Banner 468

Facebook
RSS

وسائل تربية الأولاد ( 10 ) صفات المربي

-
هيـــــــــــمــا ( إبراهيــــــــــم عبدالله قاسم )


 

بسم الله الرحمن الرحيم 


الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين ، وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد :
أيها الأخوة الكرام لازلنا في سلسة تربية الأولاد في الإسلام ، ولا زلنا في القسم الثاني منها ، ولقد أنهينا في الدروس السابقة بفضل الله عز وجل الوسائل الفعالة في تربية الأولاد من القدوة الصالحة ، إلى التعويد والتلقين ، إلى الملاحظة ، إلى العقوبة ، إلى الوعظ والإرشاد .

مربع نص: الإخلاص من الصفات الأساسية للمربي :

ها نحن ننتقل إلى صفات المربي ، ننطلق من قاعدة تربوية أساسية أن فاقد الشيء لا يعطيه ، لا تنتظر أن يكون المتعلم على خلق إن لم يكن هذا الخلق موجوداً عند المعلم ، لذلك نبدأ بصفات المربي الأب ، أو المعلم ، أو من تصدى لتربية الأجيال ، ينبغي أن يعلم علم اليقين أن نجاحه في عمله لا يتحقق إلا إذا كان متصفاً بصفات أساسية ، منها الإخلاص .
حينما يخلص المعلم أو الأب في تربية ابنه أو تلميذه فالله سبحانه وتعالى يلهمه الأساليب الفعالة ، يجب أن تعتقد دائماً أن الإنسان ضعيف ، وفقير ، وجاهل ، لكن إذا استعان بالله ألهمه الله رشده وصوابه ، ما من إنسان نجح في تربية أولاده ، وما من معلم نجح في تربية تلاميذه ، وما من شيخ نجح في تربية أخوانه إلا لأنه أخلص في خدمتهم ، ثمن إخلاصه أن الله يلهمه الصواب .
الله عز وجل قد يؤتي الحكمة ، وقد يعلمك كيف تؤثر بمن حولك ، وقد يعطي لكلامك قوة تأثير لا يعلم سببها ، نحن أحياناً نجد إنساناً لا يملك وسائل تربية ، لكن تقواه وصلاحه وإخلاصه لله ألهمه الله رشده .
ثمة قصة لا أستطيع أن أذكر تفاصيلها ، لكن إنساناً يعمل في أقل عمل تتصوره ، ينقل الرمل والأسمنت على ظهره ، وهو غير متعلم ، مر أمام مسجد ، وسمع درس علم ، فطرب له ، تمنى أن يحوز شريطاً لهذا الدرس ، فلما حاز هذا الشريط كأنه ملك الدنيا ، بدأ يسمعه ، ثم حاز بعض الأشرطة ، هو يعمل حيناً في لبنان ، ثم ينتقل إلى بلده في أقصى الشمال الشرقي من بلدنا ، بدأ يدعو إلى الله بحسب ما سمع ، واستمر في الدعوة ، فإذا لفيف كبير حوله ، وإذا به يُلهم أساليب ناجحة جداً في تربية من حوله ، ثم بدأ يقطف ثمار هذه الدعوة ، طبعاً على مدى سنوات عديدة ، قد تقترب من عشر سنوات ، مرة التقيت به ، وأصغيت إلى قوله ، وإلى أساليبه في الدعوة ، والله الشيء الذي لا يكاد يصدق أن الأساليب التي ألهمها يفتقر إليها كبار الدعاة ، ثم طلب العلم ، وطلب العلم ، وهو الآن على مشارف التخرج من مدرسة تعلم العلم الشرعي .

مربع نص: العمل الصالح مقيد بأن يرضى الله عنه :

أنت حينما تخلص تأتيك طاقات كبيرة جداً ، في الأساس لا تملكها ، لكن هذه الطاقات التي مكنك الله منها ، والتي زودك الله بها هي إكرام إلهي لإخلاصك الشديد ، لذلك أول صفة من صفات المربي أن يخلص ، القاضي إذا أخلص يلهم الصواب ، المعلم إذا أخلص يلهم الصواب ، الطبيب إذا أخلص يلهم تشخيص الداء التشخيص الصحيح ، ثم وصف الدواء الجيد ، المحامي إذا أخلص ، أخذ الحق من الظالم ، يُلهم المرافعة التي تقنع القاضي ، هذه قاعدة من أجلّ القواعد ، أنك إذا أخلصت كان الله معك ، إذا أخلصت ألهمك رشدك ، إذا أخلصت منحك الحكمة ، إذا أخلصت أعطاك الوسائل الفعالة لتحقيق أهدافك ، هذا كلام عام ، إذا أخلصت في الكسب الحلال يلهمك الله الأساليب الفعالة في كسب المال الحلال ، إذا أخلصت في أن تحصن نفسك من الحرام ألهمك الله أساليب كسب المال ، وأساليب اختيار الزوجة ، فإذا أنت بعد حين حققت المراد الذي كنت تسعى إليه .
أيها الأخوة قال تعالى :
﴿ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ (5)
( سورة البينة الآية : 5 )
بالمناسبة أحد كبار العلماء يقول : " العمل لا يقبل إلا إذا كان خالصاً وصواباً  ، خالصاً ما ابتغي به الله ، وصواباً ما وافق السنة " ، وكلاهما شرط لازم غير كافٍ ، يعني أنت لا يمكن أن يقبل عملك إلا إذا جاء وفق السنة كما إنه لا يقبل عملك إلا إذا كان مخلصاً ، إن أخلصت ولم يكن عملك وفق السنة لم يقبل العمل ، وإن جاء عملك وفق السنة ولم تكن مخلصاً لم يقبل العمل ، لذلك قال تعالى في بعض أدعية القرآن الكريم :
﴿  وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحاً تَرْضَاهُ ﴾
( سورة النمل الآية : 19 )
العمل الصالح الذي طلبه النبي الكريم مقيد بأن يرضى الله عنه .
﴿ فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً (110)
( سورة الكهف )

مربع نص: علامات الإخلاص :

أيها الأخوة الإخلاص هذا بينك وبين الله ، لا يطلع عليه أحد من أهل الأرض ، لكن العمل إذا رافقه الإخلاص يقبل كثيره وقليله ، والعمل إن لم يرافقه الإخلاص لا يقبل لا قليله ولا كثيره ، درهم أنفق في إخلاص خير من مئة ألف درهم أنفق في رياء .
سمعت أن إنساناً صلى أربعين عاماً في الصف الأول في صلاة الفجر وراء الإمام ، وفي يوم سها ، فتألم ألماً شديداً ، وقال : ماذا يقول الناس عني ؟ انتبه ، ماذا يقول الناس عني ؟ معنى ذلك أن هذه الصلوات في المسجد ليس فيها إخلاص ، الهدف أن يكسب مكانة فيمن حوله .
أول علامات الإخلاص أن يكون عملك في السر كما في العلانية :
ليس غريباً أن تعلموا أن علامة الإخلاص ألا يختلف عملك في السر والعلانية ، عملك في خلوتك كعملك في جلوتك ، إتقان عبادتك في خلوتك كإتقان عبادتك في جلوتك .
من علامة الإخلاص أن العمل الذي تعمله لا يزداد بالمدح ، كما أنه لا ينقص بالذم ، إذا كنت مخلصاً فلا يزداد العمل الصالح بالمدح ، كما أنه لا ينقص بالذم ، المدح والذم لا يؤثران في عملك لأنك تبتغي وجه الله ، ولا يختلف العمل لا في الخلوة ولا في الجلوة ، يبقى كما هو .
عدم ازدياد العمل بالثناء وعدم نقصانه بالذم :
العلامة الأولى عملك في السر كما في العلانية ، في العلانية كما في السر ، لا يختلف العمل بين السر والعلانية ، بين الجلوة والخلوة ، كما أن العمل لا يتأثر بالمديح ، ولا يتأثر بالذنب ، إذاً أنت مخلص .
حينما تكون مخلصاً فعملك الذي يرفع إلى الله يعود من الله ثوابه سكينة في قلبك :
الشيء الآخر أنك إذا كنت مخلصاً حقيقةً ، فهذا الإخلاص يتيح لك أن تقبل على الله ، إقبالك على الله يعني أن الله سيتجلى عليك ، لذلك المخلص كأنه قبض أجرته ، سعيد ، أما الذي يعمل أعمالاً صالحة ويقول : يا أخي الناس لا يتأثرون ، الناس ما فيهم خير ، لا يشكرون ، معنى ذلك أنك تنتظر شكرهم ، وتنتظر ثناءهم ومديحهم ، كما قلت : حينما تكون مخلصاً فعملك الذي يرفع إلى الله يعود من الله ثوابه ، والثواب : من ثاب أي رجع ، ماذا يرجع من الله إذا رفع العمل إليه ؟ يرجع سكينة في قلبك ، هذه علامة الإخلاص .

مربع نص: التقوى أي طاعة الله هي الصفة الثانية التي يجب أن يتحلى بها المربي :

إذاً عدم تأثر العمل بين السر والعلانية ، عدم ازدياد العمل بالثناء ، وعدم نقصانه بالذم ، شعور الإنسان المخلص أنه قبض أجرته من الله ، لذلك لا ينتظر ثناء أحد ، ولا مديح أحد ، ولا يعلق كبير أهمية على ذم الناس له ، فمن عرف نفسه ما ضرته مقالة الناس به .
الحقيقة الصفة الثانية : التقوى أي طاعة الله ، إخلاص وطاعة ، كما يقول العلماء الربانيون : ألا يراك الله حيث نهاك ، وألا يفتقدك حيث أمرك ، أنت عند الأمر والنهي ، أنت وقاف عند كتاب الله .
يروى أن حواراً جرى بين سيدنا عمر بن الخطاب وأبي بن كعب عن التقوى ، فقال له : أما سلكت طريقاً ذا شوك ؟ قال : بلى ، قال : فما عملت ؟ قال : شمرت ، واجتهدت ، قال : كذلك التقوى .
من توهم أن الطريق إلى الله طريق مفروش بالرياحين والزهور فهو مخطئ ، الطريق إلى الله طريق محفوف بالمكاره ، طريق القمم طريق صعبة .
 ((  أَلَا إِنَّ عَمَلَ الْجَنَّةِ حَزْنٌ بِرَبْوَةٍ ، ثَلَاثاً ، أَلَا إِنَّ عَمَلَ النَّارِ سَهْلٌ بِسَهْوَةٍ )).

[أحمد عن ابن عباس]

سميت طاعة الله تكليفاً ، لأن التكليف ذو كلفة :
((أَلَا إِنَّ عَمَلَ الْجَنَّةِ حَزْنٌ بِرَبْوَةٍ ، ثَلَاثاً ، أَلَا إِنَّ عَمَلَ النَّارِ سَهْلٌ بِسَهْوَةٍ )) .
 الاسترخاء ، وأن تعطي نفسك ما تريد وما تشتهي ، هو طريق النار ، عمل النار سهل بسهوة ، وعمل الجنة حزن بربوة ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :
((  إِنَّ الدُّنْيَا حُلْوَةٌ خَضِرَةٌ ، وَإِنَّ اللَّهَ مُسْتَخْلِفُكُمْ فِيهَا فَيَنْظُرُ كَيْفَ تَعْمَلُونَ ، فَاتَّقُوا الدُّنْيَا وَاتَّقُوا النِّسَاءَ ، فَإِنَّ أَوَّلَ فِتْنَةِ بَنِي إِسْرَائِيلَ كَانَتْ فِي النِّسَاءِ  )).
[ مسلم عن أبي سعيد ]
مرة افتتح مسجد في بعض أطراف دمشق ، ودعي إليه علماء دمشق ، وألقوا كلمات رائعة في هذا الحفل ، وتناولوا الطعام ، وخرجنا من هذا ، في الضفة الثانية من الطريق ملهى ـ والعياذ بالله ـ فيه كل أنواع الموبقات ، مسجد في طرف ، وملهى في طرف ، الذي أسس الملهى مات بعد أسبوع من افتتاحه ، والذي أسس المسجد استقبل هؤلاء المدعوين ووجهه كله بشر ، أنا خرجت من الحفل قلت : سبحان الله ! لو وقف هذان الرجلان أمام الله عز وجل ، الأول أراد إفساد الناس وحملهم على الزنا والخمر والموبقات ، والثاني أراد تعريف الناس بالله من خلال هذا البيت العظيم الذي بناه لله .

مربع نص: الإنسان حينما قَبِل حمل الأمانة ميّزه الله بأن سخر الله له السماوات والأرض :

أحيانا تجد قارئ قرآن توفي وقراءته تملأ الخافقين ، ومغنِّياً توفي وأغانيه تملأ الخافقين ، وكلاهما ميت ، فلذلك :
((  إِذَا مَاتَ الْإِنْسَانُ انْقَطَعَ عَنْهُ عَمَلُهُ إِلَّا مِنْ ثَلَاثَةٍ ؛ إِلَّا مِنْ صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ ، أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ ، أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ  )).
[ أخرجه مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ]
هذا الذي له عمل صالح عند الموت ينقطع عمله فما قولكم بالذي ليس له عمل إطلاقاً ؟ سبحان الله ! في القرآن الكريم آيات دقيقة قال تعالى :
﴿ الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ (2)
( سورة الملك )
أحياناً نجري امتحاناً من أجل أن نعرف الناجحين من الراسبين ، هناك رسوب ونجاح ، لكن لو أن الطلاب جميعاً ناجحون ، الامتحان مهمته أن نعرف المتفوقين ، أن نعرف التفوق ، فدائماً وأبداً ينبغي أن يكون التفوق هو الأصل ، كل هذا الكون مخلوق من أجل الإنسان ، فما خلق الله هذا الكون من أجل أن ترسب أو تنجح ، من أجل أن تتفوق .
بالمناسبة لأنك إنسان أنت متفوق ، والدليل حينما قال الله عز وجل :
﴿ إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ ﴾
( سورة الأحزاب الآية : 72 )
أيْ إن الإنسان قبل حمل الأمانة ، إذاً ميزه الله ، فلما قبل حمل الأمانة سخر الله له السماوات والأرض ، لماذا الإنسان متفوق ؟ لأنه بإمكانه أن يعصي الله فلم يعصه ، لماذا يثاب الصادق ؟ لأنه بإمكانه أن يكذب فلم يكذب ، لماذا يثاب الأمين ؟ لأنه بإمكانه أن يخون فلم يخن ، لماذا يثاب العفيف ؟ لأنه بإمكانه أن يزني فلم يزنِ ينقلنا هذا إلى موضوع الأمانة .

مربع نص: أكبر سببٍ لدخول الجنة طاعة الله وحسن الخلق :

إذا وضعت مئة ألف عند إنسان ، وكتب لك إيصالاً دقيقاً ، هذا المبلغ ليس أمانة ، هذا إيداع ، لأن الذي أعطاك هذا الإيصال يمكن أن تقاضيه ، لو شاهدت عليه شاهدين ، أما حينما يعطيك مئة ألف ، ولا يأخذ منك إيصالاً ، وأنت بإمكانك أن تعطيه أو لا تعطيه ، فأعطيته ، أنت إذاً أمين ، هذه الأمانة ، أنت مخير ، الآن بإمكانك أن تأتي إلى ملهى أو إلى مسجد ، بإمكانك أن تصلي أو لا تصلي ، بإمكانك أن تغض البصر أو أن تطلق البصر ، بإمكانك أن تطلب العلم أو تطلب الجهل :
((  سُئِلَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم عَنْ أَكْثَرَ مَا يُدْخِلُ النّاسَ الْجَنّةَ ، قالَ : تَقْوَى الله ، وَحُسْنُ الْخُلُقِ  )).
[ رواه الترمذي عن أَبِي هُرَيْرَةَ]
أكبر سببٍ لدخول الجنة طاعة الله وحسن الخلق ، قالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم :
(( إذَا خَطَبَ إلَيْكُمْ مَنْ تَرْضَوْنَ دِينَهُ وَخُلُقَهُ ، فَزَوّجُوهُ  )).
[ رواه الترمذي عن أَبِي هُرَيْرَةَ]
طاعة الله وحسن الخلق ، والحديث الصحيح عن أبي ذرّ ومعاذ رضي اللّه عنهما عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال :
((  اتَّقِ اللَّهَ حَيْثُما كُنْتَ ، وأتْبعِ السَّيِّئَةَ الحَسَنَة تَمْحُها ، وخَالِقِ النَّاسَ بِخُلُقٍ حَسَنٍ  )).
[ رواه الترمذي عن أبي ذرّ ومعاذ رضي اللّه عنهما]
إذاً تقوى الله هي معين المعلم ، الأب المستقيم هو أب مربٍّ ناجح ، لأن استقامته دعوة ، المعلم المستقيم استقامته دعوة ، معه وسائل النجاح ، إذاً الإخلاص والاستقامة ، هذان الشيئان الأساسيان في نجاح العلمية التعليمية والتربوية .

مربع نص: بطولة الأب والمعلم لا في الابن الناجح بل في الابن المقصر :

قال عليه الصلاة والسلام :
(( اتقوا الله ، واعدلوا بين أولادكم كما تحبون أن يبروكم  )).
[ رواه الطبراني عن النعمان بن البشير رضي الله عنه]
الأب العادل له مكانة ، أما إذا انحاز إلى أحد أولاده ، أو انحاز إلى ولد من زوجة دون ولد من زوجة أخرى سقطت مكانته ، العدل أساس الملك .
رئيس جمهورية فرنسا حينما انتخب ، خطب أقصر خطاب في تاريخ فرنسا ، قال : أنا أشكر من انتخبني ، وأحترم من لم ينتخبني ، وأنا لكل الفرنسيين ، دقق في هذه الكلمة ، هو أب لكل الناس .
أنت كمعلم أنت لكل الطلاب ، فإذا انحزت إلى مجموعة طلاب معينة ، لعلاقات معينة ، لانتماءات معينة ، لأسباب معينة ، للطلاب الأغنياء فرضاً ، للطلاب الأذكياء ، إذا انحزت لهم أنت فقدت العدالة ، وحينما تفقدها تفقد قوة التأثير ، أما حينما ترعى كل الأولاد وكل الطلاب ، بصرف النظر عن مستوياتهم الاجتماعية ، وعن مستوياتهم الاقتصادية ، وعن انتماءاتهم ، وعن اتجاهاتهم ، ترعاهم جميعاً لك مكانة كبيرة .
يروى أن النبي الكريم وقف في جنازة ، فقيل : هو يهودي يا رسول الله ، قال : أليس إنساناً ؟ معنى ذلك أن الإنسان أي إنسان ينبغي أن تحترمه .
دخلنا في التفاصيل : معلم مع طلاب متفوقين ، عينه عليهم ، اهتمامه لهم ، ابتسامته لهم ، يقرأ وظائفهم ، يثني عليهم ، يهش لهم ، يبش لهم ، والطلاب الضعاف مهملون يُعرِض عنهم ، عنيف معهم ، قاسٍ عليهم ، هذا ليس مربياً ، هو الطالب الجيد لا يحتاج إلى كبير عناية ، من هذا الذي يحتاج إلى كبير عناية الطالب السيئ ، الابن الناجح لا يحتاج إلى عناية بالغة ، بطولة الأب والمعلم لا في الابن الناجح ، بل في الابن المقصر .
أيها الأخوة الكرام الصفة الأولى هي الإخلاص ، الصفة الثانية التقوى والصلاح والاستقامة والعدل والإنصاف والرحمة واللطف وغيرها .

مربع نص: التمكن من العلم هي الصفة الثالثة التي يجب أن يتحلى بها المربي :

الصفة الثالثة هي العلم ، أنت حينما لا تكون متمكناً من العلم ، إن تكلمت خطأً ، والذين تحدثهم أقل منك علماً ضحكت عليهم ، وإن كانوا أكثر يقظة ضحكوا عليك ، إن لم تكن متمكناً من العلم لا تنجح في تربية من حولك .
أيها الأخوة الكرام التمكن من العلم أساسي جداً ، يروى أن بعض العارفين أخطأ في كلمة في درس ، فغاب سبع سنين حتى تمكن من العلم الذي أخطأ فيه ، العلم ما فيه حل وسط ، العلم لا يعطيك بعضه إلا إذا أعطيته كلك ، فإذا أعطيته بعضك لم يعطك شيئاً ، لا يعطيك بعضه إلا إذا أعطيته كلك ، فإذا أعطيته بعضك لم يعطك شيئاً ، بالتعليم ، الأب غير متعلم ، أحياناً الابن يكذب عليه ، أما الأب المتعلم واليقظ الابن يخشى أن يكذب عليه .
حدثني إنسان عن ابن يدرس في أوروبا ، فبعث إلى أهله أنه نجح بتفوق ، فرحوا وهنأ بعضهم بعضاً ، عنده أخ له إمكانيات كشف الكذب ، فتح موقع الجامعة بالإنترنت ، وطلب الكلية ، وطلب أسماء الناجين فلم يكن أخوه مع الناجحين ، فالطالب يكذب ، إذا كان في الإنسان سذاجة أو بساطة ، والذي يتولى أمره كذب عليه ، ضعفت مكانته ، أما كلام سيدنا عمر رائع : " لست بالخبّ ، ولا الخبُّ يخدعني " .
المعلم ينبغي ألا يكون من الخبث حيث يَخدع ، وألا يكون من السذاجة حيث يُخدع ، الأب كذلك والمعلم كذلك ، والآية الكريمة :
﴿ يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ ﴾
( سورة المجادلة الآية : 11 )
أخواننا الكرام عليكم بالإخلاص والتقوى والعلم ، قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم :
((  مَنْ سَلَكَ طَرِيقاً يَلْتَمسُ فِيِه عِلْماً سَهّلَ الله لَهُ طَرِيقاً إِلَى الْجَنّةِ ، وَإِنّ المَلاَئِكَةَ لتَضَعُ أَجْنَحِتَهَا رِضًى لِطَالِبِ العِلْمِ )).
[ رواه الترمذي عن أَبي هُرَيْرَةَ]

مربع نص: الحلم الصفة الرابعة التي يجب أن يتحلى بها المربي :

الشيء المألوف أن تتعلم وأن تعلم ، وهذه فريضة عين على كل إنسان ، قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم :
 ((  بَلّغُوا عَنّي وَلَوْ آيَةً  )).
[ رواه الترمذي عن عَبْدِ الله بنِ عَمْرٍو]
تعلمت شيئاً من درس علمه لمن حولك ، لأن هذا الوهم أنني لا أستطيع أن أتكلم كلمة حتى أتقن العلم ، لا ، إذا سمعت معنى آية ، أو معنى حديث ، أو قضية إشراقية في الإسلام واستوعبتها وفهمتها انقلها إلى الآخرين ، اطلب العلم وتعلم ، ودائماً الإنسان يتعلم ويعلم .
((  ألاَ إِنّ الدّنْيَا مَلْعُونَةٌ ، مَلْعُونٌ مَا فِيهَا ، إِلاّ ذِكْرُ الله ، وَمَا وَالاَهُ ، وَعَالِمٌ ، أَو مُتَعَلّمٌ  )).
[ رواه الترمذي عن أَبي هُرَيْرَةَ]
((  مَنْ خَرَجَ في طَلَبِ الْعِلْمِ كان في سَبِيلِ الله حَتّى يَرْجِعَ  )).
[ رواه الترمذي عن أَنَسِ بنِ مَالِكٍ]
((  طَلَبُ الْعِلْمِ فَرِيضَةٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ  )).
[أخرجه ابن ماجه عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ]
أيها الأخوة الكرام مع الإخلاص ، ومع التقوى ، ومع العلم يوجد الحلم ، وكاد الحليم أن يكون نبياً ، المربي والمعلم والأب إذا كان غضوباً وقاسياً في كلماته لا يستطيع أن يربي أولاده ، كما لا يستطيع المعلم أن يربي تلاميذه ، قال تعالى :
﴿ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (134)
( سورة آل عمران )

مربع نص: أدلة من القرآن الكريم والسنة النبوية عن الحلم :

قال تعالى :
﴿ خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ (199)
(سورة الأعراف)
وقال أيضاً :
﴿ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ (34)
( سورة فصلت )
((  إِنَّ فِيكَ خَصْلَتَيْنِ يُحِبُّهُمَا اللَّهُ : الْحِلْمُ وَالْأَنَاةُ  )).
[الترمذي عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ]
أوصى النبي بعض أصحابه ألا نغضب :
(( لَيْسَ الشَّدِيدُ بِالصُّرَعَةِ ، إِنَّمَا الشَّدِيدُ الَّذِي يَمْلِكُ نَفْسَهُ عِنْدَ الْغَضَبِ  )).
[متفق عليه عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ]
((  يَسِّرُوا ، وَلَا تُعَسِّرُوا، وَبَشِّرُوا ، وَلَا تُنَفِّرُوا  )).
[متفق عليه وعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ]
((  يَا عَائِشَةُ ، إِنَّ اللَّهَ رَفِيقٌ يُحِبُّ الرِّفْقَ ، وَيُعْطِي عَلَى الرِّفْقِ مَا لَا يُعْطِي عَلَى الْعُنْفِ، وَمَا لَا يُعْطِي عَلَى مَا سِوَاهُ  )).
[مسلم عَنْ عَائِشَةَ]
 ((  إِنَّ الرِّفْقَ لَا يَكُونُ فِي شَيْءٍ إِلَّا زَانَهُ ، وَلَا يُنْزَعُ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا شَانَهُ  )).
[مسلم عَنْ عَائِشَةَ]
كاد الحليم أن يكون نبياً ، والحلم سيد الأخلاق ، والصبر عند الصدمة الأولى .

مربع نص: الصفة الأخيرة التي يجب أن يتحلى بها المربي هي شعوره بالمسؤولية :

آخر شيء من صفات المربي فضلاً عن إخلاصه ، وفضلاً عن طاعته لله ، وفضلاً عن علمه ، وفضلاً عن حلمه ، ينبغي أن يشعر بالمسؤولية ، لأن الله سوف يسأله عن هؤلاء الصغار ، يقول عليه الصلاة والسلام :
((  ... وَالرَّجُلُ رَاعٍ فِي أَهْلِهِ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ وَالْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ فِي بَيْتِ زَوْجِهَا وَمَسْئُولَةٌ عَنْ رَعِيَّتِهَا ... )).
[ البخاري عن عبد الله بن عمر ]
يقول علي رضي الله عنه : "علموا أولادكم وأهليكم الخير وأدبوهم ."
(( ما نَحَلَ وَالِدٌ وَلَدًا من نَحْلٍ أفضل من أدبٍ حَسَنٍ )).
[الترمذي عن سعيد بن العاص]
(( إن الله سائل كل راعٍ عما استرعاه : حفظ أم ضيع ؟ حتى يسأل الرجل عن أهل بيته .))
[ابن حبان عن أنس رضي الله عنه]
إذا لم يلقح الأب ابنه وأصاب ابنه مرض عضال سوف يسأل ، الأبوة مسؤولية ، تلقيح الأولاد ، العناية بصحتهم ، أخذهم إلى طبيب مثلاً ، متابعة العلاج ، هذا من مهمات الأب .
أيها الأخوة الكرام فاقد الشيء لا يعطيه ، إن أردت أن تكون أباً ناجحاً ، أو معلماً ناجحاً ، أو موجهاً ناجحاً لا بد من أن تجمع الإخلاص ، والطاعة لله ، والعلم ، والحلم ، واستشعار المسؤولية ، هذه صفات تؤهل المربي ، وتؤهل المعلم ، والأب ، ومن يدعو إلى الله عز وجل ، كي يدع بصمات واضحة في نفوس أخوانه وتلاميذه وأولاده وأصحابه .
والحمد لله رب العالمين


اترك تعليقك

    Powered By Blogger