Banner 468

Facebook
RSS

وسائل تربية الأولاد ( 18 ) القواعد الأساسية في التربية

-
هيـــــــــــمــا ( إبراهيــــــــــم عبدالله قاسم )



بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين ، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا ، إنك أنت العليم الحكيم ، اللهم علمنا ما ينفعنا ، وانفعنا بما علمتنا ، وزدنا علماً ، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه ، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه ، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه ، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين .
أيها الأخوة الكرام ، لا زلنا في دروس تربية الأولاد في الإسلام في القسم الثاني منها وهو الوسائل الفعالة في التربية ، وكانت من وسائل التربية الفعالة أسلوب التحذير .



التحذير أنواع كثيرة وننتقل اليوم لبعض أنواع التحذير ، أولاً من أكبر الآفات الاجتماعية التي تسبب ضياع الأمة التقليد الأعمى للأقوياء والأغنياء ، التقليد الأعمى قد ينسي الإنسان هويته كما ترون ، نحن أمة خصها الله بوحي السماء ، نحن أمة معنا منهج ، وأمة قال الله عنا : 
﴿ كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ (110) ﴾
(سورة آل عمران)
أي أصبحتم خير أمة حينما اختص الله هذه الأمة ببعثة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ومع ذلك تجد الناس يلهثون وراء التقليد ، مصمم أزياء رئيسي في غرب أوروبا هو الذي سيحدد ما ينبغي أن تبديه المرأة وما تخفيه من جسمها ، أما منهج الله عز وجل وتوجيهات رسول الله هذه تأتي في المرتبة الثانية ، آفة المجتمع هي التقليد الأعمى ، لذلك التقليد الأعمى دليل انهيار القيم الدينية في المجتمع ، ودليل ضعف العقيدة ، وعدم وضوح الهدف ، والجهل بالمنهج ، فهذا التقليد الأعمى ربما ساق الإنسان فرداً وساق المجتمع إلى الويلات ، أنا أؤكد لكم أنه كم من بيت تهدم من التقليد الأعمى ، وكم من امرأة طلقت بسبب التقليد الأعمى ، وكم من أولاد تربوا مشردين بسبب التقليد الأعمى ، فلذلك المربي معلماً كان أو أباً أو مرشداً ينبغي أن يحذر .
الآن بحياتنا المدنية يوجد تحذير يقال : تقاطع طرق ، أكثر الحوادث المروعة بسبب تقاطع الطرق ، انتبه تقاطع طرق أو انتبه منعطف خطر أو جليد ، فبحياتنا اليومية باستعمال الطرق ، والأدوية ، ضع هذا الدواء بعيداً عن أيدي الأطفال سام ، تيار كهربائي احذر خطر الموت ، حياتنا اليومية بنظام السير أو الكهرباء أو الأدوية فيه آلاف التحذيرات ، والتحذير دليل رقي .



وجدت في مركبة حديثة مكتوب باللغة العربية على المرآة أن هذه المرآة لا تعطيك الأبعاد الحقيقية مقعرة ! فالذي يقود المركبة قد يظن أن المسافة كبيرة بينه وبين المركبة التي قبله يراها في المرآة ، يأتي التحذير انتبه ، هذه المسافة ليست صحيحة ، حتى تأتي الصورة واضحة وواسعة قد لا تكون المرآة مستقيمة ، قد تأتي مقعرة أو منحنية ، هذا التقعر أو الانحناء يبعدها عن الحقيقة ، لو أن حادثاً وقع ولم تكتب الشركة على المرآة هذا التحذير قد يقام عليها قضية ، وقد تربح القضية .
لاحظ حياتنا المدنية في الطرقات وفي المطارات وفي توزيع الأدوية وفي مجالات عديدة جداً هناك تحذيرات ، من باب أولى الإنسان يتلقى تحذيرات من الله عز وجل ، أساساً كل المنهيات في الدين تحذيرات ، الأمر الإلهي نوعان أمر تكليفي وأمر تكويني ، الأمر التكويني فعله ، أما التكليفي أمره ونهيه ، فالله عز وجل يأمر وينهى ، والنهي تحذير ، فإذا كان الله جل جلاله هو الذي يحذر ، والنبي إياكم كذا وإياكم كذا ، إياك وما يعتذر منه ، ولا تقربوا مال اليتيم ، ولا تقربوا الزنى ، فكل منهيات القرآن والسنة تحذير ، فالمربي من باب أولى أن يسلك أسلوب التحذير مع من يربيه ، والحقيقة التحذير في معنى الرحمة والحكمة والعلم ، الذي يحذر عالم .
مثلاً الإنسان يشعر كأن معه بوادر مرض إنتاني يشتري دواء ليكافح الإنتان ، هذا الدواء تسعة وتسعون بالمئة من الناس عندما يشعر أنه تحسن يوقف الدواء ، هذا الدواء إذا أوقفه ، الجرثوم الذي دخل لجسمه بكميات الدواء القليلة يصنع مضاداً ، يصبح هذا الجرثوم ممتنعاً عن أن يعالج ، يقول لك الطبيب استعمل هذه الحبوب حتى نهايتها ولو شعرت بالتحسن من الحبة الثانية ، حتى يقضي الدواء على الجرثوم قضاء مبرماً ، أما إذا أعطيته جرعة مخففة الجرثوم يبقى حياً ، ويصنع مصلاً مضاداً فعندئذ لا تستطيع أن تصنع مصلاً مضاداً في المستقبل ، باب التحذير باب رائع جداً ، الإله ، والنبي ، وكل إنسان ، عالم ، وحكيم ، ورحيم كل حياته تحذيرات لمن حوله ، فلذلك أولى بالمربي وبالمدرس وبالمعلم وبالموجه وبالأب وبالأم أن يحذروا .



الحقيقة موضوع الدرس أول شيء ينبغي أن نحذر من حولنا ممن نعلمهم التقليد الأعمى ، الإنسان المقلد أحمق ، وهناك أحاديث كثيرة تتحدث عن التقليد الأعمى : 
 (( لَيْسَ مِنَّا مَنْ تَشَبَّهَ بِغَيْرِنَا لَا تَشَبَّهُوا بِالْيَهُودِ وَلَا بِالنَّصَارَى فَإِنَّ تَسْلِيمَ الْيَهُودِ الْإِشَارَةُ بِالْأَصَابِعِ وَتَسْلِيمَ النَّصَارَى الْإِشَارَةُ بِالْأَكُفِّ )) .
[الترمذي عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ ]
عندنا قاعدة التشبه بالغير تقليد أعمى ، ليس المُقلِّد كالمُقلَّد ، لمجرد أنك سلكت سلوك التقليد العمى فأنت دون من تقلد ، لماذا قنعت أن تكون دونه ؟ الطاقات التي أودعها الله في الإنسان طاقات مفتوحة وليست مغلقة ، فالذي يقلد لمجرد أنه يقلد وضع سقفاً فوق رأسه وارتضى أن يكون محدوداً ، ولن يستطيع مقلد أن يقلد تقليداً تاماً ، وضع سقفاً وهو دون هذا السقف ، لذلك الذين تفوقوا في الحياة ما قلدوا ولكنهم ابتدعوا ، بالمعنى اللغوي لا بالمعنى الشرعي ، بحثوا عن شيء جديد وأسلوب جديد في الحياة ، بحثوا عن حرفة نادرة ، لكن بلاء الناس حتى في التقليد في التجارة ، أي حرفة تنجح تقلد تقليداً غير معقول إلى أن تصبح حرفة غير مربحة ، من كثرة التقليد والمنافسة ، لذلك ما من مشروع نجح نجاحاً كبيراً إلا لأنه كان رائداً ، ولأن الذين قاموا عليه ما قلدوا ولكنهم بحثوا عن شيء جديد .
لذلك من الزاوية الدينية والدنيوية الذي يفكر بأسلوب جديد يربح ، إذا أردت الدنيا فعليك بالعلم ، وإذا أردت الآخرة فعليك بالعلم ، وإذا أردتهما معاً فعليك بالعلم .
(( لَيْسَ مِنَّا مَنْ تَشَبَّهَ بِغَيْرِنَا )) .
[الترمذي عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ ]
أنت لك هوية وتاريخ ، مرة كنت بقارة ، هذه قارة بجنوب شرق آسيا ، قارة أستراليا ، قالوا لي : هذه القارة ليس لها تاريخ ! قلت : كيف ؟ قالوا : هذه القارة أول من سكنها من غير سكانها الأصليين العتاة والمجرمون الذين أبعدوا من بريطانيا إلى أستراليا ، فأجداد هذه الأمة مجرمون ، أنت لك أجداد عظام وأبطال ، أنت من أمة راقية واصطفاها الله لتكون بينه وبين الخلق ، أنت لك تاريخ ، هذا الإنسان له تاريخ ، له منهج ، معه هدف ، لماذا يقلد ؟ أبسط شيء (باي) ! ما هذه ؟ السلام عليكم ، هذا سلام المسلم ، عوِّد نفسك أن تكون إسلامياً حتى في كلامك وفي عباراتك اليومية .



أول بند في هذا اللقاء الطيب يجب أن تحذر من تربيه من طلابك أو من أبنائك أن تحذرهم من التقليد الأعمى الذي يلغي شخصية الإنسان وهويته وطموحه ، ويدل على ضعف فيه ، غير الإلغاء قد ينقله للفساد والهلاك .
مثلاً تجد أسرة فيها تفاهم وود لأن المرأة تريد أن تقلد جارتها أو قريبتها أو أختها التي تزوجت من غني تصبح حياة الأسرة جحيماً ، تريد أن تظهر بمظهر لا تملك ثمنه ، مع أن زوجها جيد ، والدخل يغطي المصاريف الأساسية ، والأمور جيدة ، لكن لمجرد أن تقلد هذه الأسرة دخلت في متاهة .
 (( لَيْسَ مِنَّا مَنْ تَشَبَّهَ بِغَيْرِنَا )) .
[الترمذي عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ ]
(( لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه )) .
[ البخاري عن أبي هريرة]
أحياناً تحتار أن هذه الأزياء غير مقبولة ، وغير معقولة ، وغير منطقية ، لأن الأقوياء الذين نعظمهم ارتدوا هذه الثياب ينبغي أن نفعل مثلهم .
مرة اشتكى لي أحد أصحاب معامل الجوارب أن صرعة انتشرت بين الناس وهي عدم ارتداء الجوارب في الصيف ، شكا لي همه ! أننا عبيد لما يأتينا من الغرب .
حدثني أخ تاجر يعمل في الكلف النسائية قال : يكون عندنا بضاعة بالملايين ، بعد شهر أو شهرين تأتي في مجلات الأزياء أنماط جديدة ، كل هذه البضاعة لا تباع ولا بعشر قيمتها ، المسلمون يلهثون وراء ما يستحدث في الغرب .
طبعاً هذا يستهلك طاقات ، الإنسان حينما يلهث وراء أحدث الصرعات في الحياة لا يعجبه شيء وهو بالمقابل لا يعجب أحداً ! الحديث الأول فيه تشديد كبير :
 (( لَيْسَ مِنَّا مَنْ تَشَبَّهَ بِغَيْرِنَا )) .
[الترمذي عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ ]
الحديث الثاني فيه وعيد : 
 (( مَنْ تَشَبَّهَ بِقَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُمْ )) .
[أبي داود عَنِ ابْنِ عُمَرَ]



لفت نظري مرة في بلاد على المستوى الرسمي الخمر ممنوعة ، ولأن بعض الشاردين معجبون بالخمر يضعون على الطاولة زجاجات التفاح ، لكن تشبه زجاجات الخمر تماماً ، لون الشراب والقارورة مشابه تماماً ، أليس هذا مرضاً في الإنسان ؟ إذا كان محرماً عليه الخمر يجب عليه أن يضع على الطاولة قارورة تشبه الخمور حتى الكؤوس ، فكلما كان إيمانك قوياً تبتعد عن هذه المظاهر التي تجدها عند الطرف الآخر ، (ليس منا) هذا وعيد كبير جداً ، والوعيد الثاني :
(( مَنْ تَشَبَّهَ بِقَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُمْ )) .
[أبي داود عَنِ ابْنِ عُمَرَ]
والحديث الثالث : 
(( لَعَنَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمُخَنَّثِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالْمُتَرَجِّلَاتِ مِنَ النِّسَاءِ)).
[البخاري عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِي اللَّه عَنْهمَا]
يوجد تقليد لجنس آخر ، قد يقلد المؤمن غير المؤمن ، الآن التقليد ضمن المسلمين لكن الرجل يتشبه بالمرأة في حركاتها وسكناتها ونعومتها وكلامها الرقيق وكأنه امرأة ، ويوجد امرأة كالرجال يعلو صوتها وتحد نظرتها في الآخرين ولا تستحي لذلك :
(( لَعَنَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمُخَنَّثِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالْمُتَرَجِّلَاتِ مِنَ النِّسَاءِ)).
 [البخاري عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِي اللَّه عَنْهمَا]
أنا أقول هذه الكلمة المرأة حينما تقلد الرجال تفقد أثمن ما تملك ، هي تبقى امرأة وفي هويتها أنثى ، لكنها تفقد أنوثتها وأجمل ما في المرأة أنوثتها وحياؤها لذلك :
  ((ورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه في آخر الزمان يرفع الحياء من وجوه النساء ....)) .
[ورد في الأثر ]
تحد النظر إليك ، وتدخن ، وقد يعلو صوتها :
  (( وتنزع النخوة من عقول الرجال ، وتنزع الرحمة من قلوب الأمراء )) .
[ورد في الأثر ]
لا رحمة في قلب الأمير ، ولا نخوة في رأس الرجل ، ولا حياء في وجه المرأة وهذه علامات من علامات آخر الزمان .
   


قال النبي الكريم :
(( لَا تَكُونُوا إِمَّعَةً تَقُولُونَ إِنْ أَحْسَنَ النَّاسُ أَحْسَنَّا وَإِنْ ظَلَمُوا ظَلَمْنَا ، وَلَكِنْ وَطِّنُوا أَنْفُسَكُمْ إِنْ أَحْسَنَ النَّاسُ أَنْ تُحْسِنُوا وَإِنْ أَسَاءُوا فَلَا تَظْلِمُوا )) .
[الترمذي عَنْ حُذَيْفَةَ]
الناس يقولون مثل هذا القول ، أنت مع الناس ماذا يقولون ماذا أفعل بلوى عامة : 
(( لَا تَكُونُوا إِمَّعَةً تَقُولُونَ إِنْ أَحْسَنَ النَّاسُ أَحْسَنَّا وَإِنْ ظَلَمُوا ظَلَمْنَا ، وَلَكِنْ وَطِّنُوا أَنْفُسَكُمْ إِنْ أَحْسَنَ النَّاسُ أَنْ تُحْسِنُوا وَإِنْ أَسَاءُوا فَلَا تَظْلِمُوا )) .
حينما أشعر أن إنساناً يقابل السيئة بالسيئة يسقط من عين المجتمع لماذا ؟ لك جار أساء لك إساءة بالغة ، أنت إذا أسأت له إساءة بالغة من نوع إساءته أنت مثله وليس لك فضل عليه أبداً ، لذلك قالوا :
(( لَا ضرر وَلَا ضرار )) .
[رواه ابن ماجة عن عبادة بن الصامت]
أي أن الضرر لا يزال بضرر مثله ،إن فعلت كما فُعل بك ، أنت مثل الذي فُعل بك ، مرة ثانية : 
(( لَا تَكُونُوا إِمَّعَةً تَقُولُونَ إِنْ أَحْسَنَ النَّاسُ أَحْسَنَّا وَإِنْ ظَلَمُوا ظَلَمْنَا وَلَكِنْ وَطِّنُوا أَنْفُسَكُمْ إِنْ أَحْسَنَ النَّاسُ أَنْ تُحْسِنُوا وَإِنْ أَسَاءُوا فَلَا تَظْلِمُوا )) .
معاذ الله ، لكن يوجد استثناء من هذه القاعدة ، لكن لو قلدت الأجانب بشيء من النظام مثلاً رائع ، لو قلدتهم بدقة مواعيدهم أروع ، لو قلدتهم بإتقان صنعتهم أروع وأروع ، المؤمن منفتح يمكن أن يقتبس من كافر أسلوباً جيداً في التعامل أو في الصناعة ممكن .
قال بعض الأدباء : ثقافة أية أمة ملك البشرية جمعاء لأنها بمثابة عسل استُخلص من زهرات مختلف الشعوب على مر الأجيال .



هل يعقل إذا لدغتنا جماعة من النحل أن نقاطع عسلها ؟ يوجد حديث كبير عن مقاطعة البضائع التي تأتينا من بلاد تدعم أعداءنا ، نحن جميعاً مع المقاطعة ، لكن مع مقاطعة ماذا ؟ مقاطعة البضائع الاستهلاكية أو الضارة كالدخان أو المركبات ، لكن لسنا مع مقاطعة البرامج أو مقاطعة الأدوات الطبية العالية جداً ، هذه تنفع المسلمين ، لكنهم من لؤمهم يحظّرون علينا ما ينفعنا ويبذلون لنا ما يضرنا ، فلذلك قضية تقليد الأجنبي بدقة المواعيد فرضاً ، بإتقان الصنعة ، وبالنظام ، يوجد في النظام شيء رائع جداً ، هذا شيء ينبغي أن نقلدهم فيه ، ولأن هذه الثقافة ربما كانت من عندنا في الأساس !
دخلت لمتحف في شيكاغو ، متحف علمي كبير جداً ، تقريباً ثلثه متعلق بالعالم الإسلامي ، علماء المسلمين وعلماء الجغرافية وعلماء الفلك والرياضيات ، إنتاجهم ، أشكالهم وأشكال بحوثهم ومخترعاتهم كلها موجودة وباللغة العربية ! إذا أعجبك شيء من الأجانب قد يكون أصله من عندنا .
أعيد وأكرر ثقافة أية أمة ملك البشرية جمعاء لأنها بمثابة عسل استخلص من زهرات مختلف الشعوب على مر الأجيال ، فكل شيء جيد من عند هؤلاء ينبغي أن نأخذه ، أحد الأدباء سئل : ماذا نأخذ وماذا ندع من الغرب ؟ قال : نأخذ ما في رؤوسهم وندع ما في نفوسهم ، بعضهم قال : أوروبا عقلها من ذهب وقلبها من حديد ، قاسية قسوة الحديد ، لكن إنتاجها ينم عن ذكاء وتفوق علمي كبير ، فحينما نهاجم التقليد الأعمى لا نمنع أن تقلد ما هو جيد ووفق منهج المسلمين ومتوافق مع منهج القرآن والسنة لا مانع .
مرة كنت في مصر ، عندهم تقليد رائع ، شاب مقدم على الزواج له أصحاب ، نحن ماذا نفعل ؟ نأتي بقطعة للبيت قد يأتيه مثلها عشر قطع لا يحتاجها ! هو يضع عند صديق حاجاته ، وكل واحد يريد أن يقدم هدية لهذا الشاب يسأل هذا الذي اعتمده والذي سيهدى عليه ، فيتعاونوا على تأمين حاجاته التي رتبها وصممها ، فتأتي الهدايا كلها متوافقة مع حاجاته ، إذاً يوجد تنسيق ، أنت ينبغي أن تدفع له ألف ليرة ، ويلزمه شيء بخمسة آلاف وأنتم خمسة لو تعاونتم على شراء هذه الحاجة حلت مشكلته ! والله شيء جميل !



من باب الأشياء اللطيفة دعيت مرة لإلقاء محاضرة في بلدة جنوب شيكاغو اسمها أنديانا مدينة كبيرة ، فالذي دعاني طبيب متفوق ، المسجد عندهم رائع جداً ، أما الطابق الأرضي ثلاثة أبهاء متساوية ، يقطع هذه الأبهاء أبواب أكورديون ، فإذا أغلقت هذه الأبواب أصبح هناك ثلاثة أبهاء كاملة ، فطبعاً الدعوة لإلقاء محاضرة ، وكان هناك حفل عشاء ، الطاولة في البهو الأوسط ، وعليه من الطعام مالا يصدق ، حوالي أربعين خمسين ستين نوع من الطعام وكله من الدرجة الأولى ، من طبخ هذا الطعام ؟ من أي مطعم جاءوا به ؟ إكرام منقطع النظير ، ثم جاء الرجال كل واحد معه صحن أخذ من هذا الطعام ما يكفيه ، وجاء للبهو الأول ، ثم جاءت النساء وأخذت من الطعام ما يكفي كل واحدة واتجهت للبهو الثالث ، فالرجال والنساء أكلوا معاً ، والطعام نفيس وبكميات كبيرة جداً ، لفت نظري بعد الانتهاء من الطعام كل امرأة جمعت حاجتها لسيارتها ، مع العلم أنه لم يشترِ أحد هذا الطعام ، كل أسرة جاءت بنوع من أنواع الطعام ! سبعين أسرة سبعين طبخة ، استهلك من الطبخة واحد بالعشرة جاءت ربة البيت أخذت هذه العبوة لمركبتها ، لم يدفع أحد قرشاً وقدموا طعاماً نفيساً جداً وسيأكلونه بعد يومين من الوليمة ، والصحون والأدوات كلها كرتون أو بلاستيك .
وجدت وليمة فخمة جداً ، الطعام طيب وثمين ، والجميع أكل بوقت واحد ، وفي النهاية لا يوجد جهد ولا دفع ! 
حضرت درساً صباحياً بمنطقة اسمها ديترويت ، عندهم تقليد أن الدرس الصباحي يوم الأحد ، وعقب الدرس عندهم فطور ، من أحضر الطعام ؟ كل واحد يحضر شيئاً ، تجد مائدة بما لذّ وطاب ، صار في درس وطعام محبب وشيء يجذب . 
يوجد أشياء تعجب بقضية الطعام والنظام ، فإذا اطلع الإنسان على نماذج لطيفة في العلاقات العامة لا مانع من أن يقلدها ، أنت لست ضد كل شيء ، أنت ضد المعصية والانحراف ، التقليد بكل شيء محرم فهو محرم ، وكل شيء غير محرم لكنه يشير إلى الطرف الآخر ، التقليد يعني محبة وولاء للطرف الآخر :
(( فمن هوي الكفرة فهو مع الكفرة ولا ينفعه من عمله شيئاً .))
[السيوطي عن جابر]
الإنسان ينبغي أن يعتز بدينه لقد قال الله عز وجل : 
﴿ وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ (33) ﴾
(سورة فصلت)



في حياتنا تجد لكي تستطيع أن تحل مشكلة بعد الساعة الحادية عشرة ، إن كان بمحل تجاري صاحب المحل لا يأتي حتى الحادية عشرة أو الثانية عشرة ، وفي بعض الدوائر لا تحل قضية قبل الحادية عشرة ، الساعة الثانية انصراف ! يأكلون وينامون ويعودون للعمل وينتهون في الساعة العاشرة من العمل ، العالم الغربي كله وفي تركية الساعة الخامسة فجراً تجد الطرق مزدحمة ، ينطلقون لأعمالهم باكراً ، الساعة الثانية عشرة عندهم راحة نصف ساعة ، ثم يتابعون للساعة السادسة ، تجد الجميع في المنازل ! الغذاء الساعة السادسة ، ويجلس الزوج مع زوجته وأولاده ، لاحظ النمط الحالي السهرة بالمحل التجاري ، الزوجة وأولادها بعيدون عن الزوج ، ووقت الظهيرة مستهلك ، وشيء ثان ٍ يوجد استهلاك مواصلات وازدحام ، عندهم ذهاب وإياب ، ذهاب للعمل وعمل جاد ، ثماني ساعات من الثامنة حتى السادسة ويوجد نصف ساعة راحة الظهر ، المسلم يصلي ويأكل شطيرة ، أولاً لم نستهلك المواصلات ، وثانياً كل إنسان جاء لبيته وجلس مع أولاده وزوجته ، إذا قلدنا النظام هل هذا خطأ ؟ نحن مستهلكون بالمواصلات ذاهبون وعائدون وازدحام ، ووقت الظهر عندهم الوجبة الأساسية مساء الساعة السادسة ، بينها وبين النوم مرحلة كبيرة ، نحن نأكل الساعة الثانية عشرة ونذهب للنوم فوراً !! 
إذا تكلمنا عن التقليد لا نقلد الشيء الحرام ، ولا الشيء الذي فيه اعتزاز بالطرف الآخر ، أما الشيء الجيد نقلده ، هذا تعليق على موضوع التقليد .
حتى بعلاقاتنا الاجتماعية يوجد عشرات العادات والتقاليد ليست من الدين في شيء مثلاً : يتوفى للمرأة أخوها لا تعرف سنة ، سنتين ، ثلاثة ترتدي الأسود ، وكل أربعاء تأتي النساء لمواساتها ، كما تأتي النساء لمواساتها بعد مرور أربعين يوماً على موته ، وكذلك الحال عند مرور سنة ، تجد هذا الحزن مشى وانتهى .
 (( قَالَتْ لَمَّا جَاءَ نَعْيُ أَبِي سُفْيَانَ مِنَ الشَّأْمِ دَعَتْ أُمُّ حَبِيبَةَ رَضِي اللَّه عَنْهَا بِصُفْرَةٍ فِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ ، فَمَسَحَتْ عَارِضَيْهَا وَذِرَاعَيْهَا ، وَقَالَتْ : إِنِّي كُنْتُ عَنْ هَذَا لَغَنِيَّةً لَوْلَا أَنِّي سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : لَا يَحِلُّ لِامْرَأَةٍ تُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ تُحِدَّ عَلَى مَيِّتٍ فَوْقَ ثَلَاثٍ إِلَّا عَلَى زَوْجٍ فَإِنَّهَا تُحِدُّ عَلَيْهِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً )) .
[البخاري عَنْ زَيْنَبَ بِنْتِ أَبِي سَلَمَةَ]
هذه كلها عادات ليست من الدين ، المتوفى وفاته فجيعة ، وأهل البيت في مصاب كبير ، وفوق مصابهم وحزنهم وألمهم يأتون بالطعام ليطعموا الذين شاركوهم في العزاء وفي تشييع الجنازة .



سمعت عن شابة توفي زوجها في شبابه ، فلما جاء الطعام للبيت كي يأكل من اشترك في العزاء والجنازة طردتهم من شدة ألمها . لَمَّا جَاءَ نَعْيُ جَعْفَرٍ قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم :
 (( اصْنَعُوا لِأَهْلِ جَعْفَرٍ طَعَاماً فَإِنَّهُ قَدْ جَاءَهُمْ مَا يَشْغَلُهُمْ )) .
[الترمذي عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بنِ جَعْفَرٍ]
في الإسلام ممنوع الأكل عند الميت ، أنت مكلف أن تأتي له بالطعام ، أما في تقاليدنا فوق المصيبة والفاجعة والموت يجب أن تأتي بطعام يليق بمقام البيت ، وتأتي بالذين شاركوا بالجنازة كي يأكلوا ، والله أعتذر دائماً عن تناول الطعام بمناسبة وفاة ، هذا مخالف للسنة ، هذه عادات ، والأفراح أيضاً العادات لا بد من أن يجلس العريس والعروس على المنصة وأمامه النساء الكاسيات العاريات وهذا كله محرم في ديننا ، فإذا امتنع شاب لأنه مؤمن هذا يعني أنه أعور عنده مشكلة ، فوراً يتهم أن عنده عيباً خلقياً كبيراً ، إذا امتنع أن يجلس جانب زوجته في العرس .
من التقاليد التصوير ، هذا فيلم ينطبع عليه مئات النسخ ، والنساء كلهن كاسيات عاريات ! فإذا رأى زوج إحدى المدعوات هذا الشريط وسأل زوجته عن كل واحدة وهي في الطريق محجبة وضمن الحفلة متبذلة ، وهذا الفيلم صورها ، وهذا من أشد أنواع التحريم ومن تقاليد المجتمع .
حدثني أخ قال : لا أقوى على منع التصوير ، هو في آخر حياته ، ومكانته في أسرته ضعيفة ، وزوجته قوية جداً ، وحفلة ، جاء للمصورة وسألها : كم تأخذين على الفيلم ؟ قالت : ألفين ، قال : خذي فوقهم ألفين لكن لا تضعي فيلماً بالآلة ! استطاع بهذه الطريقة أن يمنع التصوير ، وعندما عرفوا بهذا الأمر أقاموا عليها النكير لكن لم يحصل التصوير !
هذه من تقاليدنا وعاداتنا ، التصوير ، والعريس ، ما أنزل الله بها من سلطان ، وحزن على الميت بعد مرور أربعين يوماً ، وبعد سنة ، وكل أربعاء ، حتى يمل الزوج منها بسبب حزنها الطويل على أخيها ، الخنساء عندما مات أخوها ملأت الدنيا بكاء ، لما أسلمت وماتوا أربعة أولاد لها ما زادت عن أن قالت : الحمد لله الذي شرفني باستشهادهم ! كلمة واحدة فقط !



أخواننا الكرام الدرس حول التقليد الأعمى ، ولاسيما تقليد الطرف الآخر في المعاصي والآثام ، أو فيما يدل عن الولاء لهم ومحبتهم :
(( فمن هوي الكفرة فهو مع الكفرة ولا ينفعه من عمله شيئاً .))
[السيوطي عن جابر]
أما أن تقلد ما هو جيد ونافع ، وما هو وفق منهج الله لا مانع ، حينما تقف مركبة المدرسة في بلاد الغرب ويرفع السائق إشارة ممنوع السير قبل ثلاثين متراً يقف ، طفل ينطلق بالاتجاه الآخر نزل من الباب الأيمن بيته بالجهة اليسرى حتى ينتقل من الجهة اليسرى مطمئن لا تستطيع مركبة أن تمشي ولا متر ، ثلاثين متراً قبل الباص وثلاثين متراً بعده ، نحن كم طفلاً يموت ؟ يكون مندفعاً للطرف الآخر تمشي سيارة تدهسه ؟! هذا جيد أن تعتني بسلامة الصغار ، أمور كثيرة ينبغي أن نأخذها ، وأمور كثيرة ندعها ، لكن المصيبة نأخذ ما يفسدنا وندع ما ينفعنا ، فلما سئل هذا الأديب : ماذا نأخذ وماذا ندع ؟ قال : نأخذ ما في رؤوسهم وندع ما في نفوسهم .
أخواننا الكرام : يجب أن نحذر من رفقاء السوء ، لا أرى خطراً يهدد أولادك كرفيق السوء ، ولا أرى رجلاً أعقل ممن اختار هو لأولاده رفقاء صالحين ، الطفل يحتاج لرفيق شئت أم أبيت ، فإما أن يختار هو رفيقاً صدفة سيئاً ، وإما أن تختار له أنت الرفيق ، وهذا الرفيق ينبغي أن يكون رفيقاً ويأتي للبيت ويجلس مع ابنك ، لا ترفض ما هو كائن حقيقة ولا ترفض ما لا بد أن يكون ، وإذا قبلت أنه لا بد من رفيق اختر أنت لأبنائك رفقاء صالحين فالكذب قد يتعلمه الطفل من الرفيق السوء ، والسرقة يتعلمها الطفل من الرفيق السوء ، وبذاءة اللسان والانحلال والتدخين والعادات السيئة جداً حينما تثور شهوته ، حتى الانحراف الخطير كله من رفيق السوء ، الطفل يتعلم من رفيقه ستين بالمئة ، وأبوه وأمه وإخوته وأساتذته أربعين بالمئة ، يعني تأثير رفيق السوء كبير جداً ، والآباء والأمهات العاقلون والعاقلات يتخذون أبناءهم أصدقاء وصديقات حتى يشعر أن الأب مع ابنه ، والأب يستشار ويباح له ببعض الأسرار والأم كذلك ، فكلما اقتربت من ابنك وكنت قريباً منه ويمكن أن يتكلم لك عن أسراره ويأخذ رأيك ويستنصحك تكون أقدر على توجيهه ، بينما الحاجز الكبير بين الأب وابنه والعنف الشديد ، هناك أمراض كثيرة حتى في النطق يوجد حبسة لسان وتأتأة وفأفأة هذه أمراض اللسان سببها قسوة الأب فيجب أن يكون الأب وديعاً ولطيفاً .
قاعدة : علامة نجاح أبوتك أنك إذا دخلت للبيت كان عندهم عيد ، وعلامة إخفاقك في تربية أولادك إذا دخلت للبيت كان البلاء الأعظم ، يتمنون ألا تكون بينهم ، أما الأب الصالح يتمنى الأولاد أن يكون أبوهم معهم ليأنسوا به ، فعلامة نجاح أبوتك أن يفرح أهلك بدخولك عليهم ، وفي درس آخر إن شاء الله نتابع هذا الموضوع .

والحمد لله رب العالمين



اترك تعليقك

    Powered By Blogger