب امرأة على زوجها أو عبدا على سيده )) .
[أبو داود ، والحاكم ، والبيهقي عن أبى هريرة]
 (( ليس منّا من لم يرحم صغيرنا ويعرف حقَّ كبيرنا )).
[الترمذي عن عمروٌ بن شعيب عن أبيه عن جدّه رضي الله عنهم ]
 (( إنّ من إجلال الله تعالى إكرام ذي الشيبة المسلم ، وحامل القرآن غير الغالي فيه ولا الجافي عنه ، وإكرام ذي السلطان المقسط )).
[أبو داود عن أبي موسى رضي الله عنه ]
من إجلال الله تعالى أن تكرّم كبيراً في السن ، ذا شيبة ، مسلم ، طبعاً القصد مسلماً ، أمّا إذا كان فاجراً ، فاسقاً ، غارقاً في الزنا ، في شرب الخمر ، فهذا موضوع ثان ، أمّا الحديث فيما بين المسلمين .
يعني إكرام حامل القرآن غير الغالي فيه ، أي أنّ بعض الناس يحفظون كتاب الله ولكنّهم يحتقرون الآخرين ، القرآن يهذّب الإنسان ، الإنسان إذا حفظ كتاب الله ، أو كان ماهراً به ، أو فهمه فهماً عميقاً ، أو فسّره فلا ينبغي أن يستعلي على خلق الله ، وحامل القرآن غير العالي فيه ولا الجافي عنه ، الجافي عنه : أي تركه وانشغل بأمور الدنيا .
إكرام ذي السلطان المقسط : أي أنت موجود في قريّة ومدير الناحية رجل مستقيمٌ ليس له أي عمل سيّء ، فلا داعي إلى أن تتجاهله أو لا تبالي به ، ما دام يقوم بعمله ويرعى أمور هذه القرية ، قائم مقام مثلاً ، أو أنت بمكان ودخل المحافظ مثلاً فلا مانع من أن تحترمه وتقف له ، هذا شيء ضمن الآداب الإسلاميّة أن تكرم ذي السلطان المقسط .





بالمناسبة فقد ورد أن :
((العدل حسن ولكن في الأمراء أحسن ، السخاء حسن ولكن في الأنبياء أحسن ، الورع حسن ولكن في العلماء أحسن ، الصبر حسن ولكن في الفقراء أحسن ، التوبة حسن ولكن في الشباب أحسن ، الحياء حسن ولكن في النساء أحسن . ))
[ الديلمي عن جابر بن عبد الله ]
أي أنّ ألزم صفة للأمير هي أن يكون عادلاً ، العالم ورع ، الأمير عدل ، الغني سخاء ، الفقير صبر ، الشاب توبة ، المرأة حياء ، أي أجمل ما في المرأة حياؤها قال تعالى :
﴿ فَجَاءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ قَالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا فَلَمَّا جَاءَهُ وَقَصَّ عَلَيْهِ الْقَصَصَ قَالَ لَا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (25) ﴾
 ( سورة القصص )
من علامات قيام الساعة أن ترفع النخوة من رؤوس الرجال ، وينزع الحياء من وجوه النساء ، الآن يُعقد مؤتمر بمصر ، هذا المؤتمر من اللائحة التي عقد من أجلها أن الدول الفقيرة عليها أن تصدر تشريعات تبيح الزنا واللواط والسحاق ، وتمنع الأب من محاسبة أولاده قبل البلوغ من ممارسة الجنس ، وتبيح الإجهاض بلا قيد أو شرط ، وتلزم من يمارسون الجنس باستعمال الواقي ، هكذا يريدون .
الإنسان إذا انحلّت أخلاقه انتهى ، طبعاً قد قاطعت بعض الدول هذا المؤتمر الذي له ضجّة كبيرة ، كي نحلّ مشاكلنا الاقتصاديّة يجب أن نسمح باللواط والسحاق والزنا والإجهاض لكي نحل مشاكلنا الاقتصادية ، هكذا يريدون لنا .
تجاهل لديننا ، تجاهل لهذا المنهج الإلهي ، ولكن أنا والله متفائل هذا المؤتمر كاللقاح تماماً ، أي يثير في المسلم نخوته ، ويثير فيه تمسُّكه بدينه .
(( إنّ من إجلال الله تعالى إكرام ذي الشيبة المسلم ، وحامل القرآن غير الغالي فيه ولا الجافي عنه ، وإكرام ذي السلطان المقسط )).
[أبو داود عن أبي موسى رضي الله عنه ]
هناك أُسر تعيش وفق المنهج الإلهي ، أسر نظيفة ، أولاد ينشؤون في طاعة الله ، ينشؤون على الحياء والعفّة ، ينصرفون إلى طلب العلم ، إلى بناء مستقبلهم ، إذا في أزمةً اقتصاديّة تعالج بطريقة أخرى ، تعالج بمضاعفة الدخل ، تعالج بضبط النفقات ، تعالج بإصلاح الأراضي ، تعالج باستغلال الثروات الموجودة في باطن الأرض ، فيوجد في أكثر من ألف حل ، أيعقل أن يكون هذا الحل المعروض في المؤتمر هو حل لمشكلاتنا ؟!! هكذا أرادوا لنا لكنّهم لن ينجحوا .


       

 (( عائشة رضي الله عنها مرَّ بها سائل فأعطته كِسرةً ـ أي قطعة خبزٍ ـ ومرَّ بها رجل عليه ثيابٌ وهيئة فأقعدته فأكل ، فقيل لها في ذلك فقالت : قال عليه الصلاة والسلام : أنزلوا الناس منازلهم )) .
[أبو داود عن ميمون عن أبي شديد رضي الله عنهم ]
وفي روايةٍ : 
(( أمرنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم : أن ننزل الناس منازلهم )).
[أبو داود عن عائشة رضي الله عنها ]
طبعاً بماذا ننزل هذا الكبير منزلته ؟ قال : أن يستشار في الأمور الاستشارية ، وأن يقدَّم في المجلس ، وأن يبدأُ به بالضيافة تحقيقاً لقول النبيّ عليه الصلاة والسلام :
أنزلوا الناس منازلهم )) .
[أبو داود عن ميمون عن أبي شديد رضي الله عنهم ]
فقد ورد أنّ النبيّ صلّى الله عليه وسلّم قدم عليه وفدُ عبد قيس وهم يقولون : قدمنا على النبيّ صلّى الله عليه وسلّم فاشتدَّ فرحه ، فلمّا انتهينا إلى القوم أوسعوا لنا فقعدنا ، فرحّب بنا النبيّ صلّى الله عليه وسلّم ودعانا ، ثمّ نظر إلينا فقال : من سيّدكم وزعيمكم ؟ فأشرنا جميعنا إلى المنذر بن عائد ، فلما دنا منه المنذر أوسع القوم له حتى انتهى إلى النبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقعد عن يمين رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ، فرحّب به وألطفه ، وسأله عن بلادهم .
النبي قبل وفداً من دون رئيس ، قبل وفداً ليس رئيسهم ، جلس إلى يمين النبي ، من زعيمكم ؟ من سيّدكم ؟ أشرنا إلى المنذر بن عائد ، فلمّا دنا من النبيُّ عليه الصلاة والسلام قعد على يمين رسول الله تكريماً له .
معنى ذلك : من آداب الإسلام أن يحترم وأن يبجّل الكبير ، الكبير في السن ، الكبير في المنصب ، الكبير في العلم طبعاً ، وإكرام ذي السلطان المقسط ، أي هذا الإنسان العادل المستقيم المتواضع هذا يُكَرَّم ، وعالم وكبير في السن يُكَرَّم ، لم يرد الغني هنا في هذا الحديث ولكن ورد فقط إمام مقسط ، وعالم ، وكبير في السن ، هؤلاء يقدّمون في المجالس ، يقدّمون في الضيافة ، هؤلاء يُستشارون ، هؤلاء يُحترمون ، هؤلاء يجلسون في صدر المجلس .


       

قال : الكبير ينبغي أن يقدّم في صلاة الجماعة ، وفي التحدُّث إلى الناس ، وفي الأخذ والعطاء ، أحياناً نقوم بتوزيع الهدايا على الطلاّب ، فإذا وجد إنسان ضيفٌ من ضيوف المسجد ، عالم جليل ، فنجعل التوزيع على يدِّ هذا العالم ، إنسان له سابقة في الإسلام فنجعل التوزيع على يده .
(( كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يمسح مناكبنا في الصلاة ويقول : استووا ولا تختلفوا فتختلف قلوبكم )).
[مسلم عن أبي مسعود رضي الله عنهم ]
النبيّ عليه الصلاة والسلام كان يستقبل وفداً فتكلّم من هو صغيرٌ في السن فقال عليه الصلاة والسلام : 
(( كبّر كبِّر )).
[البخاري ، ومسلم ، وأبو داود عن سهل بن أبى حثمة]
أي ليتكلّم الأكبر سنّاً ، أحاديث كثيرة ، النبيُّ عليه الصلاة والسلام نبّه إلى أنّه من الخطأ الكبير بل من الكبائر أن يهزأ الصغير من الكبير ، أن يسخر منه ، أن يوجّه إليه كلاماً سيّئاً ، أن يسيء الأدب في حضرته ، أن ينهره في وجهه :
((ثلاثٌ لا يستخفُّ بهم إلا منافق الشيبة في الإسلام ، وذو العلم ، وإمامٌ مقسط )).
[الطبرانيُّ في الكبير عن أبي أُمامة رضي الله عنهم ]
ألا تتذكرون أحياناً أطفال من المدارس ذوي تربية سيّئة جداً إذا مرَّ إنسانٌ كبيرٌ أمامهم يقلّدونه ويستهزؤون به ، هذا الشيء وارد وهو من ضعف التربية ومن سوء التربية .


       

الآن يتفرّع عن توقير الكبير : الحياء ، الحياء خلق في المسلم يمنعه من فعل القبيح ، يمنعه من التقصير في حقِّ الكبير ، يدفعه إلى إعطاء كلِّ ذي حقٍ حقّه ، لهذا قال عليه الصلاة والسلام :
(( أنّ الحياءَ خيرٌ كُلُّه )).
[متفق عليه عن عمران بن حصين]
الحياء كلُّه خير ، بالمناسبة هل يوجد فرق بين الحياء والخجل ؟ الخجل مرض وهو نقيصة بالإنسان ، الإنسان يخجل من قول الحقيقة ، مظلوم ولكنّه ليس مذنباً وخاف أن يتكلّم ، فهذا خجل والخجل مرض ، خجل أن يطالب بحقّه ، خجل أن يبيّن الحقيقة ، خجل أن يواجّه الناس ، خجل أن ينصح ، الخجل شعور بالنقص ، هذا يجب أن يقاوم ، أما الحياء شيء آخر ، فالحياء فضيلة ، أما الخجل نقيصة بالإنسان .
هناك أشخاص لا يطالبون بحقّهم فتكون الواقعة على عكس ما قيل ويظلّ ساكتاً ، تكلّم ما دمت لم تفعل هذا لماذا سكتّ ؟ خاف ، هذا خجل ، يقول عليه الصلاة والسلام : 
(( يَا عَائِشَةُ لَوْ كَانَ الْحَيَاءُ رَجُلًا كَانَ رَجُلًا صَالِحًا ، وَلَوْ كَانَ الْفُحْشُ رَجُلًا كَانَ رَجُلَ سُوءٍ .))
[الطَّبَرَانِيُّ فِي الصَّغِيرِ وَالْأَوْسَطِ وَأَبُو الشَّيْخِ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا]
بصراحة أقول لكم : والله هذا لا أصدقه أبداً ، مؤمن يمزح مزاحاً جنسيّاً ، يتكلّم بالعورات ، يسبّ سباباً مقزعاً ، مستحيل :
(( ليس المؤمِن بالسّبّابِ ولا باللّعَّان ولا بالفاحِش ولا البذيء.)) 
[أحمد والبخاري والترمذي عن ابن مسعود]
تعيش معه ثلاثين أربعين سنة فلا تلقى كلمة منه تجرح الحياء ، فالنبيُّ قال : يا بنيّتي إنّ هذه الثياب تصفُ حجم عظامك .
 تصف حجم عظامك ، اختار كلمة لا تجرح الحياء أبداً ، فالإنسان أحياناً يتكلّم عن أهله ، يحكي اسم زوجته ، قل : أهلي ، أهل البيت ،  بناتي . يتكلّم عما يجري بينه وبين امرأته من حديث أحياناً ، يصف أحياناً زوجته أمام الآخرين ، طبعاً يصف عنايتها بطبخها عنايتها بالبيت ، فمن عدم اللباقة والحكمة أن ينقل الإنسان للآخرين خصوصيّاته .
(( يَا عَائِشَةُ لَوْ كَانَ الْحَيَاءُ رَجُلًا كَانَ رَجُلًا صَالِحًا ، وَلَوْ كَانَ الْفُحْشُ رَجُلًا كَانَ رَجُلَ سُوءٍ .))
[الطَّبَرَانِيُّ فِي الصَّغِيرِ وَالْأَوْسَطِ وَأَبُو الشَّيْخِ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا]




يقول عليه الصلاة والسلام : 
(( ما كان الفُحش في شيءٍ إلا شانه ، وما كان الحياء في شيء إلا زانه .))
[ الترمذي عن أنس رضي الله عنه]
أنا ألاحظ ملاحظة أن أخواننا روّاد المساجد طلاّب العلم لهم سمتاً حسناً ، أينما جلسوا ، بأعمالهم ، ببيوتهم ، مع أصدقائهم ، بنزهاتهم ، بلقاءاتهم ، باحتفالاتهم ، يمزح ويتكلّم لبقاً ولطيفاً ، ولكن لا توجد عنده كلمةً تجرح الحياء  .
تجد البعض كلامه مقذعٌ ، كلام فيه وقاحة ، وكلام فيه سُباب ،  كلام ملغوم ، كلام مغشوش ، تجد أشخاصاً كيفما تكلّموا يغشوا الكلام ، فأيّ عبارة يقولها يعني بها شيئاً آخر ، هذا ليس من أخلاق المؤمن ، ما أقوله لكم كلام دقيق فمؤمن يستخدم عبارات تجرح الحياء ؟ هذا شيء مستحيل ، يقول عليه الصلاة والسلام : 
(( ما كان الفُحش في شيءٍ إلا شانه ، وما كان الحياء في شيء إلا زانه .))
[ الترمذي عن أنس رضي الله عنه]
 (( إنّ لكلّ دينٍ خلقاً ، وخلُق الإسلام الحياء )).
[مالك وابن ماجة عن زيد بن طلحة]
تجد المؤمن ببيته غير متبذِّل ، التبذُّل في البيت ليس من الإيمان في شيء ، حتّى في الثياب ، فهل من الممكن أن يقوم الإنسان بارتداء ثيابٍ داخليّة أمام بناته مثلاً ؟ أو أمام أخته ؟ الأخت أمام أخيها تكون بثياب متبذِّلة ؟ هذا كلُّه من قلّة الحياء .


       

المسلم منضبط ، المسلم ضمن البيت وخارج البيت منضبط ، فالتعرّي دليل التوحُّش ، فكلّما كان التعرّي موجوداً فهذا دليل التوحُّش :
﴿ يَا بَنِي آَدَمَ قَدْ أَنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاساً يُوَارِي سَوْأتِكُمْ وَرِيشاً وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ ذَلِكَ مِنْ آَيَاتِ اللَّهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ (26) ﴾
( سورة الأعراف )
معنى هذا الثياب دليل على التحضُّر والرقيّ ، والتعرّي دليل تخلُّف .
(( الحياء شعبةٌ من الإيمان )).
[متفق عليه عن عمران بن حصين]
أي الحياء لا يأتي إلا بخير ، فنحن نقول : توقير الكبير ، التوقير من لوازمه الحياء ، عندما يستحي الصغير من الكبير فقد وقّره أمّا لو استخفَّ فيه ، تلاحظ أحياناً بالمركبات العامّة طفلاً جالساً على مقعد وإنساناً كبيراً واقفاً ومتمسّكاً وسوف يقع والطفل جالس ‍،‍ فالطفل يجب عليه أن يقف على الفور ، وحتّى لو قام بحمل حاجة الكبير فهذا أكمل .
((لقد كنت على عهد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم غلاماً فكنت أحفظ عنه فما يمنعني من القول إلا أنّ هاهنا رجالاً هم أسنُّ منّي )).
[متفق عليه عن أبي سعيد رضي الله عنه]
النبيّ يسأل سؤالاً والغلام يعرف الجواب لذاكرته القويّة لكنّه يخجل ، يستحي أن يتكلّم لوجود من هو أسنّ منه في المجلس ، هكذا كان يقول أحد الصحابة .


       

يروي البخاري وأبو داود والترمذيّ عن عائشة رضي الله عنها قالت : 
(( ما رأيت أحدا أشبه سمتاً ودلاً وهدياً برسول الله في قيامها وقعودها من فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قالت : وكانت إذا دخلت على النبي صلى الله عليه وسلم قام إليها فقبلها وأجلسها في مجلسه ، وكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا دخل عليها قامت من مجلسها فقبلته وأجلسته في مجلسها .))
[البخاري وأبو داود والترمذيّ عن عائشة رضي الله عنها]
هذا هو الأدب ، قال : يا رسول الله ما هذا الأدب !! قال :
(( أدبني ربّي فأحسن تأديبي .))
[رواه العسكري عن علي رضي الله عنه]
الشيء الصارخ بالمؤمن هو أدبه ، فالمؤمن إنسان كسائر البشر له عينان وأذنان وأنف ورأس وجذع وأطراف ، لكن المظهر الصارخ له أدبه ، أدبه في مشيه ، أدبه في جلوسه ، في شرب الماء ، في طعامه ، في نومه ، حتى في قيادة مركبته ، هناك جلسة فيها أدب وجلسة فيها كبر ، تجد السائقين يسبون بعضهم من قلّة الأدب .
كان عليه الصلاة والسلام يحدّثنا فإذا قام قمنا قياماً حتى نراه دخل إلى بعض أزواجه .
(( كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَجْلِسُ مَعَنَا فِي الْمَجْلِسِ يُحَدِّثُنَا فَإِذَا قَامَ قُمْنَا قِيَامًا حَتَّى نَرَاهُ قَدْ دَخَلَ بُيُوتَ أَزْوَاجِهِ .))
[أَبُو دَاوُد عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ]
الصحابة الكرام وقروا النبيّ توقيراً لا حدود له .
النبيّ عليه الصلاة والسلام كان جالساً فأقبل أبوه من الرضاعة ، فوضع له بعض ثوبه فقعد عليه ، ثم أقبلت أمّه من الرضاعة ـ السيّدة حليمة السعديّة ـ فوضع لها شقّ ثوبه من الجانب الآخر فجلست عليه ، ثم أقبل أخوه من الرضاعة فقام عليه الصلاة والسلام فأجلسه في مكانه ، كلّهم من الرضاعة فكيف حقيقةً ، والده من الرضاعة مدّ له طرف ثوبه ، والدته من الرضاعة مدّ لها طرف ثوبه الآخر ، جاء أخوه أجلسه مكانه .
(( سعد بن معاذ رضي الله عنه لمّا دنا إلى  المسجد قال عليه الصلاة والسلام : قوموا إلى سيّدكم أو خيركم )).
[متفق عليه عن أبي سعيد الخدري]
أي أنّ النبي أمر أصحابه في حضرته أن يقوموا لسيّدنا سعد ، فهو سيّد الأنصار ، حتى يجعل لكلّ إنسان مكانه . 


       

الإنسان يتجاهل أي إنسان حوله أمّا العظماء ، فسيّدنا رسول الله اللهمّ صلّي عليه مع أنّه سيّد العظماء لكنّه لم يتجاهل من حوله من الصحابة الكرام أعطى كلّ واحد منهم حقّه ، فقد قال لسيدنا معاذ : 
(( يا معاذ إنّي أحبُّك في الله . ))
[أبو داود عن معاذ]
وقال : 
(( ارمِ سعد فداك أبي وأمّي . ))


[متفق عليه عن علي رضي الله عنه]
 دخل سيّدنا سعد قال : 
(( هذا خالي فليرني امرؤ خاله .))
[الترمذي عن جابر بن عبد الله]
وقال : 
(( لكل أُمَّةٍ أمينٌ وأمين هذه الأمَّة أبُو عبيدة بْنُ الْجَرَّاحِ .))
[متفق عليه عن أنس بن مالك رضي الله عنه]
وقال : 
 (( خالد بن الوليد سيف من سيوف الله .))
[ البغوي عن عبد الله بن جعفر]
وقال : ما ساءني قط ، وأيضاً :
(( ما طلعت شمس ولا غربت على أحد بعد النبيين والمرسلين أفضل من أبي بكر )).
[كنز العمال عن أبي الدرداء]
سيدنا عمر : 
(( لو كان نبيٌ بعدي لكان عمر )).
[أحمد والترمذي عن عقبة بن نافع]
سيدنا عثمان : 
(( ألا استحي من رجل تستحي منه الملائكة )).
[متفق عليه عن عائشة رضي الله عنها]
وعن سيدنا عليّ قال : 
(( أنا مدينة العلم وعليٌ بابها )).
[الطبراني في الكبير عن ابن عباس]
أي أنّه لا يوجد صحابي إلا والنبيّ الكريم أعطاه صفته الحقيقيّة ، وهي من عظمة رسول الله ، مع أنّ الأقوياء لا يذكر معهم أحد إطلاقاً ، وكلّ إنسان معهم مطموس المكانة ، لكن النبيّ الكريم مع أنّه أعظم خلق الله لكنّه أعطى كلّ صحابي حقّه . 




أحد الصحابة سيّدنا كعب بن مالك عندما قصّ علينا خبر تخلُّفه في تبوك وبعد أن تاب عليه الله عزَّ وجلَّ قال : انطلقت أتأمم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم تلقّاني الناس فوجاً فَوجاً يهنّئونني بالتوبة ويقولون : لتهنئك توبة الله عليك ، حتى دخلت المسجد فإذا برسول الله صلّى الله عليه وسلّم جالسٌ حوله الناس ، فقام إليّ طلحة بن عبيد الله رضي الله عنه يهرول حتى صافحني وهنّأني .
استدلّ العلماء من هذا أنّ تكريم المؤمن العالم ، أو الكبير ، تكريم ذي الشيبة المسلم ، تكريم الإمام المقسط ، أن تقوم له تكريماً فهذا مقبول وهذا العمل من السنّة ، إلا أنّ النبيّ عليه الصلاة والسلام قال :
(( لا تقوموا كما تقوم الأعاجم )).
[ أبو داود عن أبي أمامة ]
هذا الحديث له معنى آخر ، قالوا : من أراد أن يتمثّل الناس له قياماً يجب ألا تقوم له ، المتكبّر الذي يفرض على الناس أن يحترموه بالقوّة هذا متكبر ، هذا يريد التكريم لذاته ، هذا لا تقوم له ، أو إنّهم ما قاموا إلى مرتبته العلميّة قاموا إلى ذاته خوفاً من بطشه ، طمعاً بماله ، فإذا كان التكريم طمعاً بالمال أو خوفاً من البطش هذا خلاف السُّنة ، أمّا إذا كرّمت إنساناً حاملاً لكتاب الله ، فو الله أنا ذات مرّة أخ أصغر مني في السنّ بكثير ولكنّه حافظٌ لكتاب الله ركب معي بالمركبة فلمّا أوصلته نزلت من الباب وودّعته واقفاً ، وهو أصغر مني سناً فهذا يحمل كلام الله ، فلا مانع من أن تكرّم إنساناً حافظاً لكتاب الله ولو كان أصغر منك سناً .
أما إن كرّمت إنساناً خوفاً منه أو طمعاً في ماله هذا قال عنه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم : 
(( من دخل على غني فتضعضع له ذهب ثلثا دينه )).
[الخطيب عن ابن مسعود]


       

ورد :
(( أنّ زيد بن ثابت قُرِّبت له دابّةً ليركبها فأخذ ابن عبّاسٍ رضي الله عنهما بركابها ، فقال زيد : تنحّ يا ابن عمّ رسول الله . فقال : هكذا أُمرنا أن نفعل بكبرائنا وعلمائنا . فقال زيد : أرني يدك . فأخرج يده فقبّلها فقال : هكذا أُمرنا أن نفعل بأهل بيت نبيّنا )).
[ابن عساكر عن أبي عمّار]
الأول قدم ركاب الدابة لسيدنا زيد بن ثابت وهو ابن عباس ابن عم رسول الله ،  وقال له : هكذا أمرنا أن نفعل بكبرائنا وعلمائنا ، والثاني قال له : أرني يدك فقبّلها ، وقال : هكذا أمرنا أن نفعل بأهل بيت نبينا .
أي لو وجدّت مؤمنين يتعاملان دائماً تجد كلّ واحد منهما يقدّم للآخر أحسن كلمة وأجمل حركة ، كأن يقدّم له محلّه ، ويؤاثره ، ويحترمه ، ويصافحه ، ويقبّله أحياناً إذا كان مسافراً ، العلاقات الإيمانيّة علاقات راقية جداً .
أخواننا الكرام ، الحياة جميلة بالمودّة والمحبّة والاحترام والأدب والعفّة وطهارة اللسان :
 ((لا يستقيم إيمان عبدٍ حتى يستقيم قلبه ، ولا يستقيم قلبه حتى يستقيم لسانه .))
[أحمد عن أنس بن مالك رضي الله عنه]
الشيء الذي يبدو في المؤمن نظافة لسانه ، وكما قلت قبل قليل المؤمن يعيش ثلاثين سنة في سفر ، في حضر ، في بيته ، في وليمة ، في نزهة ، في مسجد ، في جامع ، في لقاء ، لا يمكن أن يتكلّم بكلمة فاحشة ، أو بكلمة بذيئة ، أو بكلمة ملغومة ، أو بكلمة مغشوشة ، أو يذكر اسم العورات بأسمائها الفاضحة ، أمّا هذا الذي يتكلّم بكلمات فاحشة ، ويسمّي الأشياء بأسمائها الوقحة السوقيّة هذا بعيد عن ذوق الإيمان :
(( ليس المؤمِن بالسّبّابِ ولا باللّعَّان ولا بالفاحِش ولا البذيء.)) 
[أحمد والبخاري والترمذي عن ابن مسعود]
صار معنى الكبير بحسب الدرس هو كبير السن ، طبعاً من المسلمين ، والحديث فيما بين المسلمين الكبير كبير السن ، و الكبير كبير العلم ، والكبير الإمام العادل ، مدير مدرسة وأنت معلّم عنده هل يجب أن تتطاول عليه ؟ لم يبدر منه شيء ، فهو رجل يقوم على خدمة الطلاّب ، مدير مشفى وأنت طبيب ناشئ فإذا رأيته دخل عليك فقم وقف له ، فهذا ضمن عملك ، فاحترام مدير مشفى ، مدير ثانويّة ، مدير جامعة ، أو أستاذ جامعة مثلاً ، مدير معمل ، مدير ناحية ، احترام إنسان مستقيم منصف عادل هذا ليس فيه أي إهانة لك أبداً ، فأحياناً بعض الناس يصنع لنفسه بطولات ويقول : استطعت أن أهينه ، فإذا قلت له : هل عمل لك شيئاً ؟ يقول : لا ، ولكنني أهنته . لماذا أهنته وما هذه الأخلاق الشرسة ؟! 


       

إذا وجد إنسان له منصب ، مكانة ، و يسيء لك ، أو يظلم ، أو يتجاوز حدّه فهل تبني مجدك على إهانته ؟ كثيراً ما أسمع هذه البطولات بقولهم : لم أقف له ، لم أسلّم عليه ، فهل عمل معك شيئاً ؟ يقول : لا ، لم يعمل معي شيء ، إذاً لماذا لم تحترمه فهذا مدير عام ؟ بالمناسبة إذا كنت موظفاً في مؤسسة ولها مدير عام ، فاحترامك له هذا ضمن إيمانك وضمن إسلامك ، لا يخدش مكانتك أن تحترمه ، فالله قد جعله مديراً عاماً ، وهو أكبر سناً ، أو أكثر علماً .
أما أن يعظّم الغنيُّ لماله فهذا من النفاق ، أن يعظّم القويُّ لقوّته فهذا من النفاق ، أن يعظّم القويُّ خوفاً من بطشه فهذا من الشرك ، إذا عظّمت القوي فوق الحدّ المعقول خوفاً من بطشه فهذا شرك .
أنا أتمنّى من أخواننا الكرام أنّ يربوا أولادهم على هذا الأدب ، فإذا جاء به إلى المسجد ، الطفل قد يركض في المسجد ، يعلو صوته ، يضحك ، يضطجع على السجّاد ، فأين والده ؟ المفروض أن يتعلّم الأدب ، فو الله نحن نحبّ كلّ الصغار ، فعندما أرى أخاً مع ابنه فو الله أسعد به ، لأنّ هذا الابن عندما ينشأ على المجيء لبيوت الله عزَّ وجلَّ هذا مكانه الطبيعي ، فأنا أتمنّى من كل أخ كريم أن يحضر معه ابنه حتّى يألف الطفل المسجد ، وأحب أن يكون مكرّماً جداً ، وأتمنى إذا حضر أحد مع ابنه أن تبتسموا في وجه الابن ، وإذا كان معك شيء من الحلوى أعطها له ، واسأله عن أبيه ، فيشعر بمكانته في المسجد ، فالنبيّ الكريم كان يسلّم على الصبيان ويقول : 
((  السلام عليكم يا صبيان )).
[ابن ماجة عن أنس رضي الله عنه]
أحياناً تكون سائراً بحارتك ، تجد أحياناً طفلاً صغيراً هو الذي يسلّم على الكبار ، فهذا شيء جميل ويجب عليك أن لا تتجاهله فقل له : وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته ، ما اسمك يا بني ؟ ومن هو والدك ؟ بارك الله بك ، فخذ اسمه واسأله عن والده فهو قد ألقى عليك السلام ، وإذا كنت خارجاً من مدخل بناية ورأيت طفلاً فقل له : السلام عليكم ، ولو كان صغيراً ، هكذا الإسلام ، من لوازم المؤمن السلام ، سلّم على الصغير وعلى الكبير ، على من تعرف ومن لم تعرف ، مثلما تكلّمنا في الدرس الماضي هذا حقّ الكبير ، من صفات المؤمن توقير الكبير وليس منّا من لم يوقّر كبيرنا .


       

أرجو الله سبحانه وتعالى أن تترجم هذه الحقائق وتلك التوجيهات النبويّة ، وهذه الأحاديث الشريفة ، إلى واقعٍ نعيشه ، ففي الحقيقة الأب إذا أراد أن يوجّه ففي ذلك جهد ، تجد ابنه يرتكب غلط واثنان والأب ساكت لا يتكلّم ، فالابن ليس له ذنب لأنّه لم يتعلّم ، وإذا لم يتعلّم فمن يعلّمه غير أبيه ؟! أما إذا حضر الأب لمجلس علم وتلقّى هذه المبادئ ورأى ابنه لم يسلّم على الكبير فيقول له : سلّم يا بني ، أحياناً يدخل الابن على ضيوف أبيه وينظر لهم دون مبالاة ، لذلك يجب أن تسلّم وتقول : السلام عليكم .
أحياناً بالعكس يكون عند أبيه أكثر من ثلاثين شخصاً والحديث مهمٌّ فيصافحهم واحداً وَاحداً فمكن في هذه الحالة أن تقول له : يا بني سلّم واقعد ، بأن يقول : السلام عليكم ثم يجلس ، أو يكون عنده ست أولاد وكلّما دخل واحداً منهم يصافحوا الحضور واحداً وَاحداً والكل يقفوا لهم ، لذلك يجب إذا دخل الابن أن يقول : السلام عليكم ثم يجلس ، أما إذا وجد ضيف واحد ودخل الابن فعليه أن يسلّم عليه .
علّم ابنك أن يسلّم ويحترم ويقدّم الضيافة بنفسه ، فبعض الأبناء عندهم نباهة وبدون إشارة من أبيهم يقومون على الفور بتقديم الضيافة للضيف ، فهذا شيء جميل أن يعرف الابن حقّ الضيف .
أحياناً يكون الأب غير موجود في البيت ولك إخوة أكبر منك ويأتي صديق والدك أو زميله أو رجل معروف ولـه قيمته ، يقول له : ليس موجوداً ، وابن آخر يقول : تفضّل وانتظر ، الآن سنخبره ليأتي سريعاً ، ويقوم الابن بتقديم الضيافة له ، يجب أن تعلّم ابنك كيف يستقبل الضيف ؟ كيف يودّع الضيف ؟ أحياناً يقدّم الضيافة من فوق رأس الضيف ، أو يسلّم على الضيف فيوقع فوقه الشراب .


       

القصد أن تعلّم أولادك الأدب مع الكبير ، استقبال الضيف ، أو إذا دخل عمّه للبيت فالعم كما قال النبي والد ، فالمفروض أن تعرّف ولدك على أهله ، وتأخذه معك في الأعياد ، ويرى عمومه وأخواله كلّهم ، وتذهب إلى كل بيت من بيوت أقربائه كأولاد خاله وأولاد خالته حتى يعرف الطفل من هم أهله ، أحياناً يقول لي أحدهم : والله لا أعرف من هم أولاد عمّي ، هذه قطيعة ، لا يعرفون بعضهم البعض ، ففي الحقيقة محبّة الآباء تورث محبّة الأبناء ، وبصراحة إذا الإنسان أحبّ شخصاً يحبّ أولاده ، فالأولاد مثل الشخص ، فالنبي قد وجّهنا توجيهاً أن لا يقطع أحدنا أهل ودّ أبيه : 
(( احفظ وُدَّ أبيك لا تقطعه فيطفئ الله نورك .))
[البخاري والطبراني والبيهقي عن ابن عمر]
 عندما سأل النبيّ أحد الصحابة قائلاً : أبقي عليّ من برِّ والديّ شيء ؟ قال له : نعم أن تصل صديقهما .
أصدقاء الوالد يجب أن تبقى على صلة بهم ، أرجو الله سبحانه وتعالى أن تكون هذه التوجيهات مطبّقة في بيوتنا جميعاً ، والطفل المؤدّب والله يا أخوان لا يقدّر بثمن ، فهو ثروة ، الطفل الأديب ، والطفل المربّى ، والطفل المعلّم ، والطفل الذي يعرف حقّ الكبير ، وطليق اللسان ، شيء لا يقدّر بثمن ، ولا يوجد أبشع من طفل وقح تجده يسبّ بعبارات بذيئة بالطريق ، أُقسم بالله الحائط يخجل من كلامه ، تجده من أبناء المدارس ويسب أخته وأخت أخته وأمّه بكلمات مقذعة ، فأين تربى هذا ؟ وأين أبوه ؟ وأين أمّه ؟ ومن علّمه ؟ وتجد طفلاً يستحي من كلمة نابية ، وطفلاً يتكلّم الكلمات النابية كأنّها كلمات طيّبة .
أحياناً تجد من يضع ويعلّق الشهادات ببيته يبرزها ، فهذا معه البكالوريوس وهذا معه الليسانس ، وهذا معه الدكتوراه ، فأنا قناعتي ـ وأرجو أن تكون كلمة دقيقة ـ شهادتك أولادك ، ويا أيّتها الأخت المؤمنة شهادتك العالية تربية أولادك ، فإذا كان عندك أولاد وبنات على خلق وتربية عالية فهذه شهادة للأم ، فشهادتك الحقيقيّة هي أولادك ، فيجب على الإنسان أن يسعى لتربية أولاده التربية المثلى .




نحن في الدرس العشرين ولا زلنا بحاجة إلى المزيد ، وأنا حريص جداً على أن تكون بيوتنا إسلاميّة ، وعلى أن يكون الابن سائراً على منهج والده ، ولكن هذا يلزمه جهداً كبيراً ، أحياناً يتوفّى الأب وتقوم الأم بتربية أولادها تربية راقية جداً ، وأحياناً يتوفى الأب ويكون العم مثل الأب ، فأنا أعرف عماً قام بتزويج بنات أخيه ، ولا تجد فارقاً ولو ضئيلاً بين ابنته وابنة أخيه ، اختار لهنّ الأزواج الأطهار ، وأقام الحفلات ببيته ، وألبسهن ، فأحياناً يكون العم مثل الأب .
من هو اليتيم ؟ اليتيم هو الذي له أمٌ تخلّت عن تربيّته ، أو أبٌ مشغولٌ ، أب مشغول وأم مسيّئة متخلّية عن مهمّتها ، فاليتيم الحقيقي هو من لا يجد الرعاية الكافية ، فقد قال النبيّ الكريم :
(( أيُّما امرأةٍ قعدت على بيت أولادها فهي معي في الجنّة .))
[ابن بشران عن أنس]
أحياناً تجد العم أرقى من الأب ، وأحياناً تجد الأم تقوم بدور الأب والأم معاً ، فاليتيم الحقيقي هو الذي ليس له أبٌ يراعاه ، أبوه مشغول وأمّه مقصِّرة في واجباتها تجاه أولادها .
الحقيقة هذا الدرس نحن في أمسّ الحاجة إليه صغاراً وكباراً ، صغاراً نتأدّب بهذا الأدب ، وكباراً نعلّم أولادنا هذا الأدب .
والحمد لله رب العالمين










اترك تعليقك

    Powered By Blogger